أفكار وآراء

الإعلام الاجتماعي والصراعات الدولية

03 ديسمبر 2017
03 ديسمبر 2017

أ.د. حسني نصر -

غيرت التطورات التي أحدثتها تكنولوجيا المعلومات والاتصال طبيعة الصراعات الدولية وأضافت أسلحة جديدة إلى ساحة المعارك التقليدية. فقد أتاح الوصول العالمي الواسع لكل دول العالم تقريبا للفضاء الإلكتروني فرصا عديدة لنقل الحروب من الواقع الحقيقي إلى الواقع الافتراضي، والتأثير في مجرى النزاعات سواء بشكل مادي، كضرب أنظمة الحواسيب والسيطرة على المواقع والحسابات الإلكترونية وتعطيلها، أو بشكل معنوي كالتأثير في اتجاهات وقيم معتقدات الشعوب.

وقد شهدنا مؤخرا كيف تستخدم دول وجماعات عديدة أسلحة جديدة وعديدة على الفضاء الإلكتروني لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية، وكيف تجمع بعضها بمهارة فائقة بين العمليات العسكرية الفعلية على الأرض وبين الهجمات السيبرانية والضغوط الدبلوماسية والاقتصادية وحملات الدعاية لتحقيق التفوق على أعدائها.

وعلى مدى العقد الماضي شهدت شبكات التواصل الاجتماعي نموا متزايدا لتصبح واحدة من قنوات الاتصال الرئيسية في العالم، وكان من الطبيعي في ظل هذا النمو أن تتحول هذه المنصات الاتصالية الافتراضية لتكون مكونا أساسيا من مكونات الاستراتيجيات الحربية. وتشير الصراعات الحالية في سوريا وليبيا واليمن ومن قبلها الصراع في أوكرانيا إلى أن وسائل الإعلام الاجتماعي يتم استخدامها بشكل واسع لتنسيق التحركات وجمع المعلومات، والأهم للتأثير على معتقدات واتجاهات الجمهور المستهدف وربما تعبئتهم للقيام بأفعال محددة.

والواقع أن التطورات السابقة أصبحت تطرح على مختلف دول العالم أسئلة عديدة تدور جميعها حول كيفية توظيف الدول والجماعات المتصارعة وسائل التواصل الاجتماعي لتكون أداة من أدوات الصراع والحرب السيبرانية، والدور الذي تلعبه في هذا المجال وكيف يتم تحويلها إلى سلاح في الحرب الحديثة، بالإضافة إلى التقنيات والتكتيكات التي تستخدمها الدول والجماعات لتحقيق أهدافها من استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي والنتائج التي يمكن أن تحققها من هذا الاستخدام، والأهم في تقديري هو ما الذي يمكن للدولة القيام به لكشف ومواجهة الاستخدام الخبيث من جانب دول وجماعات أخرى لوسائل الإعلام الاجتماعي؟.

الواقع أن طرح مثل هذه الأسئلة والبحث عن إجابات لها لم يعد ترفا، ولم يعد بالإمكان قصر الاهتمام به على الأكاديميين والمتخصصين، في ظل المناخ الدولي والإقليمي المشبع بصراعات ظاهرة وخفية، ومن هنا فقد أصبح لزاما على الدول التي تحرص على أمنها واستقرارها أن تجند الإمكانات البشرية والمادية لدراسة هذه الظاهرة ووضع الآليات المناسبة للتعامل معها. إن أية محاولة لمواجهة القلق المتنامي من استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي كسلاح في الحروب والنزاعات الحديثة يجب أن تبدأ بمحاولة فهم وإدراك طبيعة البيئة المعلوماتية والاتصالية الجديدة ودور وسائل الإعلام الاجتماعي فيها. فقد أدى التطور التكنولوجي السريع في السنوات الأخيرة إلى تغيير تلك البيئة في العالم. فالفرص التي وفرتها تكنولوجيا الاتصال سمحت لأي فرد في العالم بإنتاج المحتوى الاتصالي وتحريره ومشاركته مع الآخرين بل ورواية الأحداث والتعبير عن الآراء والاتجاهات حتى في الأحداث التي لم تنقلها وسائل الإعلام التقليدية. وقد أعطي ذلك كل فرد فرصة أن يكون فاعلا إعلاميا يستطيع أن يوزع رسائله على جمهور غير محدود في العدد أو الحجم حول العالم. وتبعا لذلك تغيرت طبيعة الاتصال الجماهيري وانتقل من نموذج «من شخص أو مؤسسة إلى أفراد متعددين» إلى نموذج «من أفراد عديدين إلى أفراد عديدين». وقد نتج عن ذلك أن الحكومات ووسائل الإعلام التقليدية لم تعد تحتكر رواية الأحداث أو عرض الآراء كما لم تعد تلك الوسائل هي الأكثر أهمية في الفضاء المعلوماتي، بل وأصبح عليها أن تدخل في منافسة حامية الوطيس للحصول على موضع قدم وسط اللاعبين الكثر الذين دخلوا إلى الساحتين الاتصالية والإعلامية.

لقد ولدت السمات التي ميزت البيئة الاتصالية الجديدة، مثل سهولة الوصول والسرعة وإمكانية التخفي وغياب الحدود الجغرافية، وغيرها فكرة استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي في الحروب والنزاعات، وسرعان ما ظهرت مصطلحات مثل الحرب غير التقليدية، والحرب غير المتماثلة، والحرب غير النظامية، والحرب الهجينية، وحرب الجيل الجديد لتصف خصوصية الصراعات الدولية الحديثة التي تجمع فيها الدول والجماعات المسلحة في استراتيجياتها الحربية بين الأدوات العسكرية القتالية التقليدية وبين الأدوات الرقمية الجديدة. وقد ظهر مصطلح الحرب الهجينية لأول مرة في عام 2002 في بحث قدمه وليام نيميز للحصول على درجة الماجستير في الآداب في شؤون الأمن القومي من مدرسة الدراسات العليا بعنوان «حرب المستقبل والشيشان» وصدر بعد ذلك في كتاب بنفس العنوان في عام 2012 لوصف الطريقة التي اتبعها المسلحون الشيشان للجمع بين العمليات العسكرية والتكتيكات العسكرية الحديثة، وتقوم على استخدام الهواتف المحمولة وتكنولوجيا الإنترنت. فالي جانب الأعمال العسكرية الفعلية على الأرض استخدم الشيشانيون أيضا الأنشطة الإعلامية والاتصالية والعمليات النفسية ضد القوات الروسية. وتم استخدام تعبير الحرب الهجينية بعد ذلك للإشارة إلى الاستراتيجيات الإعلامية التي اتبعتها بعض الجماعات مثل حزب الله في جنوب لبنان أثناء الحرب مع إسرائيل 2006، واكتسب المصطلح انتشارا أوسع بعد العمليات العسكرية التي قامت بها القوات الروسية في إقليم القرم وشرق أوكرانيا في 2014 والتي بدا أنها كانت تتبع النهج الذي عبر عنه الجنرال الروسي فاليري جرازموف في عام 2013 بالحديث عن الحرب غير الخطية التي تتميز بأنها حرب غير معلنة على الإطلاق، يبدأ الفعل العسكري فيها بأنشطة تقوم بها جماعات مسلحة في زمن السلم، ويتم فيها استهداف الإمكانات العسكرية والاقتصادية والاتصالية للعدو من خلال ضربات دقيقة على البنية العسكرية الاستراتيجية والبنية التحتية المدنية، كما يتم فيها استخدام الأساليب الحربية غير المتماثلة وغير المباشرة، وإدارة القوات في مجال معلوماتي موحد. وعلى سبيل المثال فان الحرب الروسية في أوكرانيا لم تركز علي ميدان المعركة أو على مسرح العمليات فقط، وإنما كان التركيز الرئيس علي الوسائل غير العسكرية التي تقلل الحاجة إلى المواجهة المسلحة.

ورغم الافتقار إلى مفهوم محدد، فان الحرب الهجينية يمكن أن تعَرف بأنها شكل من الحروب تقوم على مزج الوسائل الحربية التقليدية وغير التقليدية، العسكرية وغير العسكرية، العلنية والسرية التي تشمل الحرب المعلوماتية، وتستهدف خلق حالة من الارتباك والالتباس حول طبيعة ومنشأ وهدف هذه الأفعال. قد يقول قائل إن الوسائل غير العسكرية بما في ذلك العمليات المعلوماتية والإعلامية كانت وما زالت تستخدم في أوقات الحرب، وهذا صحيح. ومع ذلك فان ما يجعل الحرب السيبرانية مختلفة هو التأثيرات التي يمكن للمعلومات أن تحدثها في تطور الصراع، خاصة وان إدراك الجمهور بنتائج الصراع تكون أكثر أهمية من الحقائق الفعلية على الأرض. ولذلك فان القتال من اجل السيطرة على إدراك وسلوك الشعوب أصبح جزءا رئيسيا في الصراعات الحديثة، وهو ما عبر عنه كتاب وباحثون كثر عندما توقعوا أن تكون حرب المعلومات التي تدمج بين الحرب الإلكترونية والحرب السيبرانية والعمليات النفسية محورا مركزيا في كل الحروب في المستقبل.