صحافة

مائة عام بين وعد بلفور المشؤوم وقرار ترامب المذموم

11 ديسمبر 2017
11 ديسمبر 2017

مائة عام ما بين وعد بلفور المشؤوم في نوفمبر 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وقرار دونالد ترامب في ديسمبر 2017 بإعلان القدس عاصمة أبدية لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها. وكلاهما ينطبق عليهما القول «أعطى من لا يملك من لا يستحق».

وما أشبه اليوم بالبارحة، فكما خلق «وعد بلفور» الكثير من المتاعب والعنف في منطقة الشرق الأوسط على مدار مائة عام، هكذا ينذر قرار الرئيس دونالد ترامب بمئوية جديدة من العنف والصراع والمعاناة للفلسطينيين.

وكأن التاريخ يعيد نفسه، فقبل مائة عام كانت بريطانيا هي القوة العظمى والإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، ومن وازع هذه القوة نجحت في تنفيذ وعدها بخلق وطن لليهود في فلسطين. واليوم تكاد تنفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة على العالم، لذلك أصدر رئيسها ترامب قرارًا يعطي للاحتلال الإسرائيلي شرعية على القدس كعاصمة أبدية لإسرائيل.

هذا الموضوع الخطير حظي بتغطية واسعة في الصحف البريطانية التي أشارت إلى ردود الفعل الواسعة والمتباينة من خلال ما نشرته من تقارير وتحليلات ومقالات رأي وافتتاحيات.

كتب ستيفن بولارد مقالا في صفحة الرأي بصحيفة «ديلي تلغراف» وصف فيه قرار ترامب بأنه غير منطقي على المستوى السياسي والديبلوماسي. وأنه سيدمر فكرة إمكانية إيجاد حل توافقي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وفي صحيفة «الجارديان» كتب رشيد خالدي مقالًا بعنوان «خطأ ترامب يمثل كارثة بالنسبة للعرب وللولايات المتحدة على السواء»، أشار فيه إلى أن القرار يمثل صفعة لسبعة عقود من السياسة الأمريكية. وأن تداعيات هذا القرار ستكون سلبية للغاية، ولا يمكن التنبؤ بما سيحدث.

وذكر الكاتب أن ترامب لم يستمع لتحذيرات العرب ودول الشرق الأوسط والقادة في أوروبا من مغبة اتخاذ مثل هذه الخطوة، التي جعلت التوصل لحل سلمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني أكثر صعوبة عن ذي قبل. ووصف الكاتب يوم إعلان ترامب لقراره بأنه «يوم حزين بالنسبة للقانون الدولي ولفلسطين ولكل شخص مهتم بالتوصل إلى السلام في منطقة الشرق الأوسط».

أما صحيفة «التايمز» فنشرت افتتاحية بعنوان «مقدسة ومقسمة»، تقول فيها إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتخذ خطوة خطيرة، ويترتب عليه الآن بذل مجهود كبير مع السعودية والفلسطينيين للعمل على إيجاد طريق لإحلال السلام عوضًا عن الدخول في المزيد من الصراعات.

وترى الصحيفة أن أمل ترامب في أن يؤدي قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس إلى إنهاء الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين سيذهب أدراج الرياح. كما أشارت إلى تحذير وانتقاد الكثيرين لقرار ترامب، ومنهم مصر والأردن والسعودية، حيث سيعرقل هذا القرار التوصل لحل نهائي للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وسيزيد من التوتر في المنطقة.

واعتبرت صحيفة «الفايننشال تايمز» في افتتاحيتها بعنوان «قرار ترامب الخطير بشأن القدس» أن قرار الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها «خرقًا للدبلوماسية». وأضافت الصحيفة أن ترامب «استطاع بهذا القرار توحيد جميع الناس ضده تقريبًا ومن بينهم حلفاؤه المقربون في المنطقة، حيث أثار قراره موجة غضب بين المسلمين، ووفّر بيئة خصبة للمتشددين، كما أنه حط من شأن الولايات المتحدة في أعين العالم أجمع».

وتتوالى ردود الفعل الغاضبة في فلسطين وحول العالم الإسلامي يومًا بعد يوم. ففي تركيا وباكستان ودول عربية وإسلامية أخرى اندلعت المظاهرات عقب صلاة الجمعة، وهدد الرئيس رجب طيب أردوغان بقطع العلاقات مع إسرائيل.

وفي فلسطين اندلعت الحرائق والمظاهرات الغاضبة في الشوارع، وقال صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين: إن قرار ترامب «يجعل الولايات المتحدة بلدًا غير مؤهلًا للقيام بأي دور لها في التوصل إلى سلام بين البلدين»، كما هددت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بإشعال انتفاضة جديدة. كما اعتبر قرار ترامب بمثابة صفعة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي كان يعمل وسيطًا بين الفلسطينيين وجاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه.

أما عن موقف بريطانيا فقد أكدت رئيسة الوزراء تريزا ماي أنها لا تنوي نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس. وقال المتحدث باسمها: «نختلف مع قرار الولايات المتحدة نقل سفارتها إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيلية قبل اتفاق بخصوص الوضع النهائي.. نعتقد أن هذا لا يساعد فرص إرساء السلام في المنطقة.

وبدوره قال وزير الخارجية بوريس جونسون: إن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل «ليس مفيدا»، وإن العالم يود أن يسمع إعلانًا جديًا من الرئيس دونالد ترامب بشأن كيفية حل قضايا الشرق الأوسط.

وانتقد عمدة لندن صادق خان قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس واعترافه بها عاصمة لإسرائيل، واصفًا القرار بـ«الخطير». وعبر عن قلقه للغاية لهذا القرار وأن ترامب لا يفهم سياسات الحرب، ولا يدرك حجم الإهانة التي يسببها، في إشارة إلى مدى تأثير القرار على المسلمين. داعيا العالم إلى التوحد والضغط على ترامب للعدول عن قراره.