أفكار وآراء

الدقم وصناعة الحافلات العمانية القطرية

09 ديسمبر 2017
09 ديسمبر 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

تزداد وتيرة الاستثمارات الخارجية بمدينة الدقم الاقتصادية منذ أن تم تخصيص هذه المدينة لإقامة مختلف المشاريع الصناعية والخدمية واللوجتسية. وكل عام تتوسع رقعة البنية الأساسية في هذه المدينة لتستوعب المشاريع المقبلة في إطار الخطة التي وضعت لهذه المنطقة التي ستكون واحدة من المناطق الحرة المتميزة في العالم. ففي العام الماضي وقعت المنطقة عدة اتفاقيات الانتفاع الاستثمارية لتنفيذ مشاريع حيوية من ضمنها إنشاء المدينة الصناعية الصينية العمانية بقيمة 10.7 مليار دولار، حيث ستقام الاستثمارات الصينية بالدقم على مساحة 1172 هكتارا. كما وقعت المنطقة اتفاقية مشروع حق انتفاع مع شركة كروة للسيارات لإنشاء مصنع لتجميع السيارات بشراكة عمانية قطرية وباستثمارات تقدر بنحو 160 مليون ريال عماني.

ومن أجل تنظيم العمل في منطقة الدقم الاقتصادية فقد خصصت الهيئة مناطق متنوعة للاستثمارات الصناعية بها بحيث تشمل منطقة للصناعات الثقيلة والبتروكيماوية، وأخرى للصناعات المتوسطة، وثالثة للصناعات الخفيفة، في الوقت الذي يشكّل وصول الغاز إلى هذه المنطقة عاملا كبيرا في انتعاش القطاع الصناعي خاصة مشروعات الصناعات الثقيلة والبتروكيماوية. كما تبدي المنطقة اهتماما مماثلا بأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتدعم جهود الجهات الحكومية الأخرى في هذا المجال، بحث تم خلال عام 2014 توقيع مذكرة تفاهم مع الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة للتنسيق بين الجهتين في كل ما من شأنه تشجيع استثمارات أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالمنطقة، كما سنّت الهيئة التشريعات والقرارات اللازمة لتعزيز مساهمة الشركات المتوسطة والصغيرة في المشاريع التي يتم تنفيذها بالمنطقة، مع العمل على توجيه المشاريع الكبيرة بتوجيه نسبة لا تقل عن 10% من إجمالي المشتريات والمناقصات للمؤسسات المتوسطة والصغيرة لتساهم بدورها في هذه المشاريع.

وفيما يتعلق بالاستثمارات القطرية العمانية خلال السنوات المقبلة فمن المتوقع أن تشهد تفاعلا أكبر سواء على المستوى الحكومي أو القطاع الخاص، خاصة وأن الشراكة التي أقيمت بين المؤسسات والشركات العمانية خلال الأشهر الماضية ترجع إلى العلاقات الاقتصادية القائمة بين البلدين قبل قيام منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، كما جاءت بفعل الأحداث التي شهدتها المنطقة الخليجية التي عجلّت من هذه النظرة.

وقبل عدة أيام احتفلت المنطقة الاقتصادية الخاصة بمدينة الدقم الساحلية التي تقع على بحر العرب والمحيط الهندي بوضع حجر الأساس لمصنع شركة “كروة موتورز” وهي إحدى الشركات القطرية التي تستثمر في السلطنة. ويقام هذا المشروع بشراكة استراتيجية بين كل من الصندوق العماني للاستثمار والذي يعتبر أحد الصناديق السيادية، حيث سيتمتلك ما نسبته 30% من حصص الشركة الجديدة، وشركة “مواصلات قطر” وهي شركة النقل الوطنية في دولة قطر حيث ستمتلك ما نسبته 70% من حصص الشركة. وقد جاء وضع حجر الأساس لهذا المشروع الحيوي تزامنا مع احتفالات السلطنة بالعيد الوطني الـ 47 المجيد. وسيكون هذا المشروع من أكبر المشاريع في المنطقة بحلول عام 2022، حيث يقام على مساحة 220 ألف متر مربع في مرحلته الأولى، وباستثمار أولي قيمته 90 مليون دولار في المرحلة الأولى لإنتاج ثلاثة أنواع من الحافلات وهي الحافلات المدنية، وحافلات المدارس، وحافلات نقل العمال لتلبية احتياجات السوق المحلية والإقليمية، كما يتوقع أن يقوم المشروع بتوظيف 200 موظف وعامل بالمرحلة الأولى منه.

ويعتبر هذا المشروع من المشاريع المهمة في المنطقة الخليجية وخارجها، وذلك من خلال إنتاج 1000 حافلة سنويا أي بواقع 84 حافلة شهريا في المتوسط . وسوف يتم الانتهاء منه في مرحلته الأولى بنهاية عام 2019، على أن يتم الإنتاج الفعلي له في الربع الثاني من عام 2020، وستكون هناك مراحل أخرى لزيادة الإنتاج لتصل ذروته إلى 3000 حافلة سنويا أي بواقع 250 حافلة سنويا، مع ان هذه الخطوة مرهونة بالعرض والطلب في سوقي البلدين والأسواق المجاورة كما أوضح المسؤولون عنها. وباعتبار أن منطقة الدقم الاقتصادية قريبة من الأسواق الإفريقية فإن توجهات الشركة سوف تنصب على ذلك، خاصة وأن السلطنة تتمتع بعلاقات صداقة قوية مع جميع الدول في هذه القارة وغيرها من القارات الأخرى.

إن السلطنة وبفضل وجود مثل هذه المناطق الصناعية الكبيرة لديها، والسياسات التي بدأت في اتباعها بشأن الاستثمارات الأجنبية والبعد عن ممارسة البيروقراطية وتسهيل إجرءات المستثمرين المحليين والاجانب، فقد تمكنت هذه المنطقة من جذب العديد من الاستثمارات خلال السنوات الخمس الماضية لتصبح اليوم مركزا للعديد من الصناعات والخدمات اللوجستية التي يتطلع إليها المستثمرين في العالم.

فميزة الأمن والاستقرار الذي تنعم بها السلطنة أوجد البيئة المناسبة لنمو الاستثمارات في هذه المنطقة الاقتصادية الحرة، التي تهدف إلى توفير سبل العيش الكريم لأبناء المنطقة من خلال التوزيع الجغرافي للمشاريع والاستثمارات الوطنية ، فيما أصبحت هذه المنطقة تحظى باهتمام كبير في إطار التوجيهات السامية لتحقيق التنويع الاقتصادي في البلاد، وتساهم في تحقيق هذا الهدف الوطني. كما وقعت المنطقة عدة اتفاقيات لإنشاء مشاريع في قطاع السياحة وقطاع التطوير العقاري، بالاضافة إلى تشييد مدرسة دولية من المتوقع أن تفتح أبوابها في سبتمبر من العام المقبل 2018 لتحقق بذلك أحد أهم أهداف المنطقة وسكانها، وتوفر لهم فرص العمل والبقاء في مدينتهم والمدن المجاروة حولها.

كما من المتوقع أن توفر هذه المشاريع الحالية والمستقبلية العديد من فرص العمل للشباب العماني والتي سيكون لها مردود إيجابي على الاقتصاد الوطني وعلى الشباب أنفسهم، خاصة وأن المنطقة ملتزمة بتنفيذ مشاريع البنية الأساسية للمنطقة بالرغم من تراجع أسعار النفط العالمية منذ منتصف عام 2014، إلا أن الاستمرار في تعزيز البنية الاساسية وضخ استثمارات جديدة في مشاريع الطرق والمياه والكهرباء تعمل على جذب المزيد من الاستثمارات إلى المنطقة. وقد شهدت مدينة الدقم توقيع عدة اتفاقيات خلال الفترة الماضية تضمنت إنشاء أربع محطات على الرصيف التجاري للميناء للحاويات، ومحطة للمواد الجافة السائبة ومحطة متعددة الاستخدامات، وإنشاء منطقة عمليات الميناء، بالإضافة إلى إنشاء الطرق والبوابة التجارية للرصيف التجاري، ومنطقه الفحص والتفتيش ومبنى تسجيل الشاحنات ومبنى المحطة الواحدة للميناء ومبنى الجمارك والتفتيش وغيرها من المباني التابعة لأعمال التخليص للمحطة التجارية. وهناك عدة مشاريع أخرى في هذا الإطار لاستكمال البنية الاساسية للخدمات الحكومية، ولإدارة العمليات اللوجستية التي تحتاج إليها المنطقة. ومما لا شك فيه فإن القطاع الخاص المحلي والأجنبي أصبح يلعب دورا كبيرا في تعزيز الاستثمارات في هذه المنطقة، الأمر الذي يعكس المناخ الاستثماري في السلطنة بشكل عام والذي يشجع الشركات المحلية والأجنبية على الاستثمار في هذه المنطقة في إطار الاستقلالية التي تتمتع بها منطقة الدقم الاقتصادية من جهة والبرامج التي تتبناها الدولة لتسهيل مهام القطاع الخاص والابتعاد عن البيرقراطية بهدف جذب وتنمية الاستثمارات بشكل عام إلى جميع محافظات السلطنة.

إن المؤسسات التي دخلت في مشروع صناعات الحافلات ترى أن هناك دراسة جدوى اقتصادية كبيرة وإيجابية لاقامته، خاصة وان المنطقة الخليجية تفتقد مثل هذه المشاريع الحيوية التي تساعد على التنويع الاقتصادي من جهة، وتعطي فرص العمل لأبناء المنطقة من جهة أخرى. ورغم أن هذا المصنع سوف تكون بداياته من خلال تجميع الحافلات، وبالتعاون مع شركة (هايجر) الصينية لتوفير التقنيات التكنولوجية، إلا أن هناك رغبة كبيرة بتعزيز مثل هذه المشاريع لتبدأ لاحقا في إنشاء صناعات أخرى تحتاج إليها مثل هذه الصناعة كصناعة الاطارات والمقاعد، والمصابيح، والبطاريات، والزجاج، وغيرها من اللوازم الأخرى.