565
565
إشراقات

ابن ادريسو: الأفلام الموجهة في إعلام الطفل أصبحت مطمورةً بكم هائل من السلبيات

07 ديسمبر 2017
07 ديسمبر 2017

بعض أفلام الرسوم تلقِّن الأطفال قيمًا تتناقض مع عقيدة التوحيد وستبقى راسخةً في أذهانهم مدى العمر -

حــــاوره :سالم بن حمدان الحسيني -

الأطفال هم الرهان الكبير على الحاضر والمستقبل، ومن الأهمية بمكان السيطرة على وعيهم والتحكم في ميولاتهم فهم الغد القادم، وما يرسم هذا الغد هو نوعيةُ التربيةِ والتلقين التي نقدمها لهذا الطفل في الحاضر.. والأطفال هم أشد المسلوبين بالإعلام، وهم أكثر الفئات اهتماما به، ولذلك فهم حينما يعيشون لحظات ممتعة مع الترفيه في أفلام الكارتون، فإنها تلقِّن لهم قيمًا ستبقى راسخة في أذهانهم مدى العمر، وتشكِّل لهم في اللاوعي صورةً عن كيفية التعامل مع الحياة، وهي في أغلب صورها تتناقض كلية مع عقيدة التوحيد.

كما أن تربية الطفل على مشاهدة القتل عبر أفلام الكرتون والدماء تسيل دون وجل ولا فزع يتعارض كليا مع تعظيم الله للموت، ويتناقض كليا مع اعتقادنا بأن الله تعالى هو المتحكم في الموت، وأن كل الأنفس إليه راجعة.. ومن المؤسف أن تكون الإيجابيات في إعلام الطفل، كالحصص الثقافية والتعليمية الهادفة مطمورة في كم هائل من السلبيات التي بعضُها ظاهرٌ، والكثيرُ منها مدسوس في ثنايا الصور والكلمات والإيحاءات التي تخزن في عقله الباطني.. ذلك ما أكده أ. ابن ادريسو مصطفى الأستاذ بجامعة غرداية بالجزائر في لقاء خاص لـ عمان على هامش الندوة الدولية الرابعة التي أقيمت بالعاصمة التونسية مؤخرا.. فإلى نص الحوار:

■ ■ يتابع أطفالنا بشغف بالغ أفلام الرسوم المتحركة التي تعرض صباح مساء على القنوات الفضائية.. كيف ترون تأثير ذلك على أطفال المسلمين عامة والطفل العربي خاصة.. وهل هناك محاذير معينة على الآباء والمربين التنبّه لها؟

يلاحظ أن حياة الناس تتغير جذريا تحت تأثير وسائل الاتصال، حيث تتأثر المعتقدات والقيم الجماعية والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع بالمعروض في وسائل الإعلام، ذلك أن الإعلام بعد صياغة هارود لاسويل (H LASSWELL) لعناصر الاتصال في خمسة عناصر أساسية (المرسِل، والمستقبِل، والهدف، والرسالة، والأثر) تحول إلى مفهوم الثورة الاتصالية، وبالتالي فكل معروض في الإعلام مر بمنتجين كبار، ومراكز بحثية عملاقة صنعت مفهوم عنصر المرسِل، ويقدم للمستهلك الذي يسمى المستقبِل.

