أفكار وآراء

إفريقيا ... هل تسير نحو السلم أم الحرب؟

29 نوفمبر 2017
29 نوفمبر 2017

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

أحد أهم الأسئلة المطروحة على الساحة الإفريقية اليوم هو إلى أين تمضي وهل هي سائرة في طريق التنمية والازدهار والسلم أم أن الحرب والمخاصمات هو طريقها القادم؟

النظر إلى القارة السمراء يستدعي في واقع الحال طرح عدة تساؤلات جدية وجذرية عن المشهد هناك، ذلك أنها وحتى الساعة لم تخرج من دائرة التخلف الاقتصادي وشيوع وذيوع اللا استقرار السياسي ناهيك عن الأوبئة والمجاعات التي تعم كثيرا من دولها، رغم ما يتوافر لها من أموال أو مساحات شاسعة من الأراضي المليئة بالخيرات والثروات الطبيعية.

ولعل الناظر إلى المشهد الإفريقي اليوم يقطع بأن الحروب باتت أقرب إليها من السلام، بل ان جل المخاوف من حولنا يتمحور حول إفريقيا بوصفها مركزاً جاذباً للإرهاب لا طارد له، فقد كانت الانكسارات التي تعرض لها تنظيم داعش في سوريا والعراق وهزائم فلوله المتتالية في مصر، عطفاً على الحصار الأممي له في ليبيا، دافعا لأن يفكر قادته، بل والواقفون وراءه في فتح مسارب جديدة له في أفريقيا، الأمر الذي سيجلب ولا شك على العديد من دول القارة وبالاً عبر الدخول في حروب ولعل ما جرى للجنود الأمريكيين في النيجر مؤخراً خير دليل على ما نقول به.

في الخامس من أكتوبر الماضي أعلن عن مقتل أربعة جنود أمريكيين من نخبة القوات الخاصة «القبعات الخضراء في النيجر»، الأمر الذي رافقه جدل متصاعد حول حقيقة وجود قوات أمريكية في ذلك الجزء من الساحل الغربي لإفريقيا، ومهامها والمدة الزمنية التي ستقضيها هناك... ومن كان وراء قتل الجنود الأمريكيين هناك؟»

وزارة الدفاع الأمريكية رجحت فرضية وقوف مجموعة موالية لتنظيم «داعش» وراء الكمين، وينظر الخبراء العسكريون إلى هذا الهجوم الإرهابي بوصفه مؤشرا على الاستراتيجية المستقبلية لـ«داعش» والتنظيمات والفصائل المتشددة الأخرى، التي أعلنت مبايعة التنظيم، بعد سقوط عاصمته في «الرقة».... فهل يمكن أن يكون لهذا الحديث نصيب من الصحة؟

أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرا في شهر يوليو الماضي، عن حالة الإرهاب في أفريقيا العام 2016، يخلص إلى أن هناك بالفعل حاضنات إرهابية في عدد من دول القارة الأفريقية، يمكن أن تستقبل يتامى داعش . وفي المقدمة من تلك الحاضنات حركة «شباب المجاهدين» في الصومال، وجماعة «بوكو حرام» في نيجيريا، وهما في واقع الأمر أخطر جماعتين إرهابيتين في إفريقيا، ما يعني أن شرارة الإرهاب موجودة بالفعل، وربما مهيأة للانتشار بشكل أعمق في قلب القارة حيث هناك عوامل عديدة تشجع نمو وارتقاء «الإرهاب الإفريقي» عوضا عن «السلام الإفريقي».

في مقدمة تلك العوامل أن عديدا من دول القارة لم تصل بعد إلى فكر ومفهوم الدولة العصر الحديثة حتى وان تمتعت ببعض مظاهر الحداثة من بنى تحتية أو شبكات مواصلات واتصالات، إذ لا تزال البنية القبلية والعرقية مسيطرة سيطرة كاملة على مقدراتها الحياتية، ولهذا تكثر فيها الصراعات الأهلية، والحروب الطائفية، وهنا فان الجماعات الجهادية والتكفيرية تنظر إلى تلك المناخات الإفريقية بوصفها أفضل الأجواء التي يمكن أن تعيش فيها، فلا حكومات قوية بأجهزة استخبارات أو قوى أمنية رادعة وقادرة على ملاحقتها، وعليه فإنها توظف تلك الأجواء لتخدم مصالحها الإرهابية، ما اتفق البعض على تسميته بـ«الإرهاب الهجين»، حيث يتشابك العامل الديني مع العامل العرقي، والسياسي بالقبلي ويتخذ من الجريمة المنظمة مصدراً للتمويل.... هل لهذا سوف تتحول إفريقيا عما قريب إلى ساحة طاحنة للحروب والمعارك؟

في أعقاب عملية النيجر توقع عضو مجلس الشيوخ الأمريكي «ليندسي غراهام» انتقال الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش الإرهابي من الشرق الأوسط إلى إفريقيا، بعد سقوط معاقل التنظيم في سوريا والعراق.

جراهام وفي اجتماع في مبنى «الكابيتول هيل» مع وزير الدفاع الأمريكي «جيمس ماتيس» تناول ظروف كمين النيجر، قال: «إن العمليات العسكرية الأمريكية ضد مجموعات الإرهاب الدولي ستتصاعد في المناطق الإفريقية، والتي باتت معاقل لمجموعات موالية لتنظيم داعش»، وأضاف: «ان الحرب تتجه نحو إفريقيا، لقد بدأت بالتحرك، مع الضغط على أعدائنا في الشرق الأوسط فانهم ينتقلون إلى مناطق أخرى، ولن يتركوا المعركة». على أن السؤال هل أمريكا فقط هي التي تؤيد المواجهات المسلحة في القارة الإفريقية ؟

الجواب يأخذنا إلى رؤية تاريخية منطقية، ذلك انه لم تكن أفريقيا في الماضي ساحة نفوذ أمريكية بالمرة، بل كانت دائماً خلفية اوروبية، ولفرنسا فيها نصيب الأسد بنوع خاص.

مؤخراً أشارت صحيفة «لوكنار أونشينية» الى اضطرار الجيش الفرنسي للبقاء في منطقة الساحل الإفريقي لفترة طويلة، أطول مما كان يتصوره السياسيون، وأيضاً عودة الهجمات في المنطقة، بوتيرة متصاعدة.

في هذا السياق يمكن للمرء أن يتفهم تدشين دول إفريقية قوة جديدة متعددة الجنسيات في منطقة الساحل الإفريقي، قوة قال عنها الرئيس الفرنسي «ايمانويل ماكرون» إنها «ستعمل بكامل طاقتها بحلول الخريف».

ولعل فرنسا بنوع خاص مهمومة بمناطق بعينها في إفريقيا وفي مقدمتها «مالي» حيث سيطرت جماعات متشددة بعضها على صلة بتنظيم «القاعدة» على مناطق في شمال مالي عام 2012، مما أدى إلى تدخل عسكري بقيادة فرنسا وإخراج تلك الجماعات من المدن والبلدات الرئيسية بعد ذلك بعام ، لكن تلك الجماعات واصلت شن هجمات وأعمال عنف امتدت إلى دول مجاورة.

والشاهد أنه ليس سراً القول إن فرنسا بنوع خاص تقود عملية جمع الأموال اللازمة لدعم المبادرة والقوة الجديدة، وقد سأل ماكرون عددا من دول الخليج للمساهمة في توفير ما يزيد عن 100 مليون دولار لتشكيل القوة اللازمة لمكافحة الجماعات المتطرفة المنتشرة في المثلث الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

يطرح «مارك - أنطوان بيروز» مدير البحوث في معهد البحث من اجل التنمية» في فرنسا علامة استفهام حول دور القوات الغربية في إنقاذ إفريقيا من هذه الواقع الإرهابي المؤلم، ويأخذ من جماعة بوكو حرام مثالا على ذلك ... ويقول: ولدت ميليشيا بوكو حرام الإرهابية في منطقة «برونو» قرب بحيرة تشاد، منذ عدة سنوات، وهي اليوم في حالة صراع مع ائتلاف أو تحالف تكون في مطلع عام 2015، يضم قوات من نيجيريا وتشاد والكاميرون. وهكذا فان ثمة عديداً من الفاعلين الملتزمين في النزاع، هو شاهد نموذجي إلى حد بعيد، على عجز البلدان الغربية على سوس نظام العالم قيادته، وتسوية أزماته المعقدة، .... هل يقودنا هذا الحديث إلى فتح باب التفكير في أبعاد أخرى لما يجرى في أفريقيا أبعاد يرى المرء أنها تكاد أن ترتبط بذهنية المؤامرة بأكثر من أي شيء أخر؟

المقطوع به أنه عند التوقف أمام الجماعات المتطرفة والإرهابية ، وكافة الفصائل التكفيرية من زمن أسامة بن لادن وصولاً إلى أبو بكر البغدادي نجد أن هناك رابطاً بين مصالح الدول الغربية وبين الأدوار التي تقدمها هذه الجماعات خدمة لما يعرف بالقوى الإمبريالية حول العالم، وفي المقدمة منها الأقطاب الدولية القائمة منها كالولايات المتحدة الأمريكية على نحو خاص، والقادمة كما الحال مع الصين، القطب الذي يخطو بقوة جهة إفريقيا المضطربة، أو فرنسا التي تحاول تاريخياً العودة إلى مناطق نفوذها السابق... هل من أمثلة تؤكد ذلك ؟

الجواب يقودنا إلى جدلية البحث عن العلاقة بين النفط والإرهاب، إذ يلفت النظر أنه حيثما وجدت حقول نفط في أفريقيا، تكاثرت من حولها الخلايا الإرهابية وهذه بدورها تستجلب قوات أجنبية، فعلى سبيل المثال لم تعرف القوات المسلحة الأمريكية طريقها إلى القارة الإفريقية إلا عندما اكتشفت حقول بترول ضخمة في خليج غانا عام 1960، والذي لقب وقتها بالخليج الجديد لتمييزه عن الخليج العربي، وقتها ظهرت الولايات المتحدة الأمريكية كلاعب جديد في إفريقيا بعد فرنسا وبريطانيا اللتين تركز تواجدهما في القارة الإفريقية على اهتمامهما بالمعادن المشهور تواجدها في الدولة الإفريقية الغربية والجنوبية في القارة.

ولعل الكارثة الحقيقية هنا أن تكون القارة الإفريقية بشعوبها الفقراء والمتألمين هم من يدفعون ثمن تناحر الأقوياء، وتضاد الإرادات بين الأقطاب، لاسيما بين الأمريكيين والصين. ولعل الحديث عن الصين يحتاج إلى قراءة مفصلة ومطولة غير انه لا يمكن للمرء أن يمر على الأزمة الأخيرة في زيمبابوي هكذا مرور الكرام دون أن يربط بين القيادة العسكرية هناك وبين الصين، فقد جرى الانقلاب على موجابي فقط بعد عدة أيام من زيارة قائد أركان جيش زيمباوي «كونستانتينو ينغا» العاصمة الصينية بكين، وعلى جانب آخر هناك من يطلق الآن علاقة استفهام حول مستقبل نفط السودان وهل يكون من نصيب النسر الأمريكي أم التنين الصيني، فبكين وواشنطن تسارعان الخطى لتطوير النفط في السودان، ما يجعل كل الاحتمالات واردة؟.

هل من خلاصة للمشهد الإفريقي المضطرب؟

أغلب الظن أولاً ان الاضطراب مرتبط بحالة الضبابية العالمية التي يتوقع أن تستمر فترة غير قليلة، يمكن خلالها أن نرى حروبا عديدة تكلف الأفارقة فرصاً مهمة للتنمية والازدهار والسلام، ما يوقر لدينا إيمانا بأن التيارات الإرهابية هي أعلى أدوات الإمبريالية الدولية في الحال والاستقبال.