أعمدة

نوافـذ :«العمانية لحقوق الإنسان»

12 ديسمبر 2017
12 ديسمبر 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يقينا لا نبالغ في القول: إن أكدنا أن حماية حقوق الإنسان في السلطنة تكفلها قيم المجتمع قبل كل شيء، فهي مكفولة للكل دون تمييز لعماني أو غير عماني، وهذه الكفالة التي تحتضنها هذه القيم هي مشروع إنساني ممتد في هذا البلد منذ زمن بعيد، تؤرخه الأحداث والمواقف، قبل أن «تعتمد الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م» وتظل هذه الحقوق مكفولة بحكم هذه القيم قبل أن تصل إلى صرامة النصوص القانونية المنظمة لذات الحقوق، وقبل أن يستغيث أي فرد بأية مؤسسة معنية ذات العلاقة، وتمثل (اللجنة العمانية لحقوق الإنسان) أحد أركانها الأساسية، ومن هنا نفهم لماذا تأخر إنشاء اللجنة حتى عام 2008م، ولعلها تأتي لتضيف بعدا آخر لمفهوم المجتمع المدني، ولو بصبغة رسمية، حسب القوانين المنظمة لنشأتها واستمرارها، وآليات العمل فيها.

ففي احتفال اللجنة يوم الأحد الماضي بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف العاشر من شهر ديسمبر من كل عام، أوضح المكرم الشيخ عبدالله بن شوين الحوسني، عضو مجلس الدولة، رئيس اللجنة العمانية لحقوق الإنسان أن اللجنة «أنشئت لتعمل على مساعدة الحكومة والمجتمع على ترسيخ المبادئ ونشر الوعي بأهميتها بما يتفق مع المواثيق والقوانين والاتفاقيات الدولية، لحقوق الإنسان».

وقد سعى المنظمون لحفل هذه المناسبة إلى أن يستضيفوا نماذج حية من المجتمع عمانيين وغير عمانيين، يمثلون محطات إنسانية مهمة في حياة هذا المجتمع معبرة عن حقيقة الممارسة والتوظيف في كفالة هذه الحقوق من قبل أفراد المجتمع الذين تجاوزوا بكل اقتدار مظان علاقات التقاطع بينهم وبين الآخرين الذين أتوا من بلدانهم باحثين عن لقمة العيش، فلم يجدوا على امتداد هذه المساحة الجغرافية سوى الأمن، والتعامل السخي، والود، والإخاء، والرضا، والعفو، حيث وجدوا أنفسهم هنا، وسط

هذا السخاء الإنساني الفائض بالمحبة بلا تكلف، وما الكلمات القصيرة المعبرة التي تلفظ بها هؤلاء بلا تكلف إلا دليل صادق على كفالة القيم في هذا المجتمع الآمن أهله للمحافظة على حقوقهم طوال سنوات العمر التي قضوها في عمان بعيدا عن بلدانهم، وأسرهم، ومجتمعهم.

تركة القيم هذه – اعتبرها – أمانة عظمى على جيل الشباب أن يتحمل مسؤولياتها بكل اقتدار ومحبة، فالمحبة هي التي ترصف الطرقات سجادات سلام، والمحبة هي التي تزهر الورود بأريجها الفواح، الذي يضفي على الوجود الطمأنينة والرضا، والمحبة هي التي تضفي على القلوب والنفوس تلك الغيمة المثقلة بالخير، والمخصبة للأراضي العطشى، وبهذه المحبة أحب الناس عمان، واستوطنوا أنفسهم الباحثة عن المحبة قبل لقمة العيش.

يجزم الجميع أن النصوص القانونية بتجريديتها الصارمة لن تستطيع أن توجد مجتمعا آمنا بلا تكلف، إن لم تجد هذه النصوص أرضية خصبة من الإيمان بها وبأهمية وجودها، ومتى استشعر الفرد في المجتمع هذه الأهمية عفا نفسه عن مشاق توظيفها في حياته، أو استحضارها في نشاطاته، بتجريديتها الصارمة، ويكفيه، مقابل ذلك، استحضار القيم الإنسانية الموصلة إلى روح هذه القوانين، وما تدعو إليه، وما تسعى إلى تحقيقه، فالمحصلة النهائية لهذا كله، هو وجود مجتمع يأمن أفراده حياتهم، ومعيشتهم، ومآلهم في آخر نهار كل يوم، وفي صباح اليوم التالي، ومتى وصل الفرد إلى هذه الغاية أدرك حقيقة حياته، واستمتع بها، وعاش آمنا مطمئنا.

لا يزال المجتمع العماني ينتصر إلى القيم الإنسانية الرفيعة في تعاملاته اليومية بين أفراده، ولا يعاني أبدا من عقدة الـ«غريب» فالجميع يشعر بسواسية العلاقات والتشابكات؛ ولذلك لن يعاني العاملون في اللجنة العمانية لحقوق الإنسان من كثير من بلاغات الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان، إلا وفق معدلاتها الطبيعية المعتادة، ولا أريد أن أتوقع غير ذلك.