1184507
1184507
تقارير

اكتناز الشركــات للسيولــة مشكلـة في اليابــان

05 ديسمبر 2017
05 ديسمبر 2017

جون بليندر الفاينانشال تايمز -

ترجمة: قاسم مكي -

انتصار رئيس الوزراء شينزو آبي في الانتخابات التي جرت مؤخرا في اليابان يفتح المجال أمام فرص مهمة للتغيير السياسي والاقتصادي. لكن هذا ليس صحيحا فيما يخص واحدة من أكبر المشاكل الهيكلية التي تواجه الاقتصاد الياباني. هذه المشكلة هي ميل مؤسساتِ الأعمال لادخار أموال تزيد كثيرا جدا عن تلك التي تستثمرها مع ما يترتب عن مثل هذا الادخار المفرط من آثار انكماشية. (يحدث انكماش الأسعار حين يكون هنالك فائض في عرض السلع والخدمات أو حين لا تتوافر نقود كافية لشرائها وقد يقود هو بدوره الى انكماش أو حتى ركود اقتصادي- المترجم.) ففي مجتمع يشيخ أو تتزايد نسبة كبار السن فيه مثل المجتمع الياباني يجب أن يتقلص ويتلاشى التهديد الذي يشكله انكماش الأسعار. لماذا؟ لأن الأعداد المتزايدة من كبار السن يتوقع منها أن تدخر نقودا أقل. إذ يلزم أن يزداد حجم الاستهلاك مع التقدم في العمر بفضل رواتب التقاعد وبرامج الرعاية الصحية السخية.

وفي ذات الوقت يجب أن يتزايد نفوذ القوة العاملة المتقلصة في سوق العمل وأن يطالب أفرادها بأجور أعلى. حقا، لقد قللت العائلات اليابانية من مدخراتها الى ما يقرب من الصفر. لكن ارتفاع حجمِ المدخرات في قطاع الشركات عوَّض عن خفض الادخار العائلي بأكثر مما يكفي. وفي ذات الوقت لم يتحقق الارتفاع المتوقع في الأجور ( بسبب شيخوخة السكان والنقص في عرض العمل). فالعاملون الذين يتعاقدون للعمل طوال العمر مع شركاتهم لايزالون أكثر انشغالا بأمانهم الوظيفي وأقوى شعورا بالولاء للشركة التي تجعلهم أسهل قيادا. كما توجد أيضا زيادة كبيرة في أعداد من يعملون “لبعض الوقت” مما يضعف من قوتهم التفاوضية ( مع أرباب العمل). وهكذا ينحبس دخل ضخم في قطاع الشركات التي تحقق أرباحا قياسية ولكنها تتجنب مخاطر الاستثمار. هذا فيما تعاني اليابان من انعدام “هيكلي” في كفاية دخول المستهلكين. لقد نجت اليابان من تدهور كبير في النشاط الاقتصادي من شاكلة الركود الذي شهدته ثلاثينات القرن الماضي فقط لأن الحكومة اضطرت إلى تحقيق عجوزات ضخمة (في موازناتها) للمحافظة على الطلب وذلك على حساب تصاعد ديون القطاع العام. ردت حكومة رئيس الوزراء آبي على تخزين الأموال النقدية بالدفع باتجاه زيادة الأجور ومحاولة جعل حوكمة الشركات أكثر انحيازا لحملة الأسهم. فقد تم تعديل قانون الشركات في عام 2014 لتعزيز فعالية مجالس الإدارات واستحدث قانون حوكمة الشركات في العام التالي. وكان الهدف من ذلك ترقية أداء الشركات والتشجيع على التعاون مع أصحاب المصلحة وفي ذات الوقت تأمين حقوق حملة الأسهم (حملة الأسهم من يملكون أجزاء من الشركة من خلال ملكية أسهمها، أما أصحاب المصلحة فليسوا بالضرورة حملة أسهمها لكنهم من لديهم مصلحة في أداء الشركة مثل عامليها وحملة سنداتها وزبائنها والجهات التي تزودها باحتياجاتها- المترجم). كما استحدثت أيضا قواعد إشراف وقوامة لحفز مؤسسات الاستثمار (المستثمرين المؤسسيين) على المساهمة في إدارة الشركات. وفي حين شجعت الإصلاحات على إيلاء تركيز أكبر على العائدات على حقوق الملكية، إلا أنه لم يحدث تغيير جذري في سلوك مؤسسات الأعمال. وكما أقرَّ تارو آسو نائب رئيس الوزراء الياباني مؤخرا، فثمة مسألة هنا تتعلق بالشكل في مقابل المحتوى. لقد أعلن أكيرا ماتسوموتو، رئيس مجلس إدارة مجموعة الأغذية “كالبي”، في مؤتمر عقدته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في شهر أكتوبر الماضي أن أولويات نظام حوكمة شركته تتمثل أولا في الزبائن ثم ثانيا العاملين ثم ثالثا المجتمع ورابعا وأخيرا حملة الأسهم. يتقاسم هذه النظرة قادة مؤسسات الأعمال الآخرين على نطاق واسع. ولازالت اليابان صاحبة أقل معدل توزيع للأرباح وسط مجموعة البلدان السبع المتقدمة الكبرى (معدل توزيع الأرباح هو حجم الأرباح التي تدفعها الشركة لحملة أسهما قياسا إلى إجمالي الدخل الصافي. أما ما يتبقى من “أرباح محتجزة” فتحتفظ بها الشركة لتمويل نموِّها- المترجم). هذه الفعالية المحدودة لإصلاحات الحوكمة في اليابان، بمعنى ما، غير مفاجئة. لقد جعل قانون الشركات الياباني في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مدير الشركة مسؤولا رسميا أمام حملة الأسهم. لكن في نظام الملكية المبعثرة أو المشتتة الذي يفتقر إلى مساهمين مسيطرين (على رأس المال المساهم للشركة) فإن مثل هذه المحاسبة المنصوص عليها في القانون تكون بلا معنى. (الملكية المبعثرة تتوزع ملكية الأسهم فيها على أعداد كبيرة من المساهمين وتخول إدارتها إلى فريق من الإداريين. وذلك على خلاف الملكية المركزة كما في الشركات العائلية أو تلك التي تملك مؤسسات الاستثمار نسبة كبيرة من أسهمها- المترجم). فالشركات كانت تدار لمصلحة مديريها والعاملين بها. حقا لقد تمثلت عبقرية النموذج الياباني للرأسمالية في فترة ما بعد الحرب في تخلصه من الرأسماليين. فهو قد أحل أخلاقيات العمل لدى العاملين محل حافز المال كمحرك للنمو الاقتصادي. ويتمتع الاقتصاد الياباني في الوقت الحاضر بنهوض دوري. لكن رغما عن ذلك لاتزال اليابان متمسكة بفوائض ادخاراتها الهيكلية كما تتواصل فضائح حوكمة شركاتها. وحين سألت توميوكي فوروساوا، نائب المدير العام للمكتب الإشرافي بوكالة الخدمات المالية اليابانية، عن الوقت الذي يستغرقه ظهور المحاسبة الحقيقية لحملة الأسهم اقترح أن ذلك سيحدث بعد خمسة أعوام. وردا على نفس السؤال ذكر مارك موبيوس، المسؤول بشركة فرانكلين تيمبيلتون لإدارة الصناديق أن ذلك سيحتاج إلى 20 عاما. لقد شعر بأن عقلية أصحاب المصلحة أكثر تصلبا من أن تسمح بحدوث تغيير مبكر. ويبدو من المستبعد على وجه اليقين أن يضمن إصلاح الحوكمة لوحده حدوث تحولات شاملة في نهج ادخار الأموال الذي تنتهجه الشركات اليابانية.