الاقتصادية

هل أدخر أم أستثمر.. ؟ نظرة شرعية

12 ديسمبر 2017
12 ديسمبر 2017

معلم الأزهر عبدالله  -

المراجع الشرعي الداخلي -

ميثاق للصيرفة الإسلامية -

يدور علم الاقتصاد أساسا في فلك مثلث ـ الإنتاج، والتوزيع، والاستهلاك. وكل محور من هذه المحاور يرتبط بالادخار والاستثمار. فالإنتاج مثلا يتوقف على أدواته التي تشمل رأس المال ـ والذي يتوقف في المقابل على “الادخار”. والتوزيع يتأثر إيجابا وسلبا بحجم “الاستثمار” وعوائده. والاستهلاك يتحكم في “الادخار” عكسيا، حيث يزيد الادخار إذا قل الاستهلاك، ويقل الادخار إذا زاد الاستهلاك؛ كما انه يؤثر “الاستثمار” زيادة ونقصا، فيزيد الاستثمار في البضائع والخدمات التي يزيد استهلاكها (طلبها)، ويقل الاستثمار في البضائع والخدمات التي تشهد استهلاكا أو إقبالا متدنيا.

بلغة مصرفية، كلمة “الادخار” ترد على الأموال الزائدة عن حاجة الفرد المودعة في حساب التوفير/‏‏الادخار لغرض الادخار، والذي يشبه ـ من جهة ـ الحساب الجاري (الوديعة تحت الطلب) في أن الزبون يمكن سحب الرصيد في أي وقت، وبدون إشعار مسبق، ولا يكون له فوائد؛ ومن ثم يعامل كحساب جاري. وقد يشبه ـ من جهة أخرى ـ الحساب/‏‏الوديعة لأجل في أن الزبون يمكن سحب رصيد الحساب مع بعض الشروط، مع قيام البنك بتوزيع فوائد عليه، ومن ثم يتمتع ببعض مزايا الحساب لأجل؛ فهو إذن حساب وسيط بين الحساب (الوديعة) تحت الطلب والحساب (الوديعة) لأجل.

في الصيرفة الإسلامية، مفهوم “الادخار” يرد على الوديعة المالية التي يودعها الزبون في حساب التوفير/‏‏الادخار)، بحيث يمكن له سحب الرصيد أو جزء منه. فإذا فوض الزبون البنك باستثمار مبالغ الحساب لمصلحته، فتعتبر الوديعة أمانة لدى البنك، وتستحق أرباحا؛ أما إذا لم يفوض البنك باستثمار هذه المبالغ، فإن الوديعة تأخذ حكم الحساب الجاري في أنها قرض مضمون للزبون، ومن ثم لا يستحق الأرباح. (ملحق ج، المعيار الشرعي 40، “توزيع الربح في الحسابات الاستثمارية”، الآيوفي). أما مفهوم “الاستثمار” فهو في الصيرفة التقليدية ينطبق على أي تشغيل للمال، والذي لا يخرج عن كونه إقراضا؛ فالإقراض والاستثمار مترادفان من منظار تقليدي. أما في الصيرفة الإسلامية، فإن الإقراض شيء، والاستثمار شيء، ويفصل بينهما خطان متوازيان لا يلتقيان.

من الناحية التطبيقية، يقسم البنك الإسلامي الودائع إلى حسابات جارية وحسابات استثمارية. أما الحسابات الجارية فهي الودائع التي بموجبها يقترض البنك (المقترض) رصيد الحساب من المودع (المقرض)، مع حق الأخير باسترجاعه في أي لحظة بدون إشعار مسبق، ودون استحقاق للأرباح. وعليه، فكل حساب يحمل هذه المواصفات يعتبر حسابا جاريا مهما كان اسمه، كالوديعة تحت الطلب الذي لا يفوض الزبون البنك الإسلامي باستثمارها. أما الحسابات الاستثمارية فهي الودائع المالية التي يودعها الزبون لدى البنك الإسلامي أمانة، ويفوضه بتشغيلها واستثمارها ليتقاسما الأرباح بينهما.

وغالبا ما يدير البنك الإسلامي الحسابات الاستثمارية هذه من خلال عقد “مضاربة” يقضي بأن يقوم البنك (المضارب) باستثمار الرصيد لمصلحة المودع (رب المال) مقابل حصة من الربح للبنك. غير أنه جرت العادة بإطلاق اسم “حساب استثمار مطلق” على حسابات التوفير (الوديعة الادخارية) التي لا يكون البنك مقيدا في كيفية الاستثمار، بل “يُطلَق” له العنان؛ وغالبا ما تكون مدة الاستثمار قصيرة، تبلغ شهرا، وتكون نسبة أرباحها أقل نسبيا. وفي المقابل، يطلق اسم “حساب استثمار مقيد” على الحسابات لأجل (الوديعة لأجل) بحيث يضع الزبون للبنك بعض الشروط، و”يقيده” في مجال أو مكان أو كيفية الاستثمار؛ وغالبا ما تكون فترة الاستثمار طويلة نسبيا، تبدأ من شهر، فثلاثة أشهر، فستة أشهر، فتسعة أشهر، فاثني عشر شهرا، فأكثر؛ ومن ثم تكون نسبة أرباحها عالية (طبقا لحساب النمر في توزيع الربح).

ونمط عقد المضاربة هذا في التطبيق العملي لا يأخذ شكل العقود التقليدية، بل يتكون من استمارة فتح الحساب البنكي، وبها الخانات المؤشرة لنوع الحساب إن كان توفيرا أو لأجل، مع بعض الشروط والأحكام فيها، مقرونة بالشروط والأحكام للحسابات والخدمات المصرفية العامة التي تكون في مستند منفصل يعالج كل أنشطة البنك بما فيها أحكام فتح وإغلاق الحسابات، أحكام الشيكات، أحكام الحوالات، أحكام ماكينة السحب والإيداع، أحكام المعاملات الإلكترونية، وأحكام توزيع الأرباح، إلخ. ومن خلال تحديد الزبون لنوع الحساب الذي يفتحه ـ باختيار الخانة المناسبة في الاستمارة، وإقراره لبنود الشروط والأحكام ذات العلاقة (والتي تتاح للزبون عند فتح الحساب)، يكون الزبون قد دخل في عقد مضاربة إسلامية مع البنك الإسلامي إذا اختار أحد الحسابات الاستثمارية ـ المطلقة أو المقيدة.