randa
randa
أعمدة

عطر :الأنثى لا الرجل

29 نوفمبر 2017
29 نوفمبر 2017

رندة صادق -

لا يمكن أن أضيف على إشكالية “ الأنثى والذكر”والتمايز بينهما، إلا تبسيطها والاستخفاف بها، نعم الاستخفاف بصراع لا معنى له، سوى هدر الطاقات، وتحويل الحياة اليومية الجميلة- حتى بآلامها- الى حلبات مصارعة مليئة بالعنف المجاني، العنف لا يعني دائما العنف الجسدي، بل العنف المعنوي الذي هو أشد قسوة لأنه يقوم على أسس من العنصرية والشعور بتفوق نوع على نوع آخر .

نحن لم نفهم أمورا كثيرة في حياتنا ولم ندرك جوهر معضلة “ أنثى وذكر” ولم نسبر أغوار المعنى الحقيقي لهما، ولم نرتق لنفهم صفات الأنوثة ومزايا الرجولة، فتم تسويق الفروقات بينهما، ليتحولا الى رأسيّ حربة في مجتمع يرغب في السلام من نواة وجوده في حياته الأسرية الضيقة، الى حياته الأوسع والأشمل في كينونته الإنسانية.

ومن المفارقات الغريبة، أن الصراع يأخذ شكلا دراميا الى حد ما، فصراع القوى يتجلى في معارك الطلاق التي تشهدها المحاكم الشرعية في مجتمع كالمجتمع اللبناني، حيث بالإمكان أن تتحكم قوة النفوذ والعلاقات في شكل الطلاق ونتائجه، وهذا ما يراه المتابعون لقضايا المرأة وعلاقتها الخلافية بالرجل في محاكم يعود القرار فيها غالبا الى مرونة القضاة أو تشددهم وأحيانا الى عنصريتهم.

من ناحية أخرى نجد على شبكات التواصل الاجتماعي، أن الصراع يأخذ شكلا هزليا، حيث تحول الى مباراة في استعراض أهمية كل منهما، فعلى سبيل المثال: الكون مذكر،الكينونة مؤنث، النور مذكر الشمس مؤنث، الكرم مذكر الكرامة مؤنث، الشعر ذكر المشاعر أنثى.. الخ وهذه كلها صفات متناقضة في الشكل متكاملة في المضمون، يبدو المشهد مركبا وكأننا نشاهد فرقتي زجل تسوق كل واحدة منهما مزاياها وتستعرض قوتها وأهميتها والنتيجة معركة عبثية لا أحد سينتصر بها.

الاختلاف في الصفات الجسمانية بين الرجل والمرأة، لا ترمز الى القوة والضعف، ولا الى الرقة والخشونة، ولا الى أي من المظاهر المتناقضة، بل ان المرأة تستمد من الرجل ما ينقصها وهو كذلك، إذا ليست العضلات هي المطلوبة في الحياة ولا مطاردة الطرائد في الغابة، المطلوب بكل بساطة أن تتمازج الرقة بالخشونة واللين بالشدة المعتدلة والعاطفة بالعقل. من جهة اخرى نجد أن المجتمع وزع بعض الصفات بين الأنثى والذكر وجعلها مسلمات، وهنا لا بد من الإيضاح ان المروءة والشهامة والاندفاع والشرف والنبل والكرم، لا يمكن تصنيفها كصفات للرجل فقط، بل بإمكان المرأة ان تتحلى بهذه الصفات، وأيضا اللين والطيبة والعاطفة ليست صفات أنثوية بحتة، بل بالإمكان ان يتحلى بها الرجل أيضا.

إذا لا توجد صفات للرجل وصفات للمرأة بل توجد صفات للإنسان،ان فهمنا لهذا يجعلنا ندرك أننا عنصران أساسيان متساويان في أهمية وجودنا، متكاملان لا متناقضان، منسجمان لا متنافران، لا يمكن ان نتبارى لنثبت تفاضلنا، ولكن يمكن أن نتناغم لنقوم بأدوارنا وفق قوانين ليست بشرية بل هي مبادئ سماوية، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم:” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”

الأساس في الاختلافات الفيزيولوجية والنفسية هو القدرة على التناسل، وتوزيع الأدوار في الحياة، لا هدر معنى وجودنا في حمل السيوف والطعن، ولعلنا هنا لا يمكن ان نغض النظر على ان المساواة ليست في الشكل أو في التفاصيل، بل في مجتمعات تسن قوانين عادلة تراعي خصوصية الإنسان لا الجندر، وترتقي لتحقق عدالة مرضية لأوسع شريحة من المجتمع، فمن المؤكد ان العدالة وجهة نظر في بعض الأحيان، وليست مبدأ يمكن ان يتبناه الجميع.

[email protected]