abdullah
abdullah
أعمدة

رمـاد :غموض

29 نوفمبر 2017
29 نوفمبر 2017

عبدالله بن محمد المعمري -

الظلام يبدده ضوء شمعة صغيرة، والطريق إن ضللته؛ يهديك إليه أثَر أحدهم قد عبره، والباب عند طرقه تعرف من يقف خلفه بعد فَتحه أو النظر عبر فُتحة فيه، لكن يبقى الإنسان غامضا لن تستدل على ما يضمره عنك إلا إن صاحبته في سفر طويل.

عمق الإنسان عالم دفين، قد يكون لك صحراء شاسعة تتيه فيها، وتتعب من المسير فيها، وإما أن يكون لك بستانا، يُمْتعك مرجه، ويغنيك ثمره، وتشم منه أزكى روائح الزهور، وتُسَرّ بالنظر فيه على الدوام.

قد تصادف من أفعال إنسان تعاشره دهرا ما لم تعلم عنه طوال عمرك معه، وقد يكشف لك موقفٌ لإنسان التقيته تَوًّا عن ما هو عليه وما سيكون عليه معك، إنها تناقضات الإنسان بين كيانه وكينونته، لا بمظهره ولا حتى بقوله.

إن الغموض عند الإنسان يشبه البحر، بموجه، بمده وجزره، بعمقه وضحالته، لا تعرف متى تغرق، ولا متى تسبح فيه بسلام، أجمل ما فيه قد يكون السكون، وأقبح ما فيه تلاطم أمواجه بلا رحمة، والغريب في كل هذا أنك قد تغرق فيه وتظل حيًا، لكن جسدا لا روحًا.

أما إن تعمقت في غموض الإنسان، تجده في عدد الأقنعة التي يرتديها، فلا تعلم مع أي وجه تحدثت بالأمس، وأنت ترى اليوم وجها آخر لذات الإنسان، فمع الزمان قد تتفاجأ بتساقط الأقنعة، لتكتشف هوية صاحب الوجه الحقيقي بلا أي قناع، ولربما تعيش تساقط الأقنعة مع استمرارية ارتدائها كلما سقط وجه اسْتُبدِل بآخر، وأنت تقف في ذهول غير منقطع.

يبقى الإنسان، مجموعة كيان، ممزوج بحلو اللسان في ظاهره، وبعميق التشكل بين الحين والآخر، لا تصل معه إلى قرار، إلا فاجأك بغيره، يكون اليوم معك، وغدا مع غيرك، وقد يعيش معك على الدوام قلبا وروحا وجسدا، وقد يعيش معك جسدا بلا قلب ولا روح، وقد تراه بحقيقة سريرته، وقد يتلون لك في كل يوم بلون بحسب ما يريد منك، في نهاية الأمر، لن تكتشف ماهية الإنسان في من حولك، ولربما يأتيك زمان، لا تكتشف فيه حتى أنت من تكون.

[email protected]