إشراقات

اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم قدوة

30 نوفمبر 2017
30 نوفمبر 2017

سلوك طفل مسلم -

القاهرة/‏ أمانى أحمد -

يقول تبارك وتعالى في نبينا صلى الله عليه وسلم: «وإنك لعلى خلق عظيم»، فرسول الله صلى الله عليه وسلم مجمع صفات الكمال من رب العزة والجلال، حباه الله بها جميعا يوم كتب عليه نعمة الاصطفاء، واجتباه خاتما للأنبياء، والمرسلين وجعل موقعه في الأمة الأمية التي أرادها الله خير أمة.

ويعد اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم قدوة ركيزة مهمة وعملية من الركائز التي تقوم عليها الأخلاق في شريعة الإسلام، لأن الناس إذا اتخذوا النبي صلى الله عليه وسلم قدوة عصموا أنفسهم من الوقوع فيما يغضب الله سبحانه، وأصبحوا بهذه القدوة أقرب ما يكونون إلى رضاه سبحانه وتعالى.

وإننا لن نجد نموذجا أسمى من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قدوة للناس كافة في كل جوانب الحياة الإنسانية ومقياسا للخلق والأدب والرحمة والبصيرة والتضحية للمبادئ السامية.

يقول الدكتور على عبد الحليم محمود في كتابه «تربية الناشئ المسلم»: كانت أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وأعظم أخلاق، ولقد وصفت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها خلق النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان القرآن الكريم، فقد روى الإمام مسلم بسنده عن سعد بن هشام بن عامر قال: دخلت على عائشة رضى الله عنها فقلت: يا أم المؤمنين، ما كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، ثم قالت: أتقرأون سورة المؤمنين؟ قلنا: نعم.

قالت: اقرأ، فقرأت: «قد أفلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون. والذين عن اللغو معرضون. والذين هم للزكاة فاعلون. والذين هم لفروجهم حافظون..»، فقالت هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولقد تضمن القرآن الكريم كل خلق فاضل، وكثرت فيه الآيات الكريمة التي عددت وفصلت مكارم الأخلاق، مثل قوله تعالى: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي».

وكقوله عز وجل: «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين»، وقوله سبحانه وتعالى: «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم».

وقوله تعالى: «واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور» . وقوله تعالى: «يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا».

ولما رواه الإمام أحمد بسنده عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». تلك كانت عظمة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عجب في ذلك، فقد أدبه ربه سبحانه فأحسن تأديبه، واصطفاه وعلمه الكتاب والحكمة، وعلمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيما، ولقد كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رواه أحمد بسنده عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: «اللهم أحسنت خَلْقي فأحسن خُلُقي». ولقد أخبر الله تبارك وتعالى المسلمين بأن يتخذوا من النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه قدوة فقال تعالى: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا».

وروى أبو الشيخ الأصبهانى في كتابه «أخلاق النبي» بسنده (عن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهما قال: سألت أبى عن دخول النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك، وكان إذا أتى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزء لله وجزء لأهله وجزء لنفسه، ثم يجعل جزأه بين الناس، فيرد ذلك على العامة بالخاصة ولا يدخر عنهم شيئا. فكان في سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمته على قدر فضلهم في الدين، منهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما يصلحهم والأمة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: «ليبلغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنه إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره».- قلت: فأخبرني عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ -قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا مما يعنيهم ويؤلفهم ولا يفرقهم، يكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس عنهم من غير أن يطوي عن أحد بشره وخلقه، ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويصوبه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق، ولا يجاوزه إلى غيره، الذين يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.

- وسألته عن مجلسه؟ - فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله عز وجل، ولا يوطن الأماكن، وينهى عن إيطانها، وإذا جلس إلى قوم جلس حيث ينتهى به المجلس ويأمر بذلك، ويعطى كل جلسائه بنصيبه، ولا يحسب أحد من جلسائه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه لحاجة صابرة حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم ينصرف إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس من خلقه فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء.

مجلسه مجلس حلم، وحياء وصدق، وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثى -أي تشاع- فلتاته، معتدلين يتواصلون فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب.

- قلت: كيف كانت سيرته في جلسائه؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا فاحش ولا عياب، ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهى، ولا يؤيس منه راجيه ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعينه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا ولا يعيره ولا يطلب عوراته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه.

إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك مما يضحكون، ويتعجب مما يتعجبون، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم فيقول:إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام.