أفكار وآراء

مصير الملفات العربية بعد قمة سوتشي الثلاثية !!

02 ديسمبر 2017
02 ديسمبر 2017

د. عبدالعاطي محمد -

لقاء القمة الذي جمع رؤساء روسيا وتركيا وإيران له ما بعده فيما يتعلق ليس بمصير الملف السوري وحده، بل أيضا ببقية الملفات العربية. فوفقا لما ترشح عنه أنباء يمكن أن تتغير معادلات الصراعات هنا وهناك ومن ثم مآلاتها.

وعلى الأطراف العربية أن تقرأ الحدث جيدا ليس من منطلق التوجس والريبة أو حتى الهلع، وإنما من منطلق التدبر والمراجعة والتأقلم مع المستجدات لاستيعاب الدروس واقتناص الفرص مهما كانت قساوة المشهد الراهن.

أهمية القمة أنها أحدثت حراكا مؤثرا في طريق التسوية السياسية للأزمة السورية بمعنى أن الحل بات قريبا بعد نحو 7 سنوات من التأزم. فقد عقدت بالتزامن مع ما أصبح معروفا للكافة أن تنظيم «داعش» لفظ أنفاسه الأخيرة في العراق وسوريا، وسبقتها قمة روسية سورية عاجلة فيما أعطى الانطباع أن صيغة ما للحل تم الاتفاق أو التوافق عليها بين الأطراف الأربعة، ثم لحقتها تصريحات من الرئيس التركي بأن الباب السياسي بين أنقرة ودمشق من الوارد أن يصبح مفتوحا. وعلى الجانب الآخر جرى الاجتماع الثاني للمعارضة السورية وتشكل من خلاله وفد جديد لمباحثات جنيف ضم مختلف المنصات بما فيها منصتا موسكو والقاهرة، مما أعطى انطباعا آخر بأن المباحثات هذه المرة جدية أو هكذا يجب أن تكون. ومن جهة أخرى باتت موسكو تتحدث عن إمكان سحب قواتها من سوريا في مؤشر على أن الحل العسكري استنفد أغراضه.

وإذا سارت الأمور وفق مقدماتها فإن فرص العرض الذي طرحه الرئيس الروسي بوتين بخصوص عقد لقاء موسع في سوتشي يمثل كل ألوان الطيف السياسي السوري لحسم المسائل المفصلية كالدستور والانتخابات ومصير الأسد بالطبع، فإن الملف السوري يكون قد دخل فصله الأخير في اتجاه الحل السياسي. حدث كل ذلك على مرأى ومسمع من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين دون أية مقاومة تذكر مع أنه يعني بوضوح أنهم خسروا دورهم السياسي في أزمة بأهمية الأزمة السورية. يعزز هذا الاستنتاج أن الرئيس ترامب نفسه الذي شجع من قبل أكراد سوريا على الاصطدام بتركيا تراجع عن موقفه وسحب دعمه لهم إقرارا بالأمر الواقع!.

العبرة من هذه المستجدات على الساحة السورية والتي لا نبالغ في أنها تنسحب على بقية الملفات العربية بلا استثناء، هي أن الأطراف الخارجية هي صاحبة القول الفصل في تحديد مصير هذه الملفات وأن الأطراف العربية لم تستطع في نهاية المطاف وبعد كل ما جرى أن تكون لها الكلمة الأولى والأخيرة بحكم أنها ملفات تخصها تماما قبل غيرها. ومن المؤكد أن أحدا عربيا ما كان يود أن تكون هذه هي مآلات الأوضاع، ولكن الواقع هو الذي يقول ذلك ولا جدوى من أية محاولة للتجميل، والحكمة تقتضي استخلاص الفرص من هذا الواقع المؤلم لا الانكفاء على جلد الذات أو الاستغراق في الانقسام.

لا يدّعي أحد أن هناك صيغة جاهزة اليوم لإغلاق الملف السوري، ولكن لا أحد يستطيع تجاهل أن هناك توافقا قد تم بين أطراف سوتشي 3+1 على المسار المستقبلي للحل السياسي، وأن الأطراف الثلاثة لن تسمح بصيغة لا تتفق مع ما توافقوا عليه لا لشيء إلا لأنهم هم الذين حسموا مصير التطورات العسكرية والذين يتحملون مسؤولية ضمان نجاح أية تسوية في المستقبل، فلكل فعل حاسم وضخم تكلفته وضماناته وهم الذين يمتلكون هذا وذاك.

وما يجري بشأن المستقبل السوري جرى من قبل وإلى حد كبير وأكثر وضوحا في العراق، حيث تكفل التحالف الدولي بحسم المعركة مع «داعش» عندما وفر الدعم اللازم للقوات العراقية فضلا عما خاضه من ضربات ضد التنظيم. وصحيح أنه كانت هناك مشاركة عربية في هذه العمليات بحكم تشكيلة التحالف نفسه، ولكن من قام بالعمل الأكبر والحاسم كان خارجيا سواء من جانب إيران أو من جانب التحالف الدولي. لا أحد ينكر ذلك. في الحالتين: العراق وسوريا كانت هناك أدوار عربية بكل تأكيد، وجاءت أوقات كان الصوت العربي مرتفعا فيها، بل كثيرا ما كانت الجامعة العربية ذاتها تتحدث عن التنسيق مع المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة للعمل على تحريك الأمور في اتجاه الحل، ولكن التطورات على الأرض لم تكن تعترف إلا بمن يستطيع تغيير موازين القوى في المشهدين العراقي والسوري، وقد تم ذلك بقوة السلاح، ليس من الجانب العربي وإنما من الجانب الخارجي.