وإن أشد المسلوبين بالإعلام، وأكثر الفئات اهتماما به هم الصغارُ في مرحلة الطفولة (من الفطام إلى خمس عشرة سنة)، ذلك أن الطفل قابلٌ للتشكيل بحسب الرغبات والأهداف المقصودة، وأنه رهان كبير على المستقبل والحاضر، إذ بامتلاكه والسيطرة على وعيه والتحكم في ميولاته يمكنُ الرهانُ بالمستقبل. فالطفل هو الغد القادم، وما يرسم هذا الغد هو نوعيةُ التربيةِ والتلقين التي نقدمها لهذا الطفل في الحاضر. وإن كنا لا نُخفي بعض الإيجابيات في إعلام الطفل، وبخاصة بعضَ أفلام الكرتون (الرسوم المتحركة) والحصص الثقافية والتعليمية الهادفة التي تنمي بعض قدرات الطفل ببراعة، مثل: تنمية الحس الجمالي، بتقديم الألوان المثيرة في الديكور، والاهتمام بالإيقاع الصوتي الجميل. وأيضا تنمية الخيال الفكري والواقعي، من خلال تصوير شخصيات لا تجسيد لها في العلم الحسي. وتعزيزُ الشعور الديني بعرض بعض الحصص الإيمانية، أو الأفلام المتعلقة بالشخصيات الإسلامية والناجحة في الحياة، وكذا الحصص الثقافية الهادفة. وأيضا تنميةُ الثروةِ اللفظية للطفل مما يمنحه قدرةً على التعبير، وتعاملاً سلسا مع اللغات. لكن تبقى هذه الإيجابياتُ مطمورةً في كم هائل من السلبيات، وكأني بإعلام الطفل يصدق عليه قوله تعالى: (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ، وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا). وتتجلى الصورُ المحبطةُ في هذا الإعلام بأشكال متنوعة؛ بعضُها ظاهرٌ، والكثيرُ منها مدسوس في ثنايا الصور والكلمات والإيحاءات، وكيف بالابن الطري أن يتفطن إلى هذه الخبايا، وهو لا يستطيع حتى أن يدرك حقيقةَ الشيءِ الواقعي الملموس أمامه، في حين أنها تخزن في عقله الباطني.

مادة ممتعة ولكن!

وأشار إلى أن الإعلام أصبح يؤسس له ويدرس عن طريق منتجين فهناك مراكز علمية تنتج لنا مادة إعلامية يتقبلها المستقبلون فإذا كان المستقبل واعيا وله دراية بإمكانه أن يعالج ما يقدم له ثم يتقبل ما يشاء ويرفض ما يشاء لكن الإشكال إن كان طفلا صغيرا فإذا قدم له أية معلومة فإن ذهنه ليس لديه من القدرة أن يحلل ويوجه هذه المادة العلمية المصنوعة من قبل مراكز بحثية معمقة فصار الطفل عندنا خاصة في المجتمعات العربية مطلوب منا أن نقدم له مادة علمية مستساغة لا تتعارض على الأقل مع مرتكزاته العقلية أو الإيمانية بالخصوص، لكن لو توجهنا الى الواقع وشاهدنا القنوات الفضائية فيما يخص الأطفال نجدها مليئة بالرسوم المتحركة التي علينا أن نتساءل عن منتجها وعن المادة الإعلامية التي تقدمها، وهي في حقيقتها مادة إعلامية منسوجة في مراكز بحثية أغلبها آسيوية فهؤلاء يقدمون مادة ممتعة للأطفال تعكس ما يحمله ذهن منتجها من مفاهيم دينية فهي منطلقات فيها روحه ولذلك هي تستهوي تلك الشعوب غير المسلمة فالدمى مثل البوكيمونو هي عكس مفهوم الإله عندهم وينتجونها بطريقة الصور المتحركة على شكل قصص، وأيضا ما يسمى ب- (الكارما) ومفهوم هذه اللفظة تعني قانون الجزاء عند البوذيين وهو أن الإنسان عندما يجازى عند موته يجازى حسبما قدم في حياته من أعمال فإذا كانت صالحة سوف تنتقل روحه الى شخص آخر افضل منه حتى تنتقل اليه الروح التي مات عليها بوذا وهي الاستراحة الكبرى او ما يسمى بالنرمانا والنرمانا عندهم مكانة أعلى من الجنة، أما إذا كان الإنسان يقوم بأعمال شريرة فان روحه تنتقل الى حيوان كأن تنتقل الى «الكوبرا» مثلا التي يقدسونها او البقرة وهذه المفاهيم كلها موجودة في الصور المتحركة ربما ليست بذات الأسماء التي ذكرتها ولكنها بأسماء مشابهة بمفاهيم إيمانية موجودة عندهم.

وأطفالنا يستقبلون كل هذا المنتج الذي أصله من تناسخ الأرواح، ولا شك أن هذه المفاهيم سوف تنتقل شئنا أم أبينا إلى مرتكزات أطفالنا وتنعكس على مفاهيمهم رغم أننا نعلمهم مفهوم الألوهية وجملة التوحيد (قل هو الله أحد) وهنا تحدث البلبلة الفكرية عند الطفل بحيث سيصير في فكره أكثر من إله وهي من أبسط المفاهيم التي يجب ان نغرسها في أطفالنا وكذلك ما تحمله هذه الأفلام الكرتونية من مفهوم الموت والتلاشي فنحن المسلمون عقيدتنا ان الإنسان بعد الموت سوف ينتقل الى ربه فيحاسبه ليثيبه أو ليجازيه اما في مفهومهم فان الإنسان بعد موته سيتحول الى ماء أو يتناثر أجزاء فيتلاشى أو ما يسمى عندهم بتناسخ الأرواح أي أن الأرواح تنتقل من شخص الى شخص آخر فهذه المفاهيم نحن الآن نغذي بها أطفالنا الذين هم صفحة بيضاء بمفاهيم فوق طاقتهم يتلقون ولو انهم لا يستوعبونها أو لا يفهمونها لكنها سوف تبقى في اللاشعورهم أو في ذاكرتهم وعندما يكبرون سوف تؤثر على سلوكهم ويبقى عندهم الاضطراب بين عقيدتهم وبين ما غرسته تلك الصور المتحركة من مفاهيم.

■ ■ هل هناك تأثير على عقيدة الطفل المؤمن عند مشاهدته لتلك الأفلام عبر هذه القنوات، بما تحمله من إيحاءات في رأيك؟

الأبناء حينما يعيشون لحظاتٍ ممتعةٍ مع الترفيه في أفلام الرسوم المتحركة الآسيوية، فإنها تلقِّن لهم قيمًا ستبقى راسخةً في أذهانهم مدى العمر، وتشكِّل لهم في اللاوعي صورةً عن كيفية التعامل مع الحياة، وهي في أغلب صورها تتناقض كليةً مع عقيدة التوحيد، التي تُرجع الأمور إلى الله، لا إلى القوى الكونية، ولا إلى القوى المبثوثة في الإنسان، وبالإمكان أخي المؤمن أن نتنبَّه إلى التصرفات الكامنة وراء حركات بعض الرسوم المتحركة الصينية واليابانية والهندية، كـ «الطاقة الزرقاء» و«الرمية الملتهبة»، و«اليويو»، و«هجوم المسننات» فهي تعتمد على استخراج القوة المودعة في الإنسان، وهو معتقد الذين يقرون بإله براهما الكائن داخل كل موجود، ويؤمنون بنظام الكارما للوصول إلى مرحلة النيرفانا، كآخر خطوة في الحياة الأبدية، كما ارتقى إليها إله بوذا الهندي. ذلك أن اهتمام هذه الرسوم بالطاقة الكامنة ينبثق من اعتقاد المنتجين للرسوم بأن الإله يوجد داخل كل كيان إنساني، وبالإمكان استخراج قوة هذا الإله عن طريق حركات وألعاب (اليويو مثلا)، وبالتالي فما نشاهده من حركات تبدو ألعاب بريئة في الرسوم هي طقوس للتعامل مع إله معين. وبطبيعة الحال فإن هذا المعتقد لا بد أن يؤثر عبر المشاهدات المتكررة في الطفل ذا الصفحة البيضاء، وسيتصارع في نفسه مع مفهوم «قل هو الله أحد»، فنجدهم يعتقدون بقوة هائلة بداخلهم، وطاقة كامنة هي جزء من القوى الكونية وجزء من إله الكون، وهو ما يولد لديه نزعة إلى الغطرسة والاستقلالية ويعتقد أنه جزء من الإله في المستقبل عبر مشاهدة عالم الديجتال، وكواكب أكشن، وكواكب زُمرُدة، والبوكيمون، والسوبر ماريو.

