1184029
1184029
إشراقات

رســــول الإنســـانيــة - حقــائـق فاصلـة بيـن الاحتـفــــاء بمولده واتباع شريعته

07 ديسمبر 2017
07 ديسمبر 2017

شخصية الرسول -

هلال بن علي اللواتيا -

«ما يُلحظ في «شخصية النبي محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين أمر مختلف في عوالم «التأثير» و«التفاعل»، فإنك ستجد فيها «قوة التأثير» مع «حفظ شخصية المقابل» ليترك له حرية الاختيار فيما سيختار، ومثل هذه الشخصية الحرة يندر وجودها في المجتمع البشري، لكون الغالبية العظمى إذا ما تسلطت بسلطة التأثير الاجتماعي لأي سبب كان خرجت من صراط الاعتدال ودخلت إلى حد الإفراط، ما يجعل الناس يفقدون حريتهم الفكرية والسلوكية بنحو من الأنحاء؟.

تُقيَّم شخصية الإنسان من خلال ما يصدر منه من السلوك والصفات، وتبرز هذه الشخصية في المجتمع الإنساني، ولكن المقاييس التي تُعتمد لدى الناس في تحديد العلل والأسباب لبروز الشخصيات مختلفة باختلاف الثقافات والمتبنيات الفكرية، وما شابهها من المؤثرات في صناعة المقاييس والتي منها: المصالح الشخصية، والصداقات والشلل، والعلاقات النسبية، والسلطة المالية أو السلطة العشائرية أو السلطة المنصبية وهكذا، ويتشكل خلال ما ذكرناه ما يعرف بــ«العقل الجمعي» الذي يساهم في إلغاء دور «العقلنة» للمواقف والشخصيات والأفكار، فيقود هذا العقل الجمعي الناس - ومن غير أن يشعروا- إلى تحقيق وتبني مراد المؤثرين وأفكارهم وسلوكياتهم، وبهذا يفقد المجتمع شخصيته الفردية، ويصبح «بليدًا» و«بلهًا»، وهما صفتان لضعف القوة العقلية وسقوطها في حد «التفريط». إلا أن ما سوف يُلحظ في «شخصية النبي محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين أمر مختلف في عوالم «التأثير» و«التفاعل»، فإنك ستجد فيها «قوة التأثير» مع «حفظ شخصية المقابل» ليترك له حرية الاختيار فيما سيختار، ومثل هذه الشخصية الحرة يندر وجودها في المجتمع البشري، لكون الغالبية العظمى إذا ما تسلطت بسلطة التأثير الاجتماعي لأي سبب كان خرجت من صراط الاعتدال ودخلت إلى حد الإفراط، ما يجعل الناس يفقدون حريتهم الفكرية والسلوكية بنحو من الأنحاء.

إن شخصية رسول الله محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين حسب سيرتها وتاريخها تجدها وقد غلبت عليها صفة «التواضع»، وهو تواضع يذهل كل من يمر على سيرته المباركة صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، فقد جاء في سيرته صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين أنه كان: « ... يطحن مع الخادم إذا أعيى ... ويجيب دعوة الحر والعبد ولو على ذراع أو كراع ... ويجالس الفقراء يؤاكل المساكين ويناولهم بيده... »، فإن الاتصاف بمثل هذه الصفات غير هينة على النفس، فإن صدورها يتطلب الكثير من المجاهدة النفسية، والترفع عن «الأنا»، وهو صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين كان كذلك، والعلة التي تجب صدور مثل هذه الصفات الإيجابية الجميلة هي: لأن النبي صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين قد انسلخ من «الأنا»، وبحر في صفات الجمال والجلال الإلهيين، فكان لا يرى في ذلك الجمال المشع على الوجود بأشعته الفياضة بالخير، فصارت ذاته صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين ذات لا تعرف وجودها سوى «الجمال» و«الخير» و«الحق»، وقد أثبت التأريخ صدور تلكم الصفات الإيجابية الجميلة منه صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وأثبته أيضاً النصوص القرآنية الشريفة، وهذا الأمر يعد من «المحكمات» التي يعتمد عليها، ويرجع إليها في حال مصادفتنا لما هو بحكم «المتشابهات» إذا ما نسبت إليه صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وهو أمر متعارف عليه في الأعراف الاجتماعية، ويشهده الوجدان والعقلاء، حيث يصعب تصديق نسبة فعل سلبي إلى من اشتهر وعرف بصفات إجابية معينة في مجتمعه وبين بني قومه، فكيف لمن تحقق بصفات الجمال والكمال في ذاته ونفسه!، فإن مصادقة نسبة الصفات السلبية يصبح من المحال الذاتي فتأمل في قانون الاتصاف بصفات الفضيلة حسبما تقرره مقررات «علم النفس» عامة، وتؤكده مباني «علم النفس الفلسفي»، ويحكم على مصادقة هذا «الوجدان».

الأمر الذي يقودنا إلى بحث موضوعي منصف لشخصيته صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، فقد جاء في الكتاب العزيز قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، فإن الإرسال بالرحمة لا يعني أن الرسول سيكون خالياً من صفة الرحمة، وغير واجد لها!!، فهذا الأمر لا يتلاءم مع مقتضى الدلالة التي تقدمها الآية المباركة، وبالخصوص لما أن دخلت عليها أداه الحصر «إلا» وسبقتها ما النافية، فقد أفادت هذه الهيئة التركيبية للجملة تحقق صفة الرحمة في ذات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، ولزوم الصفة للذات في الصفات ليس من باب الاعتباريات وإنما من باب التكوينيات، ففي باب الاعتباريات لا يوجد أي تلازم في الصفة والموصوف، وأما في باب التكوينيات فإن هناك تلازماً وجودياً بين الصفة والموصوف، ولا يمكن فكهما بأي حال من الأحوال، ففي حال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين وحال نسبة صفة الرحمة إليه دلالة واضحة على تلازم الصفة ذاته صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وهذا يقودنا إلى مجموعة من الالتزامات العقلية الفكرية منها: أن صفة الرحمة من المحكمات الأكيدة التي تمثل المحور والمعيار والضابطة لكل ما سيرد على هذه الشخصية المباركة ولكل ما سينسب إليها، ومنها: أن كل شيء سيصدر من هذه الذات «الرحمة» سيكون مصبوغًا بصبغتها، وعلى هذا فإن ما ورد في حقه صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين من كلمات أو إشكالات متعارضة مع محكمات الرحمة لابد من النظر إليها برؤية صحيحة بناء على ما يقدمه «مبنى الرحمة»، وقواعدها وضوابطها، وهذا يعني من المهم جدًا إعادة النظر في الكثير من الموروث الثقافي الذي غُذيت عليه ذهنية الناس عنه صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين وإعادة النظر فيما جاء في بطون كتب التأريخ والسيرة والتي تمثل هذه الكتب العنصر الأساس المعتمد والمزود للموروث الثقافي بمفرداته المكونة للصورة في ذهنية الأفراد.

ويمكننا أن نقول عنه صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين بكلام مختصر جدًا، أن هذه الشخصية المباركة التي عرفها الجميع أنه «رسول الله»، فهو إذن خليفة الله تعالى في أرضه، يحمل صفات الله تعالى وأسماءه على نحو التجلي لها في شخصيته نفسًا وروحًا وفكرًا وسلوكًا، وأن هذا الرسول بمقتضى ذلك ليس لديه سوى المشروع الإلهي فقط، وهو بصدد تحقيقه في عباد الله تعالى، وأهم عنصر متحقق كمصداق يحكي صفات الكمال الإلهي هو عنصر «الرحمة»، قال تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)، ومن الطبيعي فإن من كان قد كتب على نفسه الرحمة أن يكون كل من سوف يمثله حاملاً لمشروعه من نفس النفس والروح وهو:«الرحمة»، وتجلى هذا المعنى في قوله تعالى: (وما أرسلناك إلى رحمة للعالمين)، ولهذا نستطيع أن نقول وبضرس قاطع: بأن النبي محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين رجل قد تجلت فيه صفة الرحمة بكل ما لها من تجليات، فكان رجل السلم لا الحرب، رجل السلام لا الفساد والفوضى والعداوات، رجل التعايش السلمي لا التنفير، رجل الحب لا البغض، أجل كان رسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين «رجل الحب» وبامتياز، إلا أن ما ذكر عنه في كتب التأريخ والسيرة فيحتاج إلى إعادة النظر إليه بناء على معطيات تلكم المحكمات، قال العلامة القرطبي في تفسيره: 4: 63: قال تعالى: «وما أرسناك إلا رحمة للعالمين» (الأنبياء : 107) فالرسل خلقوا رحمة، ومحمد صلى الله عليه وسلم خلق بنفسه رحمة...»، فصلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، ولتقريب المطلب: هل شممت الوردة، فإن لها رائحة زكية، ولو أخبرك شخص ما أن رائحتها غير زكية، فهل كنت مصدقه؟، كلا، لأنك عرفت الوردة جيداً، ويستحيل أن يصدر منها سوى رائحة زكية، فإن ذات رسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين ذاته وردة الكمالات من الجمال والجلال ويستحيل أن يصدر من ذاته سوى تلك الرائحة الزكية الطيبة المباركة.

تأمل في هذه القصة: «عن جابر بن عبدالله: إن النبي صلى الله عليه وآله نزل تحت شجرة، فعلق بها سيفه، ثم نام فجاء أعرابي فأخذ السيف وقام على رأسه، فاستيقظ عليه السلام فقال: يا محمد من يعصمك الآن مني؟، قال: الله تعالى، فرجف وسقط السيف من يده»، فهل قتله رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه المنتجبين بعدما تمكن من أخذ السيف؟، الجواب: كلا، بل وتركه لحال سبيله، وهذا الموقف وغيره من شبهه يدعونا إلى التأمل في كثير من النصوص التأريخية والتفسيرات المبنية على مثل هذه المباني التأريخية التي تحتاج بذاتها إلى التحقيق وفق ما تقدمه المحكمات القرآنية من بيانات حول شخصيته صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وبهذا سوف نتمكن من حل النظرة الأولية إلى مثل تلكم الوقائع التي تدفع القارئ إلى تشكيل انطباع غير صحيح عن شخصيته صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وبالتالي تدفع الكثير من الإشكالات التي يقع فيها الكثيرون في عصرنا الراهن حول شخصيته صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وإنني أدعو الجميع إلى التحلي برؤية موضوعية ثاقبة وبفتح البصيرة إنصافًا للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والنظر إليه وبتجرد تام.

ومن صفاته صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين أنه كان «... لا يثبت بصره في وجه أحد ... يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد ... يصل رحمه ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على أحد، يقبل معذرة المعتذر إليه، وكان أكثر الناس تبسماً ... لا يرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا ملبس، ما شتم أحدًا بشتمة ولا لعن امرأة ولا خادماً بلعنة ...ولا يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجة، ولا فظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي السيئة السيئة، ولكن يغفر ويصفح ... وكان في الرضا والغضب لا يقول إلا حقًا...»، فصلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين.