الملف السياسي

عقبات كأداء أمام نجاح جولة جنيف الثامنة

11 ديسمبر 2017
11 ديسمبر 2017

د.فالح حسن الحمراني - كاتب من العراق يقيم في موسكو -

[email protected] -

ترصد غالبية القراءات في روسيا أن تصاعد الاتهامات المتبادلة واستخدام خطب التقريع بالآخر ووضع الشروط التعجيزية من قبل الأطراف المعنية، يجعل من الصعب الحديث عن أن جولة جنيف الثامنة حول الأزمة السورية ستخرج بنتائج إيجابية.

وفيما يصر وفد الحكومة على أن تكون الأولوية لمناقشة مكافحة الإرهاب فإن المعارضة السورية المدعومة من كافة الدول الغربية وبعض الدول العربية طالبت مع بدء المباحثات بالاعتراف فقط بممثلي المعارضة التي تدعو لترحيل الأسد فورا، ولم يصمد هذا الموقف غير الواقعي، لكون أن قرار مجلس الأمن يدعو إلى ضرورة توحيد كافة فرق المعارضة، بما في ذلك جماعة «موسكو» وجماعة «القاهرة» وجماعة «الرياض» وغيرها، وهو ما تم في النهاية مع بداية الجولة الثامنة الأسبوع الماضي.

وقد تعطلت عملية جنيف في الجولات السابقة، بسبب أن العناصر المتشددة بين المعارضين امتنعت عن التوحد مع الجماعات الأخرى التي تتخذ مواقف بناءة بشكل أكبر، كما أنها رفضت أيضا المباحثات المباشرة مع ممثلي الحكومة السورية. ويعود إلى حد كبير منذ أبريل العام الماضي سبب إدخال عملية جنيف في «غرفة الإنعاش» إلا أنها كانت «تميل للموت أكثر منه للحياة». وأنعش الإعلان عن إجراء مباحثات في «أستانا» عاصمة كازاخستان العام الماضي الدعوة لمواصلة مباحثات جنيف، ولكن ورغم تواجد كافة الأطراف وممثلي الأمم المتحدة في جنيف، إلا أن المباحثات ما زالت تتعثر ولم تبدأ بشكل جدي.

المنطق الأصح أن تبدأ الجولة الثامنة من دون شروط مسبقة وأن تكون المعارضة موحدة بكل أطيافها للدخول في جبهة واحدة للتفاوض مع وفد الحكومة، حول إطلاق العملية السياسية، وأن تسفر الاجتماعات عن الاتفاق على تشكيل لجنة لوضع الدستور الجديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة. وإذا كان قد تم توحيد المعارضة السورية بالفعل، فإن خطوات أخرى مهمة لم تتم بعد، والمأمول أن تتمكن جولة جنيف الحالية من إنجازها، أو على الأقل التمهيد لها.

الهوة بين الأطراف ما زالت واسعة، ويسعى كل طرف إلى أن يحصل على أكثر المكاسب من الوضع القائم، فالنظام يريد الاستفادة من ورقة الانتصارات التي أحرزتها قواته على تنظيم داعش وسيطرته على مناطق سكنية كثيرة، بينما تريد المعارضة أن «تستولي» على هذه الانتصارات عن طريق إزاحة الرئيس بشار الأسد من منصبه. والأخطر من ذلك، أنه بات من الواضح أن كل جماعة من جماعات المعارضة مرتبطة عمليا بقوة دولية أو دولة ويسير بركابها، إما طوعا كتكتيك سياسي، أو لتحقيق مصالح خاصة طمعا بالسلطة مستقبلا أو بالمال حاليا، ولكل طرف دولي أجندته الخاصة على الأرض السورية تتناقض وأجندة الأطراف الأخرى. وهذا العامل يلعب دورا حاسما في عدم تجاوز الأطراف السورية خلافاتها والعثور على قواسم وطنية مشتركة حقا للاتفاق السياسي ووضع حد للنزاع الدامي والمدمر والانتقال إلى مرحلة البناء.

وخلافا لمطلب المعارضة التعجيزي من الناجع أن يكون للرئيس بشار الأسد دورا في العملية الانتقالية، لأن رحيله غير المدروس والفوري، سيخلق بالضرورة فراغا سياسيا، قد ينقلب إلى فوضى ونزاعات ومجابهات بين مختلف الفرقاء، وقد تستغله المنظمات المسلحة غير النظامية، من أجل محاولة الإجهاز بالكامل على ما تبقى من كيان الدولة السورية، كما حدث في العراق وليبيا واليمن. والمنطقي أن يشارك الأسد وربما مع قوى المعارضة، التي سينضم ممثلوها في أجهزة السلطة والمراقبة، بإدارة العملية السياسية التي يتم خلالها وضع الدستور الذي يكون مقبولا من كافة الأطراف، وعلى أساسه يتم إجراء انتخابات نزيهة وحرة برعاية الأمم المتحدة. وبالتالي فإن الناخب السوري هو الذي سيقرر من سيشارك فيها ومن سينتخب في أجواء تتساوى فيها فرص المرشحين بضمانات دولية. ولن يكون بقاء الأسد في السلطة خطا أحمر لا يمكن تجاوزه.

ومن أجل بث الروح والحيوية في عملية تسوية الأزمة السورية أطلقت روسيا مبادرة عقد مؤتمر الحوار الوطني واسع التمثيل في مدينة سوتشي قبل الجولة الثامنة من مباحثات جنيف، إلا أن الصعوبات التي حالت دون انعقاده جعلتها تتحدث عن أنه سيكون عقب مباحثات جنيف. وتردد في موسكو في أنه سينعقد في فبراير المقبل. وإذا كانت موسكو تتحدث عن مؤتمر الحوار الوطني ليكون ساحة لالتقاء طيف واسع من مثلي كافة شرائح المجتمع السوري وأحزابه وقبائله وشخصياته النافذة، وعدم عزل أي طرف لا سيما المكون الكردي، فهناك مخاوف لدى البعض من أن مؤتمر الحوار الوطني سيجعل المعارضة التي تتحرك تحت مظلة الرياض «أقلية»، ويتبدد صوتها في ذلك التجمع الكبير؛ لذلك فإن هذه المعارضة لا تبدو متحمسة من أجل المشاركة فيه.

وتدل لهجة الخطاب الرسمي الروسي على أن موسكو تدعم النظام السوري في طرحه، على أن تركز المباحثات مع المعارضة على مناقشة مكافحة الإرهاب، ومن ثم على مراحل العملية السياسية التي يفهمها كل طرف أي النظام والمعارضة، على طريقته الخاصة، وكل يريد أن يكتسب منها المنافع لتعزيز مواقعه في سوريا المستقبل. وكان ممثل روسيا في المقر الفرعي للأمم المتحدة قد أجرى في جنيف مباحثات مع وفد النظام برئاسة بشار الجعفري حال وصوله لجنيف. وقال المسؤول الروسي : «لقد اقتنعنا كالعادة بأن موقف دمشق ينطوي على طابع بناء»، وعلى حد قوله «إنها مفتوحة للحوار ومستعدة لمناقشة الوثيقة التي أعدت سابقا في مكتب الممثل الخاص للأمم المتحدة بشأن سوريا ستافان دي ميستورا بشأن مستقبل بناء الدولة السوية، والتي يطلق عليها الـ« 12 نقطة». وهكذا فإن كرة التسوية السلمية تقع اليوم في ساحة الأطراف السورية المتنازعة، ولا يمكن التوصل لها إلا من خلال تحقيق استقلال كل جماعة بصنع قرارها بعيدا عن التأثيرات الخارجية ووضع أمن واستقلال ومستقبل سوريا في مقدمة الأولويات لا البحث عن مكاسب خاصة أو تأمين أجندة دول أجنبية.