أفكار وآراء

الكوليرا في اليمن

08 ديسمبر 2017
08 ديسمبر 2017

راشيل طومسون - المعهد الملكي للشؤون الدولية -

ترجمة: قاسم مكي -

قبل نحو أربعة أشهر، كان الوضع في اليمن قاسيا. فقد سُجِّلَت 124 ألف حالة اشتباه إصابة بالكوليرا. وكان الخبراء يتوقعون ارتفاعها إلى 300 ألف حالة. وانطلقت نداءات تطالب بالتحرك العاجل من جانب الجهات الصحية والوكالات الإنسانية وكذلك الأطراف المتحاربة لتمكين السكان من الحصول على رعاية صحية أفضل والسماح بوصول الإمدادات لمن يحتاجونها. لم ينتج عن تلك الرجاءات أثر يذكر. فحتى قبل شهر مضى، بلغت الحالات المشتبهة نحو 900 ألف حالة مما يعني أن جائحة الكوليرا في اليمن فاقَت جائحة هايتي التي شهدت 815 ألف حالة منذ عام 2010. وصارت بذلك أكبر جائحة وبائية في التاريخ الحديث. ومن المُرَجَّح أن يتجاوز إجمالي عدد الحالات رقم المليون الشهر الجاري (ديسمبر) وفقا لمنظمة «أنقذوا الأطفال» التي تتوقع أن يكون من بين المصابين 600 ألف طفل. وفي الأثناء تظل اليمن في قبضة أضخم أزمة إنسانية في العالم حيث يحتاج حوالي 20 مليون شخص إلى العون ويعاني 17 مليونا من حالة افتقار مزمن للأمن الغذائي. وعلى الرغم من أن البيانات الحديثة تشير إلى استقرار عدد حالات الكوليرا الأسبوعية الجديدة إلا أن ذلك يثير قضايا جديدة. فالموارد المالية تنضب مع انخفاض عدد الإصابات وتقلص حجم الاستجابة (المالية) من المانحين.

وفي الشهور القليلة الماضية استفحلت الأزمة بسبب المشاكل المعهودة سواء في الجانب المتعلق بتفشي الوباء أو جهود التصدي له. فمن منظور الصحة العامة لا يجب أن تكون الكوليرا داءً تصعب الوقاية منه أو السيطرة عليه. فقد كان في المقدور عمل المزيد لتجنب انتشار الوباء. لكن أقل من نصف المنشآت الصحية فقط هي التي تعمل بكامل طاقتها في اليمن. ولا يحصل عاملو الصحة وصحة البيئة على رواتبهم لعدة أشهر. كما أن المياه النظيفة في أدنى حدود توافرها والأطراف المتحاربة تفرض قيودا على حركة عمال الإغاثة. لذلك ليس من الصعب فهم الكيفية التي تفاقم بها الوضع على هذا النحو. وتفرض الحرب المزيد من الخيارات القاسية. فتقديم الدعم لأنظمة خدمات الصحة في مناطق النزاع كما في حالة اليمن قد يعني نقل الموارد إلى الأطراف المتحاربة. مثلا الوقود مطلوب لضخ الماء للمجتمعات المحلية. لكن نفس هذا الوقود قد يستخدم أيضا في أنشطة عسكرية. لذلك يواجه أولئك الذين يعملون في اليمن أسئلة كبرى تتعلق بالمساءلة ومعضلات حول كيفية توصيل مواد العون بدون المساهمة في اقتصاد الحرب. في الصومال حيث يفرض العنف المستوطن قيودا مماثلة على توصيل الخدمات الصحية تم احتواء الكوليرا بواسطة حملة تحصين. ولم يكن ذلك ممكنا في اليمن. فقد أوقفت الحملة قبل بدايتها المقررة في يونيو الماضي حين أرجأت الحكومة طلبها لجرعات اللقاح. وكانت الكوليرا قد تفشت على نطاق واسع مع تأثر 21 محافظة من المحافظات الـ23 في اليمن. إلى ذلك لم تتوافر جرعات كافية في المخزون العالمي لكل أولئك المعرضين للإصابة. وعلاوة على موضوع الحصول على التحصين والتحديات اللوجستية ( لقاح الكوليرا يستلزم سلسلة أجهزة تبريد) فقد كان يستحيل سياسيا تحديد من يحصل على التحصين ومن لا يحصل عليه. ومن منظور إنساني لن يكون ذا بال إذا كان طفل ما مصابا بإسهال مائي حاد أو بالكوليرا لأن العلاج واحد (التروية والمضادات الحيوية). ولكن من منظور السيطرة على الجائحة يجب معرفة ذلك. فتشخيص الكوليرا سهل لكن تأكيد الحالات المشتبهة صعب لأن الأعراض الرئيسية (الإسهال المائي) مشتركة في أمراض عديدة. فتأكيد الحالات المشتبهة يتطلب قدرات معملية لا يملكها اليمن في الوقت الحاضر. إن اختبارات التشخيص السريع متاحة عالميا لكن نوعيتها في اليمن ضعيفة. كما عرقلت توزيعها بصورة واضحة المسائل المتعلقة بسلسلة الإمداد. وتمثل نوعية البيانات في اليمن مشكلة في كل جانب من جوانب الأزمة الإنسانية. فبالنسبة للكوليرا، إضافة الى سوء التشخيص، يوجد في الوقت الحاضر حافز لدى عمال الصحة (الذين لم تسدد لهم رواتبهم بواسطة السلطات المعنية) للمبالغة في التبليغ بحجم الإصابات. فالاستجابة لنداءات مكافحة الجائحة توفر الأموال لسداد الرواتب والتكاليف التشغيلية الأخرى. تتوافر لدى أقسام المستشفيات التي تعالج مرضى الكوليرا كهرباء وإمدادات. وتزدحم أركان التروية (وهي أكشاك صغيرة يمكن أن يحصل فيها الناس على العلاج من أعراض الكوليرا) بمرضى آخرين يبحثون عن علاج من أمراض أخرى لا علاقة لها بالكوليرا. وهذه هي المفارقة التي تواجه عمال الصحة في اليمن. فمع انحسار حالات الكوليرا ربما ستسحب منهم الموارد التي تَلِحُّ الحاجة إليها. لقد تم تقديم تمويل جيد نسبيا استجابة للنداء الذي اقترن بإعلان حالة الطوارئ لمكافحة انتشار الكوليرا. ويمكن القول إن المال لم يكن حجر عثرة رئيسيا في محاربة تفشي الوباء. بل يؤكد الوضع في اليمن كيف أن استجابة كافية بالتمويل وفعالة تماما للوباء لا يمكنها أن تكون بديلا عن الأنظمة والخدمات العامة المطلوبة لضمان الوقاية من الكوليرا والأمراض الأخرى. وسيظل اليمن، مثله في ذلك مثل البلدان الأخرى الداخلة في نزاع ، معرضا لمخاطر جائحات أخرى في المستقبل إذا لم يتم التوصل الى حل سياسي (ودون سلام). وربما ستكون الجائحة التالية أشد فتكا من الكوليرا.

* الكاتبة باحثة بمركز أمن الصحة العالمي

بالمعهد الملكي للشؤون الدولية شاتام هاوس.