أفكار وآراء

التحديات الاستراتيجية الأمنية لروسيا في الخليج والشرق الأوسط

02 ديسمبر 2017
02 ديسمبر 2017

مازن بن سعيد المقبالي/ باحث في العلوم السياسية -

مطلع عام 2010م كانت روسيا قد نجحت في تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، إذ أقامت علاقات جيدة مع كل حكومة ومع معظم حركات المقاومة فيها، إلا أنه بعد أحداث الربيع العربي عام 2011م فقدت روسيا بعض هذا النفوذ في المنطقة لفترة وجيزة خلال بدايات ما سمي بالربيع العربي، حيث رأت روسيا يد الغرب ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الأحداث بشكل او آخر ، وهو الأمر الذي يهدد مصالح روسيا في المنطقة ومنها المصالح الأمنية، ومن ثم سعت إلى العمل على استعادة نفوذها في المنطقة. وبالفعل نجح الكرملين في ذلك خاصة في سوريا.

ومن ذلك يتبين مدى الاهتمام الروسي بمنطقة الشرق الأوسط ، ومنها دول الخليج العربية، حيث إن روسيا مستعدة أن تفعل أي شيء في سبيل إعادة بناء نفوذها في المنطقة ، نظراً للأهمية الإستراتيجية لهذه المنطقة ، وقد استحدثت روسيا في استراتيجيتها الأمنية الجديدة تغييرات جوهرية من أبرزها:

- إعادة النظر في رؤيتها نحو الغرب، فهي لم تعد تنظر للغرب باعتباره تحديا أمنيا وإنما كشريك لمواجهة التحديات العالمية، كما وضعت استراتيجية روسيا الأمنية إطاراً جديداً للسياسة الأمنية الروسية تقوم على الأولويات الإستراتيجية الوطنية في مجالات الدفاع والأمن للدولة والمجتمع والتنمية المستدامة. ومن ثم تتمحور الاستراتيجية الأمنية الجديدة حول ضرورة تحسين نوعية حياة المواطنين الروس، واتخاذ مواقف أقل عدائية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي، ورغم هذا التوجه الاستراتيجي الأمني الجديد لروسيا إلا أنها ما زالت تعتبر الدول الغربية دولا منافسة لتحقيق مصالحها ومنها الأمنية في كافة أنحاء العالم.

- وفيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط ومنها دول الخليج العربية، فإن عددا من المحللين السياسيين يجمع على أن هذه المنطقة أقل أهمية من أوروبا وآسيا في استراتيجية روسيا الأمنية الجديدة ، حيث ترى روسيا فرصاً محدودة نسبياً في الشرق الأوسط لحماية أو تعزيز مصالحها الحيوية. لذا، فإن سياساتها الخارجية في هذه المنطقة كانت مدفوعة باعتبارات الهيبة الدولية والتجارة والاستقرار الإقليمي، فلم تكن مدفوعة برؤية سياسية أو إستراتيجية خاصة لروسيا في الشرق الأوسط ، فمنطلق إيمانها بأنها قوة عالمية هو الذي كان يدفعها لكي تلعب أدواراً معينة في هذه المنطقة فقط.

- ورغم احتلال منطقة الشرق الأوسط للمرتبة الثالثة في الأولوية الروسية بعد أوروبا وآسيا، إلا أن لمنطقة الشرق الوسط أهميتها الاستراتيجية لموسكو والتي تنبع من عدة أسباب، منها: القرب الجغرافي بين روسيا والشرق الأوسط ، حيث تبعد العراق عن العاصمة الشيشانية «جروزني» حوالي 600 ميل فقط . كما لا يوجد جدار إيديولوجي أو مادي يفصل بين المسلمين الروس – الذين يشكلون سبع سكان روسيا تقريباً- مع إخوانهم في منطقة الشرق الأوسط ، ومن ثم فإن أي اضطراب ديني أو سياسي في المنطقة ستتأثر به روسيا بكل تأكيد، كما أن منطقة الشرق الأوسط غنية بموارد الطاقة، ناهيكم عن أن حوالي 20% من اليهود في إسرائيل هم من أصول روسية ويتحدثون باللغة الروسية.

- وإذا ما أتينا إلى المصالح الروسية في منطقة الخليج بعد أحداث الربيع العربي فلا شك بأن دول الخليج العربية شريك استراتيجي قوي للطاقة مع روسيا، ومنافس لها في ذات الوقت، حيث إن دول الخليج العربية تمتلك مخزونا استراتيجيا كبيرا للنفط والغاز، كما يعتبر السوق الخليجي سوقا مهما لاستهلاك المنتجات التكنولوجية الفائقة الروسية.

وبعد التغييرات العنيفة والسريعة التي أحدثها الربيع العربي عام 2011 بامتداده إلى دول عربية آسيوية كاليمن وسوريا، أدى ذلك إلى خوف موسكو من أن تلك التغيرات قد تؤدي إلى تغييرات عميقة تؤثر سلباً على مصالحها، في الوقت الذي لم تنظر فيه روسيا لأحداث الربيع العربي باعتباره حدثاً شاملاً على مستوى المنطقة، بل حدثا خاصا بكل دولة، وبالتالي فإن روسيا قيمت أحداث الربيع العربي في كل بلد على أساس مدى تأثير ذلك على مصالحها هي ، بمعنى أن ما يهم روسيا هو الحفاظ على مصالحها في المنطقة عن طريق جعل كل حدث في دولة ما منفصلا عن الأحداث في الدول الأخرى، حتى تضمن بقاء مصالحها مع الدول الأخرى كدول الخليج العربية، حيث تهتم روسيا بالحفاظ على مصالحها معها.

- من جانب آخر فإن روسيا قد اهتمت بشكل كبير بالتطورات السورية التي بدأت عام 2011م ، وانعكس هذا الاهتمام أحيانا على حساب مصالحها مع بعض دول المنطقة ، بسبب الخلافات بين الطرفين على مستقبل الرئيس السوري «بشار الأسد»، فقد دعمت روسيا «الأسد» بقوة من منطلق أن نظامه يشكل حصنا ضد التطرف الإسلامي من وجهة نظرها ، في حين دعمت بعض دول المنطقة محاولات الإطاحة بـ«الأسد»، لأن زواله سيقلل من التأثير الإقليمي لإيران، ، ورغم ذلك سعت روسيا إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي بوجه عام .

إن الاستراتيجية الأمنية الروسية قد مستها العديد من التغييرات منها تحويل حالة العداء مع الدول الغربية إلى حالة تنافس، كما أن دول الخليج العربية كجزء من الشرق الأوسط، هي منطقة ذات أهمية إستراتيجية وفق الأولويات الروسية في هذه الفترة. بالإضافة إلى أن روسيا أعطت الثورة السورية أهمية كبيرة. لذا تحرص بشكل أو بآخر على المحافظة على مصالحها فيها.

ومن جانب آخر يتبين لنا أنه لا يوجد استراتيجية أمنية روسية خاصة تجاه دول الخليج العربية ، وإنما هناك فقط مجموعة من المصالح الروسية معها، وهي في الأساس مصالح اقتصادية يمكن أن تتبدل بين الحين والآخر، وأن الحس العالمي هو الذي يدفع روسيا كدولة عظمى للتدخل في قضايا المنطقة، وليس من منطلق استراتيجيتها الخاصة. رغم أن روسيا تبذل جهوداً متضافرة لتصبح موردا رئيسيا للأسلحة لدول المنطقة ، إلا أنها تواجه مجموعة من التحديات في تحقيق أهدافها في دول الخليج العربية ، وأبرزها:

1 - العلاقات الأمريكية الخليجية (المحدد الأمريكي): نظراً لحجم اقتصادها وإمكانياتها السياسية والعسكرية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستظل الفاعل الأبرز في منطقة الشرق الأوسط، وستبقى علاقاتها الاستراتيجية أكثر من أي دولة أخرى متانةً مع دول المنطقة وبالأخص دول الخليج العربية وإسرائيل، حيث تركز السياسة الأمريكية بشكل رئيسي على الحفاظ على علاقتها المتينة مع دول الخليج العربية بالإضافة إلى الحفاظ على أمن إسرائيل، كما لم تؤثر أحداث الربيع العربي كثيرا على هذه المكانة الكبيرة والقوية للولايات المتحدة الأمريكية مع دول الخليج العربية ، وهو الأمر الذي يشكل تحدياً كبيراً لكل دولة تسعى لتعزيز نفوذها في هذه المنطقة كالصين وروسيا.

2- العلاقات الروسية الإسرائيلية (المحدد الإسرائيلي): رغم أن روسيا قد تبنت الموقف الإسرائيلي في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، بسبب الكثير من العوامل والمصالح الروسية مع إسرائيل، إلا أن روسيا لا تحاول أن تخسر مصالحها مع العرب ولاسيما مع دول الخليج العربية، لذلك تحاول أن تظهر بمظهر الوسيط المحايد بين العرب وإسرائيل، وهو الأمر الذي يشكل تحديا كبيرا لتعزيز العلاقات الروسية مع دول الخليج العربية، حيث إن الموقف الروسي مكشوف للعرب بأن روسيا تميل بشكل ما إلى إسرائيل.

3 - الاهتمام الروسي بالقضية السورية (المحدد السوري): لعبت روسيا دور الحليف القوي للنظام السوري بقيادة الرئيس «بشار الأسد» ضد محاولات أطراف عديدة من داخل سوريا وخارجها لإسقاطه، وقد عملت روسيا كل ما من شأنه تثبيت نظام الأسد وذلك لأسباب كثيرة منها نظرة روسيا إلى أن نظام «الأسد» هو الأكفأ لمنع الحركات الإسلامية المتطرفة من النمو.

وبالإضافة إلى كل تلك التحديات، فإن روسيا إن أرادت تحديد واتباع استراتيجية أمنية شاملة طويلة الأجل في منطقة الشرق الأوسط والخليج ، فإنها قد لا تستطيع ذلك، حسب رؤية الباحث - لأن روسيا تفتقر للإمكانيات الاقتصادية والعسكرية الكافية لتحقيق مثل هذه الإستراتيجية الأمنية الشاملة، كما أن روسيا تفتقر لإمكانيات القوة الناعمة بالمقارنة مع الغرب بالطبع ولكن ذلك لا يمنع موسكو من العمل بكل السبل الممكنة لحماية مصالحها وتعزيزها في هذه المنطقة الاستراتيجية ، وهو هدف قديم لموسكو.