وأضاف قائلا: لا أرى أن أطيل بعد هذه الومضات الخطيرة على عقيدة الطفل المؤمن في تبيان أثر العنف الذي ينطبع عند الطفل وبخاصة عند مشاهدته لمثل هذه القنوات والتي بعضها يبث من دول عربية للأسف (تعرض 300 جريمة قتل في الأسبوع الواحد). ولا يخفى أيها المربي أن تربية الطفل على مشاهدة القتل والدماءُ تسيل دون وجل ولا فزع، يتعارض كليا مع تعظيم الله للموت، الذي قال في حقه: «قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبـِّكُمْ تُرْجَعُونَ»، وقال عنه رسول أمتنا صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة. «أكثِروا ذكرَ هادمِ اللذات». يعني الموت. فلا أحد من هذه المعاني ستَثقُل في ذهن الطفل بعد الإدمان على مشاهدة القتل، وتتطايرِ الدماء، والتتبعِ المستمر لتفتت الأجساد بعد هلاكها كأنها صارت ترابا وسائلا كأن لم تكن شيئا، وهو ما يتناقض كليا مع قول الله تعالى الذي أنبأنا أنه المتحكم في الموت، وأن كل الأنفس إليه راجعة؛ سواء أكانت إنسانا، أم حيوانا، أم غير ذلك، يقول تعالى: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلىَ اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ).

■ ■ بما ان هذا الشغف الموجود لدي الأطفال بالأفلام الكرتونية ألا يجدر بنا كدول عربية وإسلامية إنتاج مثل هذه الأفلام للأطفال المتناسبة مع العقيدة الإسلامية؟ وكيف السبيل الى ذلك؟

أولا ربما ما تنتجه الدول العربية لم يكن باستطاعتها ان تنتج افلاما بنفس الإثارة ولكن السيوي لا يمانع ان ينتج لك منتوجا لا يتعارض مع معتقداتك إذا كان يحصل على مكاسب مادية وهناك الآن من الدول العربية من عندها من الإمكانيات اللازمة لإنتاج مثل هذه الأفلام التي فيها إثارة للأطفال وهناك جهود مثمنة في هذا الجانب فما يجب على دولنا العربية والإسلامية فعله على اقل تقدير انتقاء ما يبث لأطفالنا ما يتناسب وعقيدتهم ومبادئهم الاجتماعية والأخلاقية وكذلك الطلب من الدول المنتجة إنتاج الأفلام المتناسبة مع عقيدتنا ومبادئنا فضلا عن إنتاج مثل هذه الأفلام للأطفال حيث إن تلك الدول المنتجة لمثل هذه الأفلام تسعى للكسب المادي وبالتالي هي مستعدة لإنتاج ما يطلب منها من أفلام لا تحمل مثل هذه لمفاهيم فقط يبقى هناك الاهتمام والسعي الجاد من قبل دولنا العربية والإسلامية وإدراك مثل هذه الخطرة. فلذلك تبقى المسؤولية عظيمة على الآباء والمربين وكذلك وسائل الإعلام المختلفة فعلينا الانتباه لهذه المخاطر الفكرية حتى لا ننشئ أجيالا إلحادية وان لا نغض الطرف عنها وعلينا ان نتبينها ان نفهم أبناءنا ذلك وان نغرس في عقولهم وقلوبهم الصغيرة مفهوم التوحيد وهذا من اقل الواجبات علينا كأولياء أمور تجاه أبنائنا. وفي الختام هناك همسة في أذنك أيها الوالد المسلم: أن تقلل من مشاهدة التلفزة وأن تعيش مع أهلك وعائلتك، ثم اسع أن تكسر صنمها من قلبك ليسهل تكسيرَه على من تعُول، فتستريحون عند الإقلال منها، وتسعدون بالتخلي عنها كلية، لأنها لم تكن لمن قبلنا ومع ذلك نجحوا، وعدمُها لن يؤثر في تألقنا ولا في حضارتنا ولا في علمنا، ولنا مشاربُ أخرى أكثرُ أمنًا ونفعا، مثل: مشاهدة الإعلام العربي الهادف، أو تخصيص جزء معتبر من الوقت مع كتاب الله تعالى، والاستمتاع بالتآليف النافعة التي تنمي قدرات فائقة عند الإنسان.