Untitled-1
Untitled-1
الاقتصادية

الصين ثـــورة الطـاقة الموعــودة

03 ديسمبر 2017
03 ديسمبر 2017

نك بتلر- الفاينانشال تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

هل في مقدور الصين إحداث تحوُّل في اقتصاد الطاقة؟ لقد تحققت استدامة نموها الاقتصادي السريع المرتكز على الصناعة الثقيلة والصناعة التحويلية والإنشاءات خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة بفضل المواد الهيدروكربونية. ولا يزال الفحم مهيمنا في قطاع الطاقة. أما الذي تغيَّر فهو الكميات المستهلكة منه. ففي عام 1990 استهلكت الصين 446 مليون طن من الفحم. وهذا العام سيكون الرقم حوالى 2.8 بليون طن. وفي توازٍ مع ذلك، شهد الطلب على النفط نموا مع الزيادة المثيرة في أعداد السيارات. لقد كان معدل استهلاك النفط حوالى 2 مليون برميل في اليوم عام 1980. أما في الوقت الحاضر فهو 12 مليون برميل في اليوم تقريبا. وهذا ما يجعل الصين أكبر مستورد للنفط. لكن هذا النمو كان له ثمنه (لم يكن دون مقابل).

فالصين، كما يذكرنا الإعلان الذي صدر عن اجتماعات مشروع الكربون العالمي منتصف الشهر الماضي، هي أكبر مصدر للانبعاثات الضارة وتعاني بشدة من التلوث الذي يغطي العديد من مدنها بالضباب الدخاني. لقد وعد الرئيس الصيني شي جينبينج بإحداث تغيير درامي في هذا الجانب. وتحدث عن ثورة في الطاقة من أجل جعل السماء «زرقاء مرة أخرى». هذا قول عظيم، لكن هل يمكن الوفاء بالوعود؟ وتشكل دراسة شاملة عن سوق الطاقة في الصين نشرتها الوكالة الدولية للطاقة كجزء من نظرتها المستقبلية للطاقة في العالم في الشهر الماضي (نوفمبر) منطلقا ممتازا لكل من يريد أن يفهم ما يحدث حاليا وما يمكن أن يحدث في المستقبل. الحقائق التي تتضمنها هذه الدراسة لافتة. فالصين تستهلك 25% من الطاقة المستخدمة عالميا في كل يوم. ولا يزال الفحم مهيمنا على الاستخدامات الصينية لموارد الطاقة في مجالات الصناعة وتوليد الكهرباء والتدفئة. وهو يغطي ما يقرب من ثلثي إجمالي الطلب على موارد الطاقة. وتنتج الصين وتستخدم ما يزيد عن 50% من الفحم الذي يُستهلَك على نطاق العالم. كما شهد توليد الكهرباء في الصين زيادة مثيرة لمقابلة الطلب الذي تضاعف أربع مرات منذ عام 2000. أما استخدام الغاز فقليل نسبيا لكنه يشهد نموا ويعتمد في أغلبه على الغاز الطبيعي المسال المستورد من الخارج. وفيما يخص موارد الطاقة الأخرى فالصين هي المنتج الرئيسي للكهرباء من طاقة الرياح وأشعة الشمس. لقد قللت الإنجازات التي تحققت في التقنية وكفاءة الإنتاج من التكاليف وجعلت الصين المزوِّد المهيمن لباقي العالم بألواح الخلايا الشمسية. كما تبني الصين العشرات من محطات الطاقة النووية الجديدة بما يزيد عن ثلث الإجمالي العالمي. وتتولى صناعتُها النووية تطويرَ تقنية مفاعلاتها الخاصة بها مستهدفة بذلك إيجاد صناعة تصدير من طراز عالمي. وتقود الصين الصناعة العالمية لإنتاج السيارات الكهربائية. فمن بين مليوني سيارة يتوقع أن تشهدها طرق العالم بنهاية هذا العام ستكون 40% منها في الصين. لقد تم تحقيق تقدم لافت في مجال كفاءة استخدامات الطاقة. وهبط حجم الطاقة المستخدم بالنسبة لكل وحدة من وحدات الناتج المحلي الإجمالي في الصين بنسبة 30% منذ عام 2000. لكن انبعاثات الكربون لا تزال تشكل تحديا. فبعد ثلاثة أعوام من استقرار مستوى انبعاثات الكربون، حسبما ذكرت التقارير، أدّى تجدد النمو الصناعي إلى ارتفاعها مرة أخرى. وتعكس كل واحدة من هذه الحقائق تغيرا دراميا في الأعوام العشرة إلى الخمسة عشر عاما الأخيرة. ولكنها ليست نقطة النهاية. لقد أجاز مؤتمر الحزب الشيوعي في بيجينج أحدث خطة تمثلت في بيان نوايا شامل تحت عنوان «استراتيجية ثورة إنتاج واستهلاك الطاقة». تصف هذه الخطة تحولا لكامل قطاع الطاقة خلال العقد ونصف العقد القادمين. إذ سترتفع حصة مصادر الوقود غير الأحفوري (الطاقة المتجددة) إلى نسبة 15% بحلول عام 2020 وإلى 20% في عام 2030 مما سيمكنها من مقابلة معظم إن لم يكن كل الإضافات اللاحقة للطلب على الطاقة. وبحلول عام 2030 ستطلق 80% من كل المحطات المتبقية لتوليد الكهرباء بواسطة الفحم انبعاثات فائقة الانخفاض بعد إخراج المولدات القديمة من الخدمة (لفشلها في الوفاء بمعايير الكفاءة وسلامة البيئة). وستهبط كثافة الطاقة المستخدمة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 15% (كثافة الطاقة مقياس لكفاءة استخدام الطاقة في اقتصاد بلد ما ويتم حسابها كوحدات طاقة لكل وحدة من وحدات الناتج الإجمالي – المترجم). كما ستتقلص كمية الكربون المطلوب بنسبة 15%. وسيكون هنالك المزيد من التحسينات خلال العقد التالي حتى عام 2030. أما الهدف فهو تأكيد أن الانبعاثات ستبلغ ذروتها في عام 2030. أما الهدف في الأجل الطويل لعام 2050 فهو خفض حصة مصادر الوقود الأحفوري إلى أقل من نصف الإجمالي وإعادة تأسيس النظام بأكمله على أحدث التقنيات والمعدات وجعل الصين لاعبا مهما في مجال «الحَوْكَمة العالمية للطاقة». يشير التاريخ إلى أنه من غير الحكمة التقليل من قدرة الصين على الوفاء بما تخطط له. ولكن في هذه الحالة توجد أسباب وجيهة للشك في هذه القدرة. فهنالك حاجة إلى بنية تحتية (أساسية) وهياكل سوق لدعم التحول المستهدف في مزيج الطاقة (مزيج الطاقة يعني النسب المئوية لموارد الطاقة الأولية التي يستخدمها بلد ما- المترجم.) وكما يوضح تحليل وكالة الطاقة الدولية فإن غياب البنية الأساسية والإجراءات التنظيمية المساندة يُحِدُّ سلفا من الاستفادة من الإمكانيات التي يتيحها الغاز الطبيعي. نفس هذه المشاكل يمكن أن تضع قيودا على استغلال طاقة الرياح وحرارة الشمس. وفي حين تتزايد أعداد السيارات الكهربائية لكن يُرجَّح أن الجزء الأكبر من الكهرباء التي ستستخدمها هذه السيارات سيتم إنتاجه من الفحم وذلك لفترة طويلة قادمة. ويشرح مقال ممتاز بقلم سايمون جويز بموقع «انيرجي كولكْتِف» هذه الحقيقة. إلى ذلك ستظل هنالك حاجة إلى إدارة التحولات الصناعية. ففي صناعة الفحم والقطاعات الصناعية الرئيسية يعتمد العديد من العمال بل ومجتمعات محلية بكاملها على نشاط من المرجح أن تحدث فيه التقنية تغييرا أو أن تقضي عليه تماما. فصناعة النفط الصينية مثلا تستخدم أربعة مليون عامل. كما يشكل الاعتماد على التجارة الخارجية مخاطرا أيضا. وربما أن هدف الاكتفاء الذاتي الصافي بنسبة 80% قابلة للتحقيق بمزيج من الفحم والموارد النووية الجديدة والمتجددة بما في ذلك التوليد المائي. لكن نسبة الـ 20% المتبقية تشتمل على إمدادات النفط الحاسمة في أهميتها والتي تضاعف الاعتماد على وارداتها في الأعوام الخمسة الأخيرة. وبحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية ستحتاج الصين إلى استثمار 6.1 تريليون دولار (250 بليون دولار في العام) في إمدادات الطاقة في الفترة بين الوقت الحاضر وعام 2040. وسيذهب ثلثا هذا الاستثمار إلى قطاع الطاقة. كما سيلزم انفاق 2.1 تريليون دولار آخر لتأمين المكاسب المطلوبة في مجال كفاءة الطاقة. فالصين قوة مهيمنة في السوق الدولية للطاقة. ولكن الطاقة أيضا مهمة لبقاء النظام في بيجينج. فالعملية السياسية لم تصل الى نهايتها بإعادة انتخاب شي جينبنج وعودته الظافرة الى سُدَّة الحكم. لقد ساهم التحسُّن المستدام الذي شهدته مستويات المعيشة خلال العقود الثلاثة الماضية على بقاء الحزب الشيوعي في السلطة. ولم يكن ذلك ممكنا إذا لم يتم تعديل نظام الطاقة وملاءمته لمقابلة الطلب المتزايد للمجتمع الصيني الذي صار الآن استهلاكيا. ولا يقتصر الآن نظام «ضمان المعيشة مدى الحياة» على تأمين الوظيفة والطعام. بل يتمدد أكثر لكي يشمل ضمان الانتقال (من مكان إلى مكان آخر بصرف النظر عن وسيلة النقل المستخدمة والغرض منه). أيضا تتصاعد المطالبة بالبيئة النظيفة. فالطاقة والسلطة، كما هي حالهما دائما، لا ينفصلان.