والملاحظة تزداد تأكيدا إذا ما نظرنا للمشهدين الليبي واليمني، ففي كليهما كان هناك حضور قوي للجانب العربي على طريق البحث عن مخرج، ولكن لأن الأطراف الخارجية كان لها رأي آخر مؤداه الإبقاء على جذوة الأزمة هنا وهناك متقدة لأنها لم تقرر بعد أن تقول كلمتها الأخيرة، تعطل المسار في المشهدين. في الحالة الليبية هناك تحرك مشترك من دول الجوار وهم الجزائر وتونس ومصر. ولكن من وضع اللبنة الأولى للحل كانت الأمم المتحدة من خلال ممثليها عبر اتفاق الصخيرات هذا الاتفاق تعثر على خلفية الخلافات بين الفرقاء الليبيين، وإن كان زمام الأمور لا يزال في يد المبعوث الأممي. وبالمقابل لم تتوقف لقاءات دول الجوار، إلا أنها لم تتوصل إلى نتيجة. والمعنى في نهاية المطاف هو أن الطرف الخارجي أي غير العربي هو الذي لا يزال يتحكم في مسار حل الأزمة ولا تملك دول الجوار العربية سوى أن تتوافق على ما يقرره المبعوث الدولي أو ما تتخذه دول غربية معنية بشكل خاص بالأزمة من مواقف مثل فرنسا وإيطاليا. وأما في الحالة اليمنية فمن المعروف أن مجلس التعاون الخليجي اضطلع بدور مشهود في جهود حل الأزمة وقت اشتعالها، ووضع تصورا للحل لم يوافق عليه الأفرقاء اليمنيون وحسب، بل اعتمدته الأمم المتحدة وأصبح من الأسس التي قامت عليها قرارات مجلس الأمن. ولكن الأزمة راوحت مكانها بل ربما ازدادت تعقيدا وترتبت عليها نتائج مأساوية على الصعيد الإنساني، لا لشيء سوى لأن المجتمع الدولي وتحديدا الأمم المتحدة لم يقم بواجبه، بما يعني أنه حتى لو كان الطرف العربي موفقا في حل ما فإن ذلك لا يعني تحققه على أرض الواقع لأنه دائما ما يحتاج إلى قوة حاسمة هي ليست لديه لأسباب كثيرة يطول شرحها، وهذه القوة الحاسمة في الأطراف الخارجية، تلك الأطراف التي لم تقل كلمتها الأخيرة بعد مثلما قالتها في قمة سوتشي.

حتى الأزمة الأخيرة التي تعرض لها لبنان على خلفية استقالة رئيس وزرائه سعد الحريري، جاء الحل من الخارج ممثلا في فرنسا التي لعبت دور رجل المطافئ، حيث تمكنت من إقناع الحريري بالعودة إلى بلاده ومن هناك عدل عن استقالته، ودخل اللبنانيون في دائرة الحوار والنقاش حول دوافع الحريري مما أسماه بالصدمة الإيجابية، وهم اعتادوا على التوافق وفق ما تقوله تجارب التاريخ، أيضا بدعم ومساندة فرنسا التي تدعمها بقية الدول الأوروبية.

إلى هنا فإن نصف الكوب الفارغ يقول إن مصير الملفات العربية بيد القوى الخارجية التي تصوغ حلولا تحقق مصالحها أولا حتى إن كان ذلك على حساب المصالح العربية، فتلك دائما هي لغة المنتصر. ولكن نصف الكوب الممتلئ يقول شيئا آخر مختلفا فيه من الفرص ما هو ممكن للجانب العربي. فمن الصحيح أن الطرف الخارجي كان مستدعى دائما من الأطراف العربية على جانب النظم والشعوب، وتلك حقيقة لا يمكن إنكارها مهما طال الجدل بيننا لأسباب ليس محلها هذا المكان، ولكن في السنوات الأخيرة كان الطرف الخارجي متدخلا وبقوة وليس مستدعى لسببين رئيسيين هما انتشار التطرف والإرهاب الذي طال أراضيه وكان مصدره المنطقة، وحالة عدم الاستقرار التي ضربت المنطقة تحت وقع ما أصبح يسمى بالربيع العربي، وهي حالة تهدد مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية وإسرائيل، فكان له التدخل وبشكل فج. الآن قاربت نهاية الإرهاب بهزيمة داعش وهناك انتفاضة داخلية في كل الدول العربية ضد التطرف، وتوقفت توابع زلزال الربيع العربي، وعليه فإن الدوافع التي تجعل الطرف الخارجي مقحما لنفسه تتضاءل تدريجيا، ومن ثم تتزايد فرص استعادة اللحمة العربية والقدرة على مواجهة الأزمات بالإمكانيات الذاتية والقومية. إلا أن ذلك مشروط بتحقيق متطلبات استعادة اللحمة العربية من ناحية، وتعزيز خطوات الإصلاح داخليا من ناحية أخرى، وكلاهما ليسا ببعيدين عن التحقق إن تم تدبر المستجدات ومآلاتها.