1178901
1178901
تقارير

روسيا وأوبك – تَوَافُق نفطي جديد؟

28 نوفمبر 2017
28 نوفمبر 2017

ادوارد شاو وآندرو ستانلي- مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية -

ترجمة قاسم مكي -

في نهاية أكتوبر 2017 ، حقق أخيرا اتفاق خفض الإنتاج بين أوبك ومنتجي النفط الآخرين هدفه المفترض برفع أسعار النفط إلى مستوى 60 دولارا للبرميل. هذا النجاح الظاهر في دفع السوق نحو استعادة التوازن تأسس إلى حد بعيد على التزام السعودية الذي فاق المطلوب بالتخفيضات المتفق عليها والتزام روسيا بها مؤخرا. هذا في حين تجاوز باقي أعضاء أوبك إجمالي حصة المنظمة فيما كانت هنالك مساهمات لا تذكر من جانب المنتجين من خارج أوبك. وعلى الرغم من أن السوابق التاريخية تشير إلى تفضيل روسيا الاستفادة المجانية (بلا مقابل) من خفض أوبك لحجم انتاجها إلا أن تطورات عديدة مؤخرا توحي بأن الروس ربما هم الآن أكثر التزاما بالتعاون مع السعوديين(أوبك). فأولا، خفضت روسيا في الحقيقة من انتاجها وأوفت بالتزاماتها. إذ بصرف النظر عن الصعوبات (التشغيلية) واعتراضات شركات النفط الروسية والشكوك القائمة منذ فترة طويلة حول التزام روسيا بالاتفاق، من المرجح جدا أن يتحقق الوفاء بالتخفيضات المقررة على روسيا في حال وافق الرئيس بوتين والكرملين على ذلك. فالدولة في روسيا تسيطر على أكثر من 50% من الإنتاج من خلال حيازة أسهم في شركة روزنيفت وعدة شركات أخرى. ويمكن القول إن لدى بوتين نفوذ أقوى في الوقت الحاضر قياسا بأي وقت مضى على قطاع النفط الروسي. ثانيا، كانت زيارة الملك سلمان إلى روسيا هي الأولى التي يقوم بها عاهل سعودي على الإطلاق. وفيما تواجه روسيا مجموعة من العقوبات الجديدة من الولايات المتحدة فوق العقوبات الأمريكية المشتركة مع الاتحاد الأوروبي عام 2014 يظهر أن موسكو تستكشف فرصا اقتصادية مع مجموعة بديلة من الشركاء خصوصا الصين والهند. لكن يبدو أن تلك المجموعة تتمدد إلى الشرق الأوسط لتشمل السعودية قياسا بالإعلان عن اتفاقيات استثمارية محتملة بقيمة 3 بلايين دولار عند زيارة العاهل السعودي. وتبدو علاقة التعاون الروسي-السعودي في مجال النفط مفيدة للطرفين. فالسعوديون في حاجة إلى شريك كبير منتج للنفط للتأثير بفعالية على السوق. وبالنسبة لروسيا فإمكانية لعبها دور جيو- سياسي واقتصادي محتمل في الشرق الأوسط يجعل وفاءها بخفض الإنتاج مسعى ذرائعيا (نفعيا) من جانبها. ومع اقتراب موعد انعقاد اجتماع أوبك العادي الثالث والسبعين بعد المائة (الـ173) في نهاية الشهر الحالي (سينعقد يوم 30 نوفمبر الجاري في فينا- المترجم) يبدو الوقت ملائما الآن للنظر في بعض الشكوك والدوافع والنتائج الضمنية بشأن مشاركة روسيا في خفض إنتاج النفط العالمي وكذلك الجانب المتصل بالنفط في علاقتها المتطورة مع السعودية (التي تقود أوبك).

اتفاق أوبك والمنتجين من غير أوبك - المطلوب مزيد من التحرك

في ديسمبر 2016 ، اتفقت أوبك مع مجموعة من البلدان المنتجة للنفط من غير أعضائها وقررت خفضا لإنتاج النفط بحوالي 1.8 مليون برميل في اليوم وذلك في محاولة منها لإعادة توازن سوق النفط العالمية. شكل هذا الاتفاق تحولا واضحا في التكتيكات من جانب كل من السعودية وروسيا اللتين تقودان المجموعتين. فقد تخلت السعودية عن خطتها الأصلية بزيادة حصتها في السوق واتجهت إلى التقليل من أثر إنتاج النفط الأمريكي على الأسعار. ومن جانبها وافقت ورسيا على الانضمام إلى جهود خفض الإنتاج على الرغم من أنها قبل سنتين من ذلك شككت علنا في أهمية دور أوبك في عصر النفط الصخري. وفي حين لم يذكر الاتفاق بوضوح رقما محددا للسعر المستهدف في وقت إعلانه (بخلاف تقليص الإنتاج بحوالي 1.8 مليون برميل في اليوم) إلا أن الأمين العام لأوبك محمد باركيندو قدم بعض التوضيحات بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في ديسمبر 2016 حين ذكر أنهم يعتمدون رقما غير رسمي هو 60 دولارا كمحفز داخل المجموعة من أجل ضمان التزام أعضائها بتقييد الإنتاج. كما قُدِّمَت توضيحات إضافية في مايو 2017 عند تمديد سريان الاتفاق لفترة 9 أشهر أخرى حين ذكر وزير النفط السعودي خالد الفالح أن الهدف المقصود هو خفض مخزونات النفط العالمية إلى متوسط حجمها خلال فترة خمسة أعوام. والتزمت روسيا بأن تكون طرفا في الاتفاق من خلال تقليص 300 ألف برميل في اليوم من انتاجها النفطي على أساس ممرحل. تشكل هذه الكمية، عند معدل إنتاج يصل تقريبا إلى 11 مليون برميل في اليوم تقريبا، أقل من 3% من إجمالي الإنتاج الروسي من النفط. وحسب وكالة الطاقة الدولية، أوفت روسيا تماما بالتزامها في أغسطس وخفضت الانتاج بـ 318 ألف برميل يوميا في سبتمبر. لكن يجدر القول إن روسيا ( الى جانب معظم المشاركين الآخرين في الاتفاق) كانت قد رفعت من وتيرة الإنتاج إلى مستويات تاريخية في الشهور السابقة للاتفاق. وبناء على ذلك فان روسيا في الحقيقة تجاوزت حجم إنتاجها في عام 2016 بحوالي 160 ألف برميل في الأشهر الستة الأولى لعام 2017. وعلى الرغم من أن كميات إنتاجها الشهري تقلصت إلى أدنى من مستويات عام 2016 لأول مرة في سبتمبر 2017 على أساس سنوي إلا أن روسيا لم تفقد أية حصة سوقية رغم استفادتها من المنافع الاقتصادية لارتفاع الأسعار ومن الميزات السياسية لمشاركتها في اتفاق أوبك الذي ضم منتجي النفط من خارجها. وتشير البيانات الحالية لوكالة الطاقة الدولية إلى أن تخفيضات الإنتاج تنجح في تقليل مخزونات النفط العالمية. لكن حتى إذا استمر الوفاء بحجم الخفض المقرر إلى نهاية سريان الاتفاق في مارس 2018 ستظل المخزونات العالمية فوق مستوى متوسط الخمسة أعوام. وحيث إن أطراف الاتفاق (22 منتج نفطي) تنتج تراكميا ما يفوق التزامها بخفض الإنتاج في سبتمبر لا تزال هنالك شكوك حول استمرار الاتفاق أو نجاحه في ضبط السوق تماما في نهاية المطاف. وإذ قلنا ما قلنا يبدو أن السعودية وروسيا عازمتان أكثر من السابق على إنجاح الاتفاق مع زيارة الملك سلمان مؤخرا لموسكو وإعلانه ان البلدين سيواصلان العمل على استقرار سوق النفط.

انتعاش أنشطة الحفر في روسيا وصعوبة الالتزام بالخفض

المساهمة في خفض الانتاج “طواعية” بالنسبة للمنتجين الروس. وقد وافقت 12 شركة كبرى تسيطر على 90% من إنتاج روسيا على خفض مستويات إنتاجها وفقا لحصصها في إجمالي إنتاج النفط في روسيا. وفعلت الشركات الروسية ذلك أساسا بخفض أنشطة حفر آبار النفط بدلا عن وقف ضخ النفط منها وإغلاقها. وكان التقليل من وتيرة الحفر في الحقول الأكثر نضوبا والتي يشهد إنتاجها تدهورا طبيعيا هو بالتحديد الأداة الرئيسية للوفاء بخفض الإنتاج حتى الآن . لهذا السبب تشكل البيانات الأخيرة لحجم أنشطة الحفر مؤشرا مثيرا حول الكيفية التي تدير بها الشركات الروسية تدفقات النفط في النصف الأخير من العام. وتشير آخر البيانات إلى استئناف نشاط حفر آبار النفط. فشركة روزنيفت التي تساهم بما يقرب من 100 ألف برميل في اليوم من الكمية التي تخفضها روسيا من إجمالي إنتاجها صعَّدت في الحقيقة من أنشطة الحفر الإنتاجي. وفي آخر تنوير للمستثمرين أعلنت روزنيفت، وهي أكبر شركة منتجة للنفط في روسيا، أن إنفاقها الرأسمالي خلال النصف الأول من العام الحالي ارتفع بنسبة 32% محسوبا بالروبل. وفي الربع الثاني من العام نفسه زاد نشاطها في مجال حفر الآبار بنسبة 33% على أساس سنوي. نتائج هذا الانتعاش في أنشطة الحفر تحققت في سبتمبر بزيادات في الإنتاج من شركتي روزنيفت وغازبرونيفت والمنتجين الآخرين. وهي زيادات وازنتها فقط أعمال الصيانة في حقل سخالين واحد. يزيد هذا الإنتاج من حالة عدم اليقين بشأن وفاء روسيا بالمستوى المستهدف من إنتاجها في باقي هذا العام وما بعده بالنظر الى الصعوبات الفنية المرتبطة بفرضِ خفضٍ في الإنتاج في أثناء شهور الشتاء الى جانب حقيقة أن الإنتاج الروسي عادة ما يزداد نحو نهاية العام. لقد ذكرت شركات روسية عديدة أنها لا يمكنها خفض إنتاجها دون المخاطرة بتدمير الآبار نهائيا بسبب تدني درجات الحرارة في سيبيريا. ومع اقتراب الشتاء سينكشف المستوى الحقيقي لالتزام الشركات الروسية بالاتفاق. هذا صحيح، خصوصا أن شركات مثل روزنيفت مثقلة بالديون وباعت سلفا كميات كبيرة من إنتاجها المستقبلي.

الأداء السابــق لروســيا

- سجـل غير واعد

علينا أن نضيف الى هذه الشكوك سِجِلَّ روسيا فيما يتعلق بالاتفاقيات السابقة مع أوبك. فمنذ عام 1998 شاركت روسيا في ثلاث اتفاقيات خاصة بأوبك وفي كل مناسبة فشلت في التقيد بالتزاماتها أو مقترحاتها. ففي مارس عام 1999 وعقب انهيار أسعار النفط الذي بدأ في أواخر 1998 أعلنت أوبك الى جانب المكسيك والنرويج وسلطنة عمان وروسيا التزاما بخفض الإنتاج بحوالي 2.1 مليون برميل في اليوم . ووعدت روسيا بخفض 100 ألف برميل في اليوم من حصة الخفض التي التزمت بها الدول المنتجة من خارج أوبك وقتها والتي بلغت 388 ألف برميل في اليوم من إجمالي إنتاجها. لكن هذا الوعد لم يتحقق أبدا. بل في الحقيقة ارتفع إنتاج روسيا طوال عام 1999 وزادت صادراتها بأكثر من 400 ألف برميل في اليوم. أما الاتفاق الثاني الذي كانت روسيا طرفا فيه فقد جاء بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتراجع الاقتصادي العالمي الذي تلي تلك الأحداث حين هبطت أسعار النفط بما يقرب من 40%. فقد اجتمعت أوبك واتفقت على خفض 1.5 مليون برميل في اليوم من إنتاجها. كما عرضت مجموعة من المنتجين من غير أعضاء أوبك تقليص إجمالي إنتاجها بحوالي نصف مليون برميل بما في ذلك خفض 150 ألف برميل في اليوم من روسيا. وفرضت الحكومة الروسية قيودا على تدفقات النفط عبر منظومة خط الأنابيب (ترانسنيفت) . لكن مرة أخرى زاد الإنتاج واستغنى المصدرون عن خط عن ترانسنيفت بترحيل صادراتهم بوسائل النقل الأخرى مثل السكة الحديد والبواخر والشاحنات. وفي الحقيقة اتضح عدم التزام روسيا بذلك الاتفاق بعد حدوثه فعلا بسبب ضعف البيانات المتعلقة بتدفقات النفط في ذلك الوقت. وأخيرا وفي عام 2008 عقب الانكماش الاقتصادي العالمي حين هبطت الأسعار بحوالي ثلاثة أضعاف، التزمت أوبك بالتدخل في السوق. وفي حين لم تلتزم روسيا على نحو جَلِيٍّ بالاتفاق لكنها ذكرت أنها ستقلص إنتاجها بحوالي 100 ألف برميل في اليوم. وتحدث ايجور سيشن، نائب رئيس الوزراء وقتها والرئيس التنفيذي الحالي لشركة روزنيفت، عن إيجاد احتياطي نفطي قومي لخفض نفط التصدير. لكن الحكومة الروسية، بدلا عن ذلك، خفضت ضريبة استخراج المعادن ورسوم الصادرات مما حفز على المزيد من الصادرات. وكنتيجة لذلك زاد حجم الصادر بما يقرب من 700 ألف برميل في اليوم. وفي كل من هذه الحالات الثلاث أوفت روسيا بما يقل كثيرا عما وعدت به أوبك.

ليست أسعار النفط فقط

وفