أفكار وآراء

النهضة العمانية معان ودلالات عديدة

12 ديسمبر 2017
12 ديسمبر 2017

البروفيسور البريطاني : إدريان روسكو -

ترجمها إلى العربية :-

د. مسلم بن علي المعني – جامعة السلطان قابوس -

كما يعلم الناس جميعًا أن كلمة «نهضة» لها إيقاع خاص ومباشر في ذهن كل عُماني، فالطلبة في المدارس يتحدثون وبكل ثقة على أن كلمة «نهضة» تعني التجديد للشيء وولادته من جديد، كما أنهم يضيفون وبشكل سريع على أن هذه الكلمة ما هي إلا وصف لما حدث في سلطنة عُمان في عام 1970م عندما تقلد صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في البلاد.

ويمكن للقارئ أن ينظر إلى هذا الحدث، وما به من قيمة وكذلك ما نتج عنه من نتائج من منظور وسياق دوليين، إذ تظهر الأبحاث الحديثة وبشكل كبير أن النهضة في العالم الغربي كانت محورية في تاريخ أوروبا ذلك أنها اعتمدت اعتمادًا كبيرًا على عملية النقل الهائلة للمعارف العربية في مجالات كالعلوم والرياضيات والطب والفلك والفلسفة، مرتبطا ذلك جنبًا إلى جنب بأسماء رموز كانت مميزة آنذاك كابن خلدون وإبن سينا والغزالي وإبن رشد، وما صاحب هذا الأمر كله من نقل نصوص معرفية عن الحضارتين الرومانية واليونانية الضاربتين في عمق التاريخ، والتي بلا مرية كانت شريان الحياة بالنسبة لأوروبا؛ لأنها فقدت مثل هذه الكنوز خلال حملات الغزو من الشمال والتي أدت إلى إلحاق ضرر كبير تمثل في تدمير أوروبا.

ومواكبة لشرايين الحياة الإسلامية النابضة في شمال أفريقيا، ساهم هذا النقل في خلق انتعاش جعل من الأندلس في إسبانيا محط فخر واعتزاز للعالم في العصور الوسطى حيث كان الناس بمختلف أديانهم، المسلمون، واليهود، والمسيحيون يعيشون عيشة متناغمة ليس لها حدود، ويقول العالم هانس كونج (Hans Kung) أن في مدينة غرناطة - التي كانت آنذاك تسمى «درة الأرض» - عشرات الآلاف من المحلات التجارية وآلاف المساجد والمسابح والنافورات والشوارع المضاءة، كما كانت تضم بين جنباتها مكتبة الخليفة والتي احتوت على 400 ألف مرجع وهي واحدة من المكتبات البالغ عددها سبعون مكتبة في هذه المدينة. وحقا لا يمكن وصف ذلك إلا بالعصر الذهبي الذي ساهمت مكتسباته وإنجازاته في إخراج أوروبا من غياهب العصور المظلمة التي كانت تقبع فيها.

وفي تلك الفترة تحديدًا ظهر مفهوم «رجل النهضة» وهو مصطلح أصبح متعارفًا عليه عالميًا للشخص الذي يمتلك أرقى الصفات الإنسانية ومهاراتها والمتمثلة في النزاهة والحكمة والدبلوماسية والشجاعة والبلاغة والرشد والتواضع، والذي يعبر عنه المصطلح الإيطالي «Uomo» حيث إن امتلاك هذه الصفات والمحاسن يعد مطلبا رئيسيا لتولي مناصب قيادية في الحياة.

وفي هذا السياق، هناك إجماع عام في وسط كافة المراقبين في مختلف أرجاء العالم أن عُمان كانت بلا ريب محظوظة؛ لأن يكون في قمة هرمها رجل عظيم يتمثل في شخص حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- والذي جعل من بداية حكمه إيذانًا ببدء نقطة تحول لعُمان وأهلها. فلقد كان لخبرته وتجاربه الدولية دورًا بارزًا في معرفته بثقافات الشعوب الأخرى ومجتمعاتها. كما لا ننسى أيضا التدريب العسكري الذي تلقاه والذي أكسبه مهارات ومعارف تمثلت في الانضباط والشجاعة واكتساب المعارف والإقدام في كل جانب من جوانب الحياة.

وكان مقدمه الميمون إيذانًا ببدء حقبة جديدة قاد مسيرتها نحو التحديث والتطور والتجديد على نحو مذهل للغاية. ولا يسعني في هذا الجانب إلا القول أن قيادته الثاقبة تتماشى مع حكمة الفيلسوف الإغريقي سولون «Solon» القائلة: «إن الشخص الذي يتصرف وفق ما يقتضيه النظام والقانون يتحلى أيضا بالصفات التي تمكنه من القيادة»، كذلك فإن حكمته الثاقبة تتماشى أيضا مع قول الفيلسوف والروائي والمفكر الفرنسي أندريه مالرو والذي قال أنه لا يمكن لشخص أن يقود شعبا دون أن يضحي في خدمتهم. كما أنه ينطبق عليه قول الشاعر الروماني أوفيد «Ovid» والذي قال إن من صفات القائد الحكيم أن يتأنى قبل إنزال العقوبة ولكن عندما يتعلق الأمر بمكافأة المستحق فإنه يقدم في ذلك دون تأخير أو تردد.

ولجني ثمار يانعة لرؤية تمثلت في نهضة حقيقية، كانت عُمان على موعد لان تشهد ازدهارًا وتقدمًا لمرحلة التحول ما بعد عام 1970م. ولننظر إلى معالم هذه النهضة والتي هي بلا ريب ماثلة للعيان في كل بقعة من بقاع عمان، متجلية في المساجد العصرية التي شيدت في مختلف أرجاء عمان وشبكة الطرق التي تربط كل مدنها وقراها وكذلك المطارات والمدارس والمستشفيات والكليات والجامعات، كما تمثل ذلك أيضا في زمر العمانيين رجالا ونساءً والذين ساهموا بكل فعالية واقتدار في كل ميدان من ميادين الحياة المختلفة داخل السلطنة وخارجها. ولا أدل على ذلك سوى الخدمات الصحية المقدمة في السلطنة التي صنفتها منظمة الصحة العالمية ضمن أحد تقاريرها في المرتبة الثامنة ضمن أفضل الخدمات الصحية في العالم، مدللة على ذلك بهذه العبارات «أن النجاح الذي حققته عمان يظهر بجلاء الخطوات الكبيرة التي قطعتها في زمن قياسي قصير نسبيا».

فياله من منظر، وأي منظر! إنه منظر عمان الآن عندما تقارنه بذلك المشهد في عام 1970م، ولعل خير شاهد على القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ما يقوله أولئك الذين يزورون السلطنة من الخارج والذين يعبرون على الدوام عن مدى إعجابهم بما يشاهدونه من تحول في كل ركن وزاوية من هذه الأرض، مما يجعلنا نستذكر الكلمات اللاتينية الأربع المكتوبة على جدران كاتدرائية القديس بولس وهي كاتدرائية كنيسة إنجلترا ومقر أسقف لندن تخليدا لمهندسها المعماري كريستوفر رن (Christopher Wren ) وهو مهندس معماري وعالم فلك ورياضيات وفيزيائي من أصل انجليزي، وهذه الكلمات (Si requiris monumentum, circumspice ) والتي تعني عند ترجمتها إلى اللغة العربية إذا أردت أن ترى نصبا تذكاريا للإنجازات التي تحققت في زمن لأي إنسان فانظر ببساطة إلى ما هو موجود حولك.