أفكار وآراء

تحسن كبير في مؤشرات التنمية والرفاهية الاجتماعية

04 ديسمبر 2017
04 ديسمبر 2017

محمد حسن داود -

حديث المستقبل بالنسبة للدولة العمانية لا ينفصل عما يحدث على أرضها من تنمية شاملة حاضرًا، وما تحقق في ربوعها من إنجازات كبيرة منذ انطلاق مسيرة النهضة المباركة عام 1970، ما جعل السلطنة تحظى بوضعية شديدة التميز إقليميًا وعالميًا تدفعها لمزيد من التقدم والازدهار في العقود المقبلة تأسيسًا على ما تحقق على أرض الواقع

لعل في مقدمة العوامل التي تدفع إلى التأكيد على تحول السلطنة إلى شعاع ضوء ساطع، يتميز بحالة استقرار سياسي واقتصادي وأمني واجتماعي يفتقدها عديد من دول الشرق الأوسط، تلك السياسات الحكيمة التي تتبناها السلطنة بإرادة سياسية لا تلين يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- في حتمية الاهتمام بكل مناحي الحياة والحرص على تنمية كل القطاعات المؤثرة في بناء الوطن، دون استثناء قطاع أو إعطاء أولوية لقطاع على حساب آخر، ومن هذا المنطلق تسير سيمفونية البناء والتنمية في خطوط منتظمة نحو معدلات تنمية بشرية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة لنقل السلطنة إلى آفاق رحبة من الحداثة والتطور التي تفتح بدورها الأبواب أمام المزيد من النمو الشامل، يساعد على ذلك استمرار سياسات السلطنة المتزنة تجاه جميع دول العالم.

فقد حرصت الدبلوماسية العمانية دائمًا -ولا تزال- على الاحتفاظ بصداقة الدول كافة وزرع العلاقات الحسنة والمتكافئة مع كل دولة تخطو خطوات إيجابية على طريق التعاون معها بشكل خاص، والالتزام بالمواثيق الدولية ومبادئ الأمم المتحدة في سبيل تحقيق التقدم والتطور وتثبيت دعائم الاستقرار العالمي، ومن هنا جاء تفاعل السياسة الخارجية العمانية تجاه كل الأحداث التي مرت وتمر بالمنطقة والعالم حصيفًا وواعيًا، إذ لم تسمح للأحداث حتى في أقصى لحظات استعارها أن تؤثر عليها، وهذه السياسة الخارجية مرتكزة على الحكمة والهدوء والاتزان لذلك أصبحت سلطنة عمان تحتل مكانة دولية مرموقة جعلت منها مركز استقطاب إقليمي وعالمي مهم.

ودائمًا وأبدا تقدم السلطنة وعلى العديد من المستويات نموذجاً يحتذى به في علاقتها مع الأشقاء والأصدقاء، وتجلى ذلك في إدارتها لهذه العلاقات على مبدأ «لا ضرر ولا ضرار» فضلا عن الرغبة الحقيقية في تحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة والحوار الإيجابي كسبيل للوصول إلى أقصى درجة ممكنة من الاتفاق وتجاوز أية خلافات، وتوظيف العلاقات الخارجية لخدمة التنمية الوطنية وكان لذلك تقديره الواسع على كافة المستويات وعلى امتداد العالم رسميًا وشعبيًا، كذلك استطاعت السياسة الخارجية العمانية مواجهة تقلبات المحيط الإقليمي والدولي والتعامل معها بثقة وفاعلية، كما شكلت اعتبارات المصالح الاقتصادية- إلى جانب الاعتبارات الأخرى- دورًا متزايد الأهمية في تطبيق هذه المبادئ وإرساء علاقات السلطنة مع الدول الأخرى على قواعد تخدم المصالح المشتركة.

واتساقا مع الرؤية الحضارية للقيادة الحكيمة، فقد دأبت السلطنة ومنذ عدة سنوات على تأكيد أهمية وضرورة إيجاد وتعميق التفاهم والثقة والحوار بين الشعوب كسبيل للتقارب ومد الجسور بين الحضارات تعزيزًا للسلام والاستقرار من أجل خلق مناخ موائم للتنمية الشاملة في العالم، وقد جسدت استراتيجية ونهج السلام جوهر الممارسة السياسية للقيادة الحكيمة مند بداية مسيرة النهضة العُمانية الحديثة. لذا فان السلطنة تحتل مكانة متقدمة في المؤشرات الدولية للتنمية البشرية وغيرها من مؤشرات السعادة والرفاهية الاجتماعية، وكذلك مؤشرات افضل الوجهات الجاذبة للاستثمارات وبيئة الأعمال، وفي السياق ذاته ليس غريبا أن السلطنة حصلت على المركز 41 عالميًا في مؤشر السلام العالمي لعام 2011 الذي أصدره معهد الاقتصاد والسلام الذي يتخذ من مدينة سيدني الأسترالية مقرًا له. ولا تتردد السلطنة في بذل كل الجهود الممكنة من أجل إحلال الأمن والاستقرار والوئام في المنطقة ودعم كل جهد مخلص لتحقيق السلام عبر الحوار وبالوسائل السلمية. وتبذل السلطنة مساعيها في هذا الصدد بكل تجرد ورغبة صادقة في تحقيق السلام والأمن لشعوب المنطقة بعيدًا عن أية تطلعات ذاتية أو أجندة خاصة وهو ما أكسبها مزيدًا من احترام العالم أجمع.

ولقد أثمرت الإنجازات والنجاحات التي حققتها السلطنة في مختلف مجالات التنمية عن قيام المنظمات الدولية المعنية بوضعها في مراتب متقدمة على الصعيدين الإقليمي والدولي، فعلى سبيل المثال أدت الجهود المبذولة لتطوير القطاع الإداري إلى تحسين ترتيب السلطنة بين دول العالم بالنسبة لسرعة إنجاز الأعمال حيث جاءت في المرتبة الـ70 بدلًا من المرتبة الـ77 في تقرير البنك الدولي بهذا الخصوص لعام 2015، كذلك انتزعت السلطنة المرتبة الثانية على الصعيد العربي والمرتبة الثانية والعشرين على المستوى الدولي من بين 158 دولة شملها التقرير الثالث لمستوى السعادة حول العالم لعام 2015، وهو التقرير الذي أصدرته شبكة حلول التطوير المستدامة التابعة للأمم المتحدة.

كما جاءت السلطنة في المرتبة السابعة عالميًا، وفق مؤشر جودة الحياة لعام 2015 حسب قاعدة البيانات الدولية الإلكترونية والذي نشرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية على موقعها الإلكتروني في يونيو 2016، كما حازت المركز الأول على المستوى العربي، ضمن قائمة الدول الأقل تعرضًا للإرهاب، وذلك وفق مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2016، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، الذي يتخذ من مدينة سيدني الأسترالية مقرا له، ووفق المؤشر جاءت السلطنة في المركز 130 على المستوى العالي، حيث حازت على «صفر نقطة» وفق قاعدة بيانات الإرهاب العالمي، التي يتم جمعها وترتيبها من جانب جامعة ميريلاند الأمريكية.

إن تحقيق تلك الإنجازات الضخمة كما الحفاظ عليها والبناء فوقها بخطوات راسخة، لا يمكن أن يأتي من فراغ، إنما جاء نتيجة لرؤية استراتيجية سامية عميقة وبعيدة النظر، من قبل قيادة حكيمة التقت حول مرئياتها وتوجيهاتها كافة الجهود المتواصلة على مختلف المستويات حكوميا وشعبيا وبوعي شعبي ناضج وعميق تجلى في تلاحم وطني رائع ما بين جلالة السلطان المعظم وشعبه الوفي على امتداد الوطن، الأمر الذي من شأنه أن يكفل استمرارية مسيرة التنمية العمانية وتطورها بما يلبى طموحات القيادة والشعب في آن، وبما يجعل منها نموذجًا يحتذى إقليميًا ودوليًا.

وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى أن عملية إعادة بناء الوطن، في إطار مسيرة النهضة المباركة، تنطلق من واقع اجتماعي واقتصادي واضح المعالم ساهمت في تشكيله عوامل جغرافية وتاريخية واستراتيجية، وذلك لترسيخ أسس وقواعد الدولة العصرية الحديثة، و تأسيس دعائم الاستقرار الداخلي المبني على قاعدة الاندماج والانصهار الوطني في إطار من التكامل والوحدة، قد أثبتت بكل المقاييس القدرة على التطور والاستمرار، من خلال التأكيد على تعميق فكرة المواطنة ومشاركة جميع فئات المجتمع في بناء النهضة العُمانية الحديثة، واستيعاب الشرائح الجديدة من الشباب، التي أفرزتها عملية التحديث والتطور. ولا شك في أن كل هذه المعطيات تنبئ عن توافر أرضية قوية لانطلاق سلطنة عمان إلى الزمن الآتي الواعد، متسلحة بالأسس التي وضعتها القيادة الحكيمة ومستندة الى موارد بشرية واقتصادية وطبيعية ومقومات جغرافية، فضلا عن الموروث الحضاري التاريخي الإيجابي، على نحو يحقق أهدافها في المضي قدمًا في خطط النهضة الوطنية، ومن خلال إعادة النظر الشاملة في العناصر الحاكمة لعملية التنمية بقطاعاتها المختلفة، بما يجنبها الآثار السلبية لأي تداعيات مفاجئة ويجعلها أكثر صلابة في مواجهتها إن طال أمدها، واستكمالا لمنظومة النمو واستغلالًا لدرجة الثقة الإقليمية والدولية الكبيرة في السلطنة ومقوماتها وموقعها تفتح الدولة العمانية الباب واسعا أمام الاستثمارات العالمية من خلال مجموعة متكاملة من المناطق الاقتصادية الحرة، مثل منطقة المزيونة والمنطقة الحرة بصلالة والمنطقة الحرة بصحار، والتي توفر حزمة من الحوافز الاستثمارية والتسهيلات أبرزها الإعفاءات الضريبية وتبسيط الإجراءات المرتبطة بالتراخيص والتصاريح واستيراد جميع البضائع المسموح تداولها في الدولة والإعفاء من شرط الحد الأدنى للاستثمار وإعفاء الأرباح من ضريبة الدخل وغيرها حتى مستوى معين، وغير ذلك من من الحوافز.

ويعد إنشاء هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم التي ينتظرها بالفعل مستقبلا واعدا إضافة جديدة للاقتصاد الوطني من خلال المشروعات الموجودة بها مثل ميناء الدقم والحوض الجاف لإصلاح السفن وعدد من المناطق الصناعية والتجارية والسياحية واللوجستية، وتخطط السلطنة لتنفيذ عدد من المشروعات الصناعية الكبرى بهذه المنطقة واستقطاب استثمارات بنحو 15 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، كما تسعى السلطنة من خلال العديد من المشروعات الصناعية إلى رفع مساهمة قطاع الصناعات التحويلية في الناتج المحلي للبلاد إلى 15 % بحلول عام 2020. وتتكامل بذلك منظومة النجاح الداخلي مع السياسات الخارجية، وبالتالي فأن هذه المنظومة مرشحة لمزيد من التقدم والنمو في ظل معالم واضحة من الحكم الرشيد الذي ساهم بكل تأكيد في تحقيق الاستقرار المنشود للسلطنة ومنحها الفرصة للقيام بأدوار إقليمية ودولية مؤثرة من شأنها تحقيق مصلحة المواطن العماني وتحقيق رفاهيته ونموه الدائم.