أفكار وآراء

المحافظون والاشتراكيون الألمان.. وائتلاف الفرصة الأخيرة

29 نوفمبر 2017
29 نوفمبر 2017

عبد العزيز محمود -

في محاولة ربما تكون الأخيرة لحل الأزمة السياسية التي تواجهها ألمانيا تلتقي المستشارة إنجيلا ميركل اليوم الخميس ( 30 نوفمبر الجاري) في القصر الرئاسي ببرلين مع رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتز ورئيس الحزب الاجتماعي المسيحي هورست سيهوفر لبحث إمكانية تشكيل ائتلاف موسع يحكم البلاد.

اللقاء الذي يتم تحت رعاية الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير يأتي بعد تسعة أسابيع من انتخابات تشريعية أسفرت عن تراجع المحافظين والاشتراكيين والليبراليين، وعودة اليمين الشعوبي إلى البوندستاج (البرلمان الاتحادي) لأول مرة منذ عام 1949.

كما يأتي بعد فشل محادثات تشكيل ائتلاف من الأحزاب الصغيرة يضم المحافظين والليبراليين والخضر، بسبب خلافات حادة حول الهجرة والمناخ والطاقة، دفعت الحزب الديمقراطي الليبرالي للانسحاب من المحادثات.

وتدرك ميركل البالغة من العمر 63 عاما والتي تقود ألمانيا منذ عام 2005، أنه بدون تشكيل حكومة مستقرة فان ألمانيا قد تضطر للذهاب إلى حكومة أقلية أو انتخابات مبكرة، تؤدي إلى انقسامات سياسية أكبر، مما يعني إمكان اجتياح اليمين الشعبوي لها كما حدث في ديمقراطيات مجاورة.

كما يعني أيضا أن المستشارة الألمانية قد لا تتمكن من البقاء في منصب المستشارية (رئاسة الحكومة) لولاية رابعة تنتهي في 2021، وهو الحلم الذي تستخدم كل مهاراتها السياسية من أجل تحقيقه، لتصبح ثالث أقدم مستشار ألماني بعد كونراد اديناور (1949- 1963) وهيلموت كول (1982-1998).

وهذا ما دفع ميركل للرهان على الخيار الأخير، بمحاولة إعادة تشكيل الائتلاف الموسع الذي حكم ألمانيا بين 2005 و2009 وبين 2013 و2017، والذي ضم تكتل المحافظين (الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي) والحزب الاشتراكي الديمقراطي.

وجاء هذا التحرك بعد موافقة الاتحاد الديمقراطي المسيحي في مؤتمره الأخير على الدخول في ائتلاف مع الاشتراكي الديمقراطي لتشكيل حكومة تحظى بأغلبية برلمانية باعتباره الخيار الأفضل للخروج من الأزمة، على أمل أن تنطلق مشاورات تشكيل الحكومة في بداية العام المقبل.

ومن الواضح أن ميركل التي لا تحبذ فكرة العودة مجددا إلى صناديق الاقتراع، ترى أن إعادة الائتلاف الموسع مع الاشتراكيين، هو الضمان الوحيد لتشكيل حكومة أكثر استقرارا، وتجنيب ألمانيا تشكيل حكومة أقلية أو إجراء انتخابات مبكرة.

والحقيقة أنه لا يوجد أمام المستشارة الألمانية خيار آخر، بعد أن وصلت محادثاتها لتشكيل حكومة ائتلافية مع الليبراليين والخضر إلى طريق مسدود، فالحزب الديمقراطي الليبرالي أعلن في ١٩ نوفمبر الجاري انسحابه من المحادثات، لرفضه الائتلاف مع الخضر، بينما أعلن الاجتماعي المسيحي الشريك في تكتل المحافظين موقفا مماثلا.

وهكذا قررت ميركل الاتجاه للائتلاف مجددا مع الاشتراكيين، بالرغم من إعلانهم السابق رفضهم الائتلاف معها، عقب النتيجة المحبطة التي حققوها في انتخابات 24 سبتمبر الماضي، والتي اعتبرها الجناح اليساري داخل الحزب محصلة لتحالفهم مع المحافظين.

صحيح أن الاشتراكيين حصلوا على المركز الثاني في الانتخابات، وفازوا بـ 153 مقعدا من أصل 709، لكنها كانت النتيجة الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، مما دفعهم للتصميم على البقاء في المعارضة، حتى لا ينفرد بقيادتها اليمين الشعبوي ممثلا في حزب البديل من اجل ألمانيا.

ولكن وتحت ضغوط مكثفة من جانب الرئيس الألماني وقادة الاتحاد الأوروبي عدل الاشتراكيون عن موقفهم الرافض لأي حوار أو ائتلاف مع ميركل، فيما بدا أنه محاولة لتجنيب البلاد مخاطر تشكيل حكومة أقلية أو إجراء انتخابات مبكرة.

وهذان خياران يزيدان حالة الغموض السياسي، ويرفضهما قطاع الأعمال الألماني وأيضا الجيران الأوروبيون الذين يتطلعون لتشكيل حكومة قوية ومستقرة في ألمانيا، يمكنها الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتعميق التعاون الأوروبي في مجالات الاقتصاد والدفاع والضرائب والهجرة.

وكلها أهداف لم تكن لتتحقق في حالة تشكيل حكومة ائتلافية تضم المحافظين والليبراليين والخضر، لكنها يمكن ان تتم في حالة تشكيل حكومة ائتلاف موسع من المحافظين (الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري) والاشتراكي الديمقراطي.

وأمام كل هذه الاعتبارات، وافق الاشتراكيون بزعامة مارتن شولتز، على التخفيف من رفضهم الصارم لحكومة ائتلافية، والانخراط في مشاورات مبدئية مع المحافظين بقيادة ميركل حول الائتلاف، دون ان يعني ذلك الموافقة عليه.

واعتبرت ميركل هذا التحول في موقف الاشتراكيين بمثابة طوق نجاة وبات واضحا أن المشاورات التي أجراها الرئيس الألماني شتاينماير مع قادة الأحزاب ورؤساء الكتل البرلمانية لعبت دورا أساسيا في التوصل لهذه النتيجة، فمارتن شولتز زعيم الاشتراكي الديمقراطي كان من اشد المعارضين لائتلاف جديد مع المحافظين، لكنه وافق أخيرا على لقاء ميركل وسيهوفر، للتشاور حول سبل إنهاء حالة الجمود السياسي الراهنة.

وأيا كانت نتيجة هذا اللقاء، فالمؤكد أن قرار الاشتراكيين بالدخول أو عدم الدخول في ائتلاف مع المحافظين، لن يتم حتى يعرض على أعضاء الحزب، خلال المؤتمر الذي يعقده الحزب في برلين خلال الفترة من 7 إلى 9 ديسمبر المقبل.

وتحاول ميركل استخدام لهجة تصالحية معهم بهدف التوصل إلى أرضية مشتركة تساهم في التوصل إلى اتفاق، ولعل هذا ما دفعها الى طرح مبادئ محتملة لائتلافها معهم، تشمل الالتزام بميزانية اتحادية خالية من أي ديون جديدة وتخفيف العبء عن أصحاب الدخول الصغيرة والمتوسطة وتحسين أسس الاقتصاد والتنمية.

ومن جانبهم طالب الاشتراكيون بإجراء إصلاحات في نظام الرعاية الصحية وزيادة الضرائب على الأثرياء وتوجيه جانب اكبر من حصيلة الضرائب لزيادة معاشات التقاعد.

ولا شك أن الخلافات كبيرة بين الجانبين، فالاجتماعي الديمقراطي يضع أولوية للعدالة اجتماعية بينما يتبنى المحافظون الاقتصاد الحر وإعفاءات ضريبية، كما تظل سياسة ميركل تجاه الهجرة حجر عثرة.

فهذه السياسة تسببت في خسارة الطرفين خلال انتخابات 24 سبتمبر الماضي، حيث فقد المحافظون 65 مقعدا والاشتراكيون 40 مقعدا داخل البوندستاج، بينما نجح اليمين الشعبوي في دخول البرلمان الاتحادي لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية. واليوم يتابع العالم نتيجة اللقاء بين ميركل وشولتز وسيهوفر، على أمل التوصل إلى اتفاق حول تشكيل حكومة ائتلافية موسعة تضم المحافظين والاشتراكيين، حتى لا تضطر ألمانيا للذهاب إلى حكومة أقلية أو انتخابات مبكرة، بكل ما يعنيه ذلك من اندفاع نحو الشعبوية وعدم الاستقرار.