صحافة

الأيام:القضية الفلسطينية في مهب ترامب

08 ديسمبر 2017
08 ديسمبر 2017

في زاوية آراء كتب الدكتور علي الجرباوي مقالا بعنوان: القضية الفلسطينية في مهب ترامب، جاء فيه:

قام الرئيس ترامب بفعلة قد يكون قد رغب عدد من سابقيه القيام بها، ولكن لاعتبارات الحسابات السياسية أحجموا عنها، وذلك بأن أعلن الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل.

على السطح قد يُظن أن ترامب اتخذ هذا القرار الخطير للإيفاء بوعد قطعه على نفسه أثناء خوضه غمار الحملة الانتخابية، أو لأنه يريد استرضاء اللوبي الصهيوني المؤثر سياسيا في واشنطن، أو لمجرد كونه شخصا نزقا ومتهورا تقوده نوازعه وأحاسيسه لرغبة القيام بما هو خارج المألوف في السياسة الأمريكية التقليدية.

يُخطئ من يظن أن قرار ترامب مجرد نزوة رغائبية ونزعوية الطابع.

فمع أنه قد يحمل بعضا من هذه السمة، إلا أنه بدون أدنى شك قرار مؤسساتي مدروس ومحسوب، يُعبر عن التزام سياسي-سياساتي أمريكي راسخ وعميق تجاه إسرائيل، كيانا ووجودا.

وعند التمحيص في العمق، يمكن إيراد ثلاثة مدخلات قد تكون هي التي أدت بترامب لاتخاذ هذا القرار الآن.

أولا، يجدر عدم إغفال تحيز ترامب العميق لإسرائيل، والتزامه الشديد بصونها وحمايتها وتحقيق أهدافها، كدافع رئيسي وراء هذا القرار.

يخطئ من يظن أن ترامب مجرد رجل أعمال، متحرر من العقائد، وبلا مبادئ، لا يقوده سوى الرغبة أو القدرة على عقد الصفقات الرابحة، ما يعني إمكانية أن يكون محايدا تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

فتصريحاته، بكافة أشكالها، تُنبئ بغير ذلك، والفريق الذي اختاره للعمل في هذا الشأن أكبر دليل على ذلك.

فالأشخاص الثلاثة الأساسيون في هذا الفريق يهود صهاينة مؤيدون علانية لإسرائيل وللاستيطان.

وبالتالي، فإن مصلحة إسرائيل، بالنسبة لهم، أساسية، وتلبية مطالبها ضرورة وأولوية. وثانيا، إن هذا القرار يمكن أن يكون قد أتى نتيجة مشاورات خفية مع نتانياهو، إما تلبية لطلب مباشر منه، أو من أجل تسهيل مهمة إقناعه، وتحصيل قبول حكومته اليمينية، على ما يسميه ترامب بــ«صفقة العصر» لتسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والتي يتضمنها مشروع «السلام الإقليمي» الذي يسعى الرئيس الأمريكي لعقده بين العرب، وخصوصا الدول الخليجية، مع إسرائيل.

فهذه «الصفقة» التي يُعد للإعلان عنها أمريكيا خلال فترة قادمة وجيزة لا بد أنها تشتمل على بنود لا تحظى بموافقة الحكومة الإسرائيلية الحالية.

ومن أجل تذليل المعارضة الإسرائيلية المتوقعة، يُقدم ترامب لإسرائيل بهذا القرار دفعة تشجيعية مسبقة، وذلك بتلبية أحد أهم المطالب التي طالما سعت لتحقيقه، وهو الاعتراف بالقدس موحدة وعاصمة لها. وثالثا، إن الإدارة الأمريكية وصلت إلى استنتاج، وبالتأكيد بعد الفحص والتدقيق، أن هذا القرار لن يُكلف ترامب، أو الولايات المتحدة، ثمنا باهظا لا يُمكن احتماله.

فالتداعيات المتوقعة من الأوساط المعارضة على اتخاذ هذا القرار، من العالمين العربي والإسلامي، ومن بعض الدول الأوروبية تحديدا، لن ترتقي إلى مستوى الخطورة، بل سيكون مقدورا التعامل معها والسيطرة عليها من قبل الإدارة الأمريكية.

فالمعارضة الرسمية التي تبدت حتى الآن كانت خجولة، ضعيفة، ومستكينة، ولم تخرج عن نطاق النمطية في رد الفعل المتوقع من المناشدة والتعجب والشجب والاستنكار. ولا يُتوقع أن تتطور هذه المعارضة الشكلية لاحقا باتجاه اتخاذ أية خطوات عملية ضد الإدارة الأمريكية. أما بالنسبة للاحتجاجات الشعبية فمن المتوقع أن تكون كسابقاتها موسمية تستمر لفترة قصيرة وتنتهي. لقد تم ربط المصالح بين الإدارة الأمريكية الحالية والعديد من عواصم المنطقة لدرجة أصبح معها ترامب حرا طليقا يستطيع أن يفعل ما يشاء. وتُرك الشعب الفلسطيني ليواجه ليس فقط الضغط الإسرائيلي، وإنما وابلا من الضغوط الوافدة عليه من أطراف كانت فيما مضى مساندة وداعمة.

نحن أمام واقع جديد دولي وإقليمي يترك الفلسطينيين منكشفين في مواجهة الأخطار المحدقة بهم وبمصير قضيتهم، ليس فقط في مواجهة هذا القرار، وإنما بما سيتأتى عليهم مستقبلا في «صفقة القرن» التي يتم حاليا إنهاء التفاهم بشأنها مع العديد من الأطراف.

هذه «الصفقة» عندما ستُعلن ستكون قد استحصلت على الكثير من الموافقات، وسيصبح الفلسطينيون حينها في مهب ترامب، فإما يقبلون بها، أو يُتركون لمواجهة واقع مرير، مع تحميلهم كامل المسؤولية عن «تضييع الفرصة» والتخلف عن الاشتراك برسم ملامح «الشرق الأوسط الجديد».

«المكتوب يُقرأ من عنوانه»، وعنوان «الصفقة» هو قرار ترامب المتعلق بالقدس، وهو قرار خطير ويُنذر بالشؤم القادم والتداعيات السلبية التي ستحيق بنا في الأشهر القادمة.

في مواجهة هذا الوضع قد تأخذنا العزة بالإثم، كما كان حالنا في الكثير من السوابق، فنستسهل تسييل المواقف البلاغية على اتخاذ الخطوات العملية.

ويبدأ مسلسل إطلاق التصريحات وإصدار البيانات من مختلف الأطراف والأوساط الفلسطينية للإعلان عن أن الولايات المتحدة لم تعد «وسيطا نزيها» ( وكأنها كانت في يوم من الأيام كذلك!) يمكنه الاستمرار في تولي مسؤولية ملف التسوية، وتصدح المطالبات بوقف الاتصالات مع الإدارة الأمريكية. وعندما يتم ذلك -إن تم- يُعلن عن تحقق الانتصار! ولكن هل يكفي هذا الإجراء وحده لتحصين الموقف الفلسطيني، وهل سيؤدي فعلا إلى حدوث تحول وتغيير على السياسة الدولية والإقليمية الحالية؟ الجواب، بصراحة، هو بالنفي، والسبب هو أن لا أحد من القوى الدولية الأساسية يريد، أو يستطيع، أن يحمل هذا الملف عن الولايات المتحدة التي ستبقى المسيطرة عليه، والفاعلة الرئيسية فيه. والأنكى فوق ذلك أن المواقف التقليدية للعديد من الأوساط العربية بدأت تتداعى، وأصبحت مصالحها ومواقفها تتماهى مع رؤية الإدارة الأمريكية الحالية.

لذلك، وبغض النظر عن قطع العلاقات والاتصالات مع الإدارة الأمريكية، أو الإبقاء عليها، ستقوم هذه الإدارة بطرح رؤيتها للتسوية، وسيكون على الجانب الفلسطيني التعامل مع هذا الطرح سلبا أو إيجابا.