المنوعات

يوميات..إلى الأصيل أبوبكر سالم بلفقيه

11 ديسمبر 2017
11 ديسمبر 2017

عبدالله أخضر -

بإذنكم محبيّه، إلينا جميعًا. لا تعرفني أنت، لكنني أعرف كل طبقات صوتك. أعرف هنّاتك وأعرف حزن كل مقطع، وفرح كل نشوة ودفقَ كل كلمة. أعرف دفء دمعتك وصفاء ضحكتك وشوكة حنينك. قدحت فيّ شرارة الحب وأنا مراهق أتذوّق الثمرة الغريبة، اكتشفت لاحقا أنني تشرّبت من طاقة الحب، وهو ديدنك طوال مسيرتك، الفنية والحياتية. توالت موسيقاك تكمل ثلاثية عشقتها: أنت والليلُ و»سولافتي». ليلك سهرته منتظرًا، لنرحّب بالفجر معًا. ليل غنّيت فيه معك، منتظرين شقشقة الفجر البهي. ليلك بأنواعه: الحالك والمقمر. وليل نادر يحمّمه المطر عاريًا في الصحراء. الليل يأتي بعد المساء عادة، أو قبله. معك أنت لا يهم الأمر كثيرًا. من عباءتك تنفضه شجنًا وأنت تتسلطن يمنة ويسرة. تلعب بمخارج ومداخل الكلمة، توصلها بكهرباء المعنى، فتمسّ أحاسيسنا طربا. يمضي اللحن كما هو يمضي.. تمضي انت. تقود اللحن بصوتك، ستبقى بعيدًا، كما يظهر للسامع، لن تتبعه بل اللحن سيتبع صوتك الخارج على قانونه. ستبقى ضيفا في جميع السهرات، دائما توجد أغانيك فيها، أنت البعيد، سيبقى من يطلبها ومن يتعلم العزف عليها، ضيفا أينما جلس السهارى.

عَتبك في كثر الله خيرك. وحزنك عندما يحلق بجناحٍ لاني بنايم ولاني بصاحي. ستبقى أنت المتيم بزرع العنب ونحن نسكرُ به لحنًا عذبًا..عُميانا في ليلٍ نقبضهُ حتى لا يسابق الصباح، مبصرين حبا سنحلّق فيه دونما جناح، والزمن لن يتغير، فقط أهل الزمن متغيرون..ورحمتك يا معين، قبل لا نبتدي بالمقالة، يا مروّح بلادك، ليل، والشمس غابت. وعادنا يا أبوصيل ما إنطربنا بعدك ولا التلاحين طابت. ستمر الحياة من أمام حدقاتنا، ونغني يا دوب مرّت عليّ 24 ساعة، ولن يضيع الهوى، بل نُناجيه في الليالي: إمتى أنا أشوفك يا كامل وصوفك..، فأنتَ لا بحرك بحر، ولا شاطي كبر، ووين أيها العاشق؟ تمشي في سراب خداع، ولكنك تبحر، والحب لك شراع. وستبقى على العهد، ستبقى رغم أن شيبك تعّب شبابك، وأنت تتسائل عن: شلون حال الربع في حضرموت من بعد الفراق؟ تنوح: ليلة في الطويلة، لتبقى زادك في ألف ليلة وليلة، طالبًا من صاحب الموتر أن يتأنى ويبحث لك عن وطن، تتبع طيرك، وقدركَ هائمًا لا يضوي على عشه، وقلبك على الأحباب يتحرّق والعين من طول البكا تشكي وراسك عادُه فيه تنغيشه، ورغم أني لك محب، ولا شك، فاشكو، فالله وحده يعلم حالتك أيشه؟

حنين لأمك اليمن، ومن يشبهُها من ؟ تناجي من طائرة بندر عدن: يا أحبّة ربى صنعا سقى الله صنعا، حيِّ ذاك الربى لا زال للغيدِ مرعى، لو يقعني إليه أسعى، على الرأس لا سعى. تتساءل عن صندوق الكتب والطوابع، عندك رسالة حب بدم القلب مطبوعة، قلت للمحبوب فيها وقايع: تَفتش الفنّ المغطّى ولا تغطي على المفتوش، فوق جبل شمسان تقتفي فنّ ظبي اليمن، ليقطر لحنك مثل عسل جردان. تسمع صياح الديك في ليالي الأنس في سيؤون، هناك ستلقي عصا المسافر. وستجعلها دليلك، إلى مغناك في الغنّا حضرموت، لأولئك الذين فارقتهم والدمع من عيونك محَلْ، والتذكّار في خاطرك لا يزلْ، يامسيكين من حب..

ستعتب على رفيقك المحضار: ما افتهملي؟ وستُغني: كلما هبّ شعف الخَرف نادك، كل ما مرّ قانص صيد صادك! مشاغبا وعصيّا سيبقى المحضار، ولن يقنصه أحد، بل قنّاصهُ سيتحول إلى طريدة. وعبر رسائل مغنّاة وبانسجام ثنائي نادر، تتبادلان نفخ مُزن الكلمة بينكما، وستلمّ شمل فرقتكما -رغم البُعد الجغرافي- وحنينكما للأيام الخوالي، تعصران مطرها العذب قُراحاً، في متوالية، لا يفهم سرّها إلا أنتما الاثنان. متوالية عُمرِ فيه حب وعتب وشكوى ومناجاة، وقصّة عشق جديد يتمشّى في غُرف القلب. عشق، لا يزال غُلاما يشبّ بخفرٍ في القلب. علّ الوعل الجافل يأتي متيماً على قرونه، بسرّ حب غامض من ضفاف المكلا، فاض عن ملف القلب، فداواه عن التلف، قبل أن ينكشف. عندها طاب السّمر، تُغنيان: دان للزين بالجانب النجدي، اللي في سفوحه تغرّد الحمايم فالبساتين، تطلبان الدان أن يسلي القلب.

لا تستمع إلى أبو أصيل بعجالة ياعوض، ويا أنت: تشرّب ودعهُ يغني ويطرب، له وحده يطرب. يستمتع هو بطربه أولاً، كالمؤذن المفتون بصوته، يؤذن نشوان وهيمان، ومن بعد، يدعو الناس للصلاة. هكذا يريدك. لأن عندها، لو خيروك لن تختار إلا الذهب رغم وفرة المعادن، كما يقول الداعي في كل المآذن، ومن علوٍّ سيغني للذي عاد كله صغير وبدري عليه الهوى، ويجهل البحر الغزير، فأبو أصيل، لن يقف عند حدّه، فهو الخبير، وسيغزي طوال أربعين سنة وهو الغيّار على فنه. باين في كلامه وابتساماته: ولا من مجايليه سيغزي، رغم طبول محطاتهم، وكمنجة ثرواتهم، ولحون لن تغطي سرقاتهم، فالأيام ليست لهم وحدهم، مهما زاد ماعندهم، رغم الضربات القاضية، في كل ناحية، فلن يتنصرُ لها سوى أهل السبب وأهل الفضول. سينادي أبو أصيل، وينادي، بأنه في غير واد، واد يعرفه هو، ولن يقتفي شوك أثره أحد، في لحن الوادي. ورغم الغصّة: سيسقيهم بكرم من فنجان شاهيه في مجلس ابن هاشم، وسيرثي له الخصم من خلاف المحبين. سيجعل الحب مطرًا يطفئ جمرة الضغائن. في النهاية سيلعلع بفنه لأهل الحسد: رُح ما انت أول من تغنىّ وراح....

لا تذكرني بشي يا أبو أصيل، أنا قلبي مانسي: أنك أصيل.. والله أصيل، للدان والليل ولنا، تكرّر: ياليل دانا لِ دان، ياليل دانه لِ دانَا، أصيل والله أصيل. رغم أن سود الليالي على العاشق ضنيّة، وليله بطي، يترقب الصبح من طول العشية، علّه يجي؛ لتكون معنا أينما ذهبنا، نعصر ونشرب قتادا نطعمهُ حلوا في فيافي عُـمـــان، نتقاسم رائحة السُمرِ في نسيم سحر طايف، وساري مرةً، ومراتٍ على نار شوق تتمايسُ غبشة، فيها العين تترقب وصله، علّه يجي علّه، على حين غفلة..، وياعين، لا تيأسي لحظة، ما بين غمضتك واليقظة، يمكن حبيبك يرضى في ليلة النور. حبيب سقانا من المرّ جملة، وهو الذي كان في كل شي ما يجامل، ما تعودنا غدره وزن قفله. كأنه يحسب الحب لعبة، وقت ما يطلبه يلقاه؟ قال: من يسمع الحكمة اذا جات زلة..

ما حد؛ يجيب الخبر نفس الخبر، لازم يصنعون للصافي غشر وسيظل الكذب والصدق من صنع البشر، وستظل بإباء واقف على بابهم، ولن تقدر على بعده وأنت جاره وباب الدار للدار؟ طاب السمر يا أبو أصيل وسنقول الدان،الدان الذي حصدتهُ من وديانك، جَنيته من نخلة محمد خان، وقطفته من حديقة القمندان، وعبيتهُ دهاقا من دفتر المحضار، ومزجته عودا وعطرا في سماء الجزيرة. عطرا سيحاول الجميع تقليد رائحته، لكنك ستبقى العطّار الذي شنف، وأصلح أسماعنا عن داء ما أفسده الدهر، وستجرّ حزنك لتخبرهم: هكذا با موت في أيدي الغواني محموم، محاولا إنقاذ الفتى وهو على بستانهن يحوم، بعد أن ضوى عاشقا ومغروم. غنّيت: يارب سالك تخلي سرنا مكتوم.

لا عتب، ما بيننا والبين يا أبو أصيل: عشقك مع عشقي، ومع عشقهم، ومع العاشقات. كل يوم طربان بن سالم يغني، وكل شيء في الليل ساحر، القمر، وطبعا الزواهر، سيغني لنا نحن محبيه (سابقة أن يؤلف مطرب لجمهوره فقط): هنّي قلوب العاشقين. وكأنه افترش وادي، ثم جذب مُحبيه بحبال ندامتهِ وصوته. فقعدنا معه على المسيلة»، ونسيم القرب نسنس، وغَفت عين الشياطين والفجر عسعس. أنصتنا له بلا مزايدة، لأنه افتهم لنا، فبرع، وشرح. وغرفنا بوصلٍ، من كأس الطارش الذي جاب الخبر، وانتشينا مع القمر الذي عبر؛ فعشقنا التيه في حبك، وفي يا ليلة دان، ياليلة دانا، مؤكدا لنا وللحبيب: تراني بين خلاني، قرير العين بك هاني. فنارك جنتي ماهي عذاب. تلك الليلة..، كان الحب شموعا تذرف الدمعة: واستمعنا ولم نخلِ الدان واقفا في الحنجره، ولا محينا تدفقهُ من اليد وشريان الوريد. لكن إيه يا دنيا على من؟ يشتكي الإنسان منك يادنيّة، كم تنكرتِ ودرتِ وكم على المحبوب جُرتِ..

كلمة على كلمة «رثيتُ لنفسي» وأنا أغني نشوان عن النفس التي: على الموارد لجاتْ للشرب تتنغّص، وجْدها مقالة، شرب النّغص يتعب الإنسان... يَعزفُ العود بيسراه، تقنيا يتطلبُ ذلك قلبَ أوتار العود.