الملف السياسي

مطبات وعرة تكرس حالة .. اللا تفاؤل واللا تشاؤم !

11 ديسمبر 2017
11 ديسمبر 2017

د.أحمد سيد أحمد -

,, رغم الأجواء الإيجابية التي تدعو للتفاؤل نجد في المقابل أن مسار جنيف 8 يواجه بالعديد من التحديات والمطبات الوعرة التي تقلل من سقف التوقعات بشأن تحقيق تقدم جوهري ,,

انطلقت مفاوضات الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف بين وفدي النظام السوري والمعارضة وسط توقعات تمزج بين التفاؤل والحذر في إمكانية حدوث اختراق حقيقي هذه المرة بعد تعثر الجولات السبع السابقة في وضع حد للمأساة السورية المستمرة منذ ست سنوات وراح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى والجرحى وملايين المهاجرين واللاجئين في داخل وخارج سوريا إضافة إلى التدمير الكبير في البنية الأساسية والمؤسسات. ثمة مجموعة من العوامل تدفع باتجاه التفاؤل في جنيف 8 تشي بإمكانية حدوث تقدم على مسار الحل السياسي وتتمثل في:

أولا: وجود وفد موحد للمعارضة، والذى انبثق عن مؤتمر الرياض2 حيث تم إعادة تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات من 50 شخصا يمثلون كافة أطياف المعارضة السورية، لتضم أفرادا من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وأفراد من هيئة التنسيق الوطنية وأشخاص من منصات معارضة موسكو والقاهرة إضافة إلى عسكريين ومستقلين، ويترأس الهيئة نصر الحريري بعد استقالة رئيسها السابق رياض حجاب.

وهذا التطور يمثل أهمية كبيرة ويختلف عن الجولات السابقة التي اتسمت بتعدد المعارضة وتنوع منصاتها ومن ثم تعدد الرؤى وأحيانا تنافرها حول شكل الحل السياسي، وقد أفقد غياب موقف موحد للمعارضة العديد من أوراقها التفاوضية أمام وفد النظام، لكن ساهم مؤتمر الرياض2 في تقريب الفجوة في المواقف بين أطياف المعارضة وهو ما يدفع إيجابيا صوب إمكانية التحرك للأمام في هذه الجولة باتجاه انجاز الحل السياسي.

ثانيا: انخفاض منسوب العنف في سوريا بدرجة كبيرة، بعد إبرام اتفاقات خفض التوتر لتشمل غالبية المناطق والمحافظات السورية، ورغم الاختراقات المحدودة من بعض أطرافها، وكذلك استمرار حالة التوتر والمواجهات في الغوطة الشرقية، إلا أن اتفاقات التهدئة التي ساهمت في تحقيقها جولات الآستانة السبع، صمدت بشكل كبير وهو ما يوفر بيئة إيجابية لانطلاق المحادثات السياسية، وذلك على خلاف الجولات السابقة لمفاوضات جنيف والتي انعقدت مع تعارض المسارين السياسي والعسكري، واستمرار القتال الذي أدى لانهيار وتعثر تلك المحادثات حيث كان يسعى كل طرف لتحقيق الانتصار العسكري لكي يعزز رؤيته للحل السياسي، وهو ما أدى للمراهنة على الحلول العسكرية وتباطؤ وتعثر المسار السياسي.

ثالثا: اندحار خطر الإرهاب بشكل كبير بعد الهزائم الساحقة التي تعرض لها تنظيم داعش خلال العام الحالي حيث تم استعادة كافة المناطق والمدن التي كان يسيطر عليها مثل الرقة ودير الزور والبوكمال وغيرها، وهو ما يمثل خطوة إيجابية أيضا في اتجاه التركيز على الحل السياسي والدخول فى المرحلة الانتقالية، بعدما كان يتم أرجائها في السابق بسبب إعطاء الأولوية لمواجهة الإرهاب وتنظيم داعش، وبالتالي بعد تراجع وانحسار خطر الإرهاب أضحت الأولوية الآن لتحقيق اختراق حقيقي وتقدم على المسار السياسي وإنجاز تسوية تاريخية لإنهاء دوامة العنف والتدمير في سوريا.

رابعا: على خلاف جولات المفاوضات السابقة والتي كانت تتم بطريق غير مباشر ودون أن يجلس وفدا النظام والمعارضة على طاولة واحدة وجها لوجه، مما ساهم في تعقد تلك المحادثات وغياب حالة من الثقة بين أطرافها، فإن الجولة الثامنة تشكل بيئة مواتية لإمكانية التفاوض المباشر بين الجانبين كما أشار دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة لسوريا، مما يساهم في إعادة بناء الثقة بين أطراف الأزمة ويقلل من حدة الفجوة الكبيرة بين الجانبين التي أحدثتها الحرب المستمرة منذ سنوات. لكن رغم هذه الأجواء الإيجابية التي تدعو للتفاؤل نجد في المقابل أن مسار جنيف8 يواجه بالعديد من التحديات والمطبات الوعرة التي تقلل من سقف التوقعات بشأن تحقيق تقدم جوهري فيها:

أولها: استمرار حالة التباين والتعارض الشديد في الرؤى والمواقف بين أطراف الأزمة والمفاوضات حول شكل وطبيعة ومضمون الحل السياسي وملامح المرحلة الانتقالية، فمن ناحية تتمسك المعارضة السورية ومعها بعض القوى الإقليمية والدولية بموقفها في أن يستند الحل السياسي على مرجعية جنيف1 في يونيو 2012 وقرار مجلس الأمن الدولي 2254 في ديسمبر 2015 ، وأن يكون هناك انتقال سياسي حقيقي بتشكيل هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات لتتولى كتابة دستور جديد للبلاد خلال ستة أشهر يعقبها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال عام، وهو ما يعني عدم وجود دور للنظام السوري الحالي خلال تلك المرحلة وهو ما أكدت عليه المعارضة في بيان الرياض2 ، بينما يصر النظام السوري ومعه حلفاؤه روسيا وإيران على تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة عناصر من المعارضة المعتدلة والموافقة على مراجعة بعض مواد الدستور، مع رفض الحديث عن مصير النظام في المفاوضات وإعطاء التركيز الأساسي على محاربة الإرهاب، وهذا التناقض والتعارض في جوهر الحل السياسي قد يشكل لغما يؤدي إلى تعثر تلك الجولة كسابقاتها، رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها المبعوث الدولي دي ميستورا وتشكيل لجان فنية حول المسائل الدستورية والقانونية ومحاولته جمع وفدي المعارضة والنظام على طاولة واحدة، ورغم ضغوط الأطراف الإقليمية والدولية على طرفي المفاوضات لتقديم تنازلات وإبداء حالة من المرونة والتوصل إلى صيغة توافقية، إلا أنه في ظل تشبث كل طرف بمواقفه في ضوء تغير موازين القوى على الأرض لصالح النظام السوري وحلفائه وسيطرة روسيا حليفة النظام على كثير من أوراق اللعبة السورية، فمن الصعب تحقيق تقارب في المواقف بين وفدي النظام والمعارضة، كما أنه يؤدي إلى إطالة أمد المفاوضات وقد لا تحسمها الجولة الحالية.

وبالطبع فإن شكل التسوية السياسية للأزمة السورية سيكون نتاجا للعديد من المعطيات والمتغيرات أبرزها مدى التوافق الدولي والإقليمي حول التسوية السياسية ومضمونها خاصة بين اللاعبين الأساسيين في الأزمة وهما روسيا والولايات المتحدة، حيث التوافق بينهما حول أن يكون الحل السياسي في إطار الحفاظ على نفوذهما ومصالحهما في سوريا في ظل تقاسم النفوذ على أرض الواقع ما بين الوجود العسكري الروسي في العديد من المناطق السورية مثل قاعدة حميميم بطرطوس، والوجود الأمريكي في شمال سوريا عبر حلفائها من الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية. ومن الواضح أن التفاهم الروسي الأمريكي الأخير بين ترامب وبوتين في قمة الآسيان من شأنه أن يلعب دورا كبير في شكل الحل السياسي وسرعة التوصل إليه وتقرير مستقبل سوريا.

كما أن القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا تسعيان أيضا إلى أن يكون شكل الحل السياسي ضامنا لمصالحهما ونفوذهما في سوريا، حيث تسعى تركيا لمنع قيام أي كيان كردي منفصل في شمال سوريا.

ورغم حالة اللا تفاؤل واللا تشاؤم التي اكتنفت مفاوضات جنيف8 ورغم مواقف الأطراف الإقليمية والدولية المتضاربة والتى تسعى لتحقيق مصالحها أولا وكلها تمثل مطبات وعرة أمام تحقيق التسوية، فإن الحل السياسي في سوريا ينبغي أن يكون بأيدي السوريين أنفسهم في إطار الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها والعمل على وقف دوامة العنف المستعرة منذ سنوات، وأن يقوم السوريين بأنفسهم بتقرير مستقبلهم عبر تقديم تنازلات حقيقية للتوصل إلى حل سياسي شامل وتحقيق المصالحة الوطنية ووقف كل صور التدخل الخارجي والتفرغ لإعادة الإعمار وإعادة اللاجئين، وبدون ذلك فإن مفاوضات جنيف8 ستكون مثل سابقاتها في استهلاك المزيد الوقت بينما تستمر معاناة الشعب السوري.