أفكار وآراء

ترجمات :ترامب في آسيا - لماذا امتدح مضيفيه ؟

12 ديسمبر 2017
12 ديسمبر 2017

ديفيد اجنيشس - واشنطن بوست -

ترجمة قاسم مكي -

بعد أن أنهى الرئيس ترامب جولته الآسيوية التي استغرقت 12 يومًا الشهر الماضي، ربما سيكون في مقدوره تلخيصها بتعديل التصريح الموجز والشهير الذي يعزى إلى يوليوس قيصر بحيث يقرأ كما يلي: جئت، رأيت، وتَزلَّفت. (يشير الكاتب إلى تعليق ليوليوس قيصر لم يزد على ثلاث كلمات عقب عودته من معركة ظافرة وهو: «جئت. رأيت. وانتصرت» - المترجم).

كانت رحلة الرئيس ترامب هذه أقرب إلى أن تكون زيارة حج منها إلى جولةِ عرضٍ للقوة. فهو نادرًا ما شرح خلالها تفاصيل السياسة الأمريكية. بل بدلا عن ذلك كان في الغالب يطلب من الزعماء الآخرين المساعدة ويمتدح فضائلهم ويتبنى نظراتهم إلى العالم. فقد تحدث الرئيس خلال جولة الإطراء والمداهنة هذه عن علاقته «الاستثنائية حقًا» برئيس الوزراء الياباني شينزو آبي ومشاعره «الفائقة في دفئها» تجاه الرئيس الصيني شي جينبينج الذي وصفه بالرجل «الخاص جدًا».

كما تحدث عن علاقته «العظيمة» مع رئيس الفلبين «الناجح جدًا» رودريجو دوتيرتي وعن تعاطفه العميق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يشكل بلده «رصيدا لبلدنا وليس خصما عليها». كما مدح الرئيس ترامب نفسَه أيضا في كل محطة من محطات جولته تقريبا وأبلغ الصحفيين في طريق عودته أن الرحلة كانت «فائقة النجاح» وحققت إنجازات «فوق التصور».

قد يتضح حقا أن رحلة ترامب تاريخية ولكن ربما ليس بالطريقة التي يقصدها.

فهي قد تؤشر إلى أن أمريكا تكيف نفسها مع صعود القوة الصينية وإلى وجود رغبة في إصلاح العلاقة مع روسيا المتحفزة للمواجهة. هذا إلى جانب مكاسب أمنية قليلة واضحة للولايات المتحدة. وإذا كانت قمة يالطا في عام 1945 قد كرست قبول الولايات المتحدة بهيمنة الاتحاد السوفييتي في أوروبا الشرقية فقد بدا أن هذه الرحلة أضفت شرعية على وضع الصين كقوة باسيفيكية.

وكما أوضح شيء لترامب فإن «المحيط الباسيفيكي (الهادي) كبير بما يكفي كي يسع الصين والولايات المتحدة كلتيهما». كذلك عبر ترامب عن رغبة واضحة في تسوية الخلافات مع روسيا المتنمرة. لقد قيل الكثير عن اجتراره وترديده إنكار بوتين لأي نشاط سري (روسي) ضد أمريكا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. فهو يقول: «الرئيس بوتين يشعر حقًا.. يشعر بعمق أنه لم يتدخل في انتخاباتنا».

وعلق مسؤول كبير سابق في وكالة الاستخبارات المركزية على ذلك بقوله «حين يجتمع - فن عقد الصفقات - بجهاز المخابرات السوفييتي الكي جي بي فإن هذا الأخير هو الذي سيفوز». (فن عقد الصفقات عنوان كتاب ألفه رجل الأعمال دونالد ترامب قبل ترشحه للرئاسة الأمريكية- المترجم). لكن تلهف ترامب للحصول على مساعدة موسكو في تعزيز الموقف الدولي للولايات المتحدة كان أهم بكثير من سرعة تصديقه لما يقوله بوتين. فهو مثلا رسم بقدر كبير من الضجيج خطا أحمر بشأن كوريا الشمالية. ولكن من الواضح أنه بحاجة إلى مساعدة روسيا بالإضافة إلى الصين للوصول إلى هدفه بدون حرب.

ولكي يحصل على عون موسكو في كوريا الشمالية وفي سوريا أيضا فهو مستعد للتغاضي عن بوتين. وربما أن أهم تصريح لترامب في جولته الآسيوية قوله خلال مؤتمر صحفي في هانوي «لا يعلم الناس أن روسيا تعرضت لعقوبات ثقيلة جدًا جدًا. لقد حان الآن وقت العودة إلى إصحاح (لَمِّ شتات)عالم مُتَشَظٍّ ومحطَّم... وأنا أشعر أن وضع روسيا في مكانة الصديق بدلا عن النزاع الدائم معها سيكون بمثابة رصيد للعالم».

تأتي تعليقات ترامب المتوددة في وقت يشهد ارتباكًا أمريكيًا استراتيجيًا. يقول أحد الموظفين الجمهوريين المرموقين بالكونجرس «نحن نسير على غير هدى». وهو يعبر بذلك عن وجهة نظر نسمعها باطراد من المحللين غير الحزبيين في البنتاجون ومراكز البحث والجامعات.

وفي حين تحقق كل من روسيا والصين وإيران تقدما سريعًا في مجال توسيع قدراتها العسكرية لم تتخذ إدارة ترامب بعد القراراتِ الضرورية حول الكيفية التي تنوي بها فعليا منازلة هؤلاء الخصوم المحتملين. لقد تضمنت رسالة لم تحظ باهتمام يذكر كان قد بعث بها السناتور جون مكين إلى وزير الدفاع جيم ماتيس بتاريخ 27 أكتوبر تعليقًا حادًا على تأخر الحكومة الأمريكية في أداء واجبها باتخاذ قرارات استراتيجية لردع روسيا والصين بدلًا عن التقرُّب إليهما.

فماكين الذي يشغل ويترأس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ والمصاب بالسرطان لا يتحفظ أبدًا فيما يقوله هذه الأيام. جاء في الرسالة « نحن نواجه الآن مناخا أمنيا هو الأشد تعقيدًا منذ 70عامًا».

ويشرح ذلك بقوله «بسبب الترتيب غير الصحيح للأولويات وفشل نظام تدبير مستلزمات القوات المسلحة صرنا نفتقر إلى القدرات الدفاعية البالغة الأهمية لمواجهة منافسينا.... الذين يحققون تقدمًا مستمرًا... نحن لم نعد نتمتع بتفوقنا الكبير في الماضي على منافسينا وخصومنا. نحن ليس بمقدورنا أن نفعل أي شيء نريده في أي مكان. علينا أن نختار. يجب أن تكون لدينا أولويات».

ما ذكره جون ماكين هو نفس ما كان يقوله محللون عديدون في هدوء وعلى مدى شهور. لكن ما هو أكثر إثارة للقلق فيما يخص ترامب ليس تهديداته العسكرية المزاجية (على الرغم من أن ثمة ما يدعو إلى القلق في هذا الجانب أيضا). المصدر العميق للخشية هو عدم فاعلية الإدارة الأمريكية في مجال الأمن القومي. فهي لا تتخذ قرارات. وهي لا تضع أولويات.

الرئيس ترامب معجب بنفسه ويتملق الآخرين كي يتملقه الآخرون أيضا. وإذا كان ثمة مفهوم استراتيجي تنطوي عليه هذه المقاربة (الترامبية) فربما أنها مقاربة واقعية مقترنة بالخضوع. لقد جعلتني رحلة آسيا أشعر بأننا نشاهد تقهقرًا أمريكيًا بمصاحبة موسيقى آلات نحاسية لامعة.