أفكار وآراء

إعادة التفاوض حول الاتفاق الإيراني ليس خيارا

05 ديسمبر 2017
05 ديسمبر 2017

فَيدِيريكا موجيريني- واشنطن بوست -

ترجمة قاسم مكي -

تترتب عن قرار الرئيس دونالد ترامب بعدم الشهادة على وفاء إيران بتعهداتها النووية نتائج داخل الولايات المتحدة فقط في الوقت الحاضر. لكن النواب الأمريكيين في موقف حاسم الآن. فتحركاتهم التي تعقب هذا القرار سيكون لها أثر كبير على أمن الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا والشرق الأوسط وباقي العالم. لكن هنالك شيء واحد واضح، وهو أن إعادة التفاوض حول الاتفاق ليس خيارا مطروحا. أنا أقول هذا من باب الواقعية وبناء على الخبرة.

لقد احتجنا إلى 12 عامًا كي نتفق حول تفاصيل فنية كثيفة ومعقدة إلى حد بعيد في عملية (تفاوضية) استلزمت معالجة كل القضايا المعلقة في تواز مع بعضها البعض (في الوقت نفسه). لذلك فإن إعادة فتح ملف المفاوضات من طرف واحد حول هذه الفقرة أو تلك (من الاتفاق) غير ممكنة ببساطة. فهذه مسألة تتعلق بالمبادئ والصِدْقِيَّة. لقد تمت المصادقة على الاتفاق بقرار من مجلس الأمن الدولي ونحن (في أوروبا وأمريكا كلتيهما) نؤمن دائما بالاحترام الكلي للمبادئ العالمية كركيزة أساسية للنظام العالمي. ومع تصاعد التوترات حول البرنامج النووي لكوريا الشمالية لا يملك العالم (ترف) التعاطي مع أزمة نووية أخرى.

الاتفاق النووي مع إيران يعمل على النحو المطلوب. فهو قد ضمن أن البرنامج النووي الإيراني سلمي تماما وسيظل كذلك. لذلك يجب على كل أحد يهتم بأمننا المشترك (أوروبا والولايات المتحدة والأصدقاء والشركاء في الشرق الأوسط) العمل على الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران. لا يرتكز الاتفاق على الثقة. إنه يرتكز على نظام المراقبة الأشد صرامة في التاريخ. لقد نفذت الوكالة الدولية للطاقة النووية التي تشكل جهاز رقابة الأمم المتحدة المئات من الجولات التفتيشية لمنشآت إيران النووية بما في ذلك جولات غير معلنة.

كما أعلنت الوكالة، وهي الهيئة الوحيدة المفوضة والتي تملك سلطة التحقق من التقيد بالاتفاق، حوالي ثماني مرات أن إيران تحترم كل التزاماتها المتعلقة بالطاقة النووية.

وفيما يخص التقيد بشروط الاتفاق دعونا لا ننسى أن إيران فكّكَت أكثر من ثلثي أجهزة الطرد المركزية التي سبق تركيبها وأرسلت إلى خارج حدودها 98 % من اليورانيوم المخصب الذي كان تحت حيازتها. كما تم أيضا أغلاق مسارها الخاص بالبلوتونيوم من خلال التحويل القائم لمفاعل الماء الثقيل في أراك. وبفضل الاتفاق تطبق إيران سلفًا البروتوكول الإضافي للوكالة. ويعني هذا أن إيران تخضع وستظل خاضعة دائما لقيود ولنظام مراقبة صارم ويشمل ذلك إجراءات التفتيش. لقد تم إعداد الاتفاق من أجل أن يدوم ولا يوجد تاريخ رسمي لنهاية سريانه. أما تطبيقه فمُمَرْحَل لفترة 10 و15 و25 عامًا ولكن يتموضع في جوهره التزام إيران بالتخلي إلى الأبد عن طموحها في تطوير الأسلحة النووية.

لقد كان يستحيل تحقيق هذه الأهداف (وهي ثمرة 12 عاما من المفاوضات الشاقة) من خلال وسائل غير دبلوماسية. كما أن الاتفاق ناجح. وهذا تقييم فني بجانب أنه أيضا واقع سياسي. اسألوا أي وزير خارجية أمريكي من الإدارات الخمس السابقة. فهم كلهم ديمقراطيون وجمهوريين أيدوا علنا هذا الاتفاق الذي يجعل أمريكا وشركاءها أكثر أمانًا. فالاتفاق يمنع قيام سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط والذي من الممكن أن تكون له عواقب أمنية واقتصادية مدمرة لكل البلدان في المنطقة وللعالم بأجمعه.

نحن نتشاطر الإحساس بالقلق حول الوضع في المنطقة وبرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية. لكن لولا الاتفاق النووي لكان موقفنا التفاوضي أضعف كثيرا وليس أقوى. إن كل القضايا بحاجة إلى معالجة ويحدث ذلك في صيغ ومنابر أخرى. والاتحاد الأوروبي لا يزال يفرض عقوبات لا تتعلق بالبرنامج النووي لذلك الغرض بالضبط.

لكننا في حاجة إلى أن يكون في مقدورنا الاعتماد على رغبة قوية ومشتركة للوفاء بكل الالتزامات المرتبطة بالاتفاق النووي. لقد أوضحت أوروبا في جلاء أين تقف. نحن سنحافظ على الاتفاق لأنه يَفِي بوعوده ولأن من مصلحة أمننا ضمان استمراره. لقد جرت صياغة الاتفاق الإيراني لمعالجة شيء واحد فقط هو الموضوع النووي الإيراني.

هذا هو نَصَّ وروح الاتفاق. ولا أحد، سواء أوروبا أو الولايات المتحدة، سيكون في حالٍ أفضل بدون بقاء هذا الاتفاق. وسيجعل تقويضه العالم مكانًا خطرًا جدًا. إذن دعونا نوحِّدُ قوانا للمحافظة عليه من أجل فائدة مواطنينا.

* الكاتبة تشغل منصب الممثل السامي بالاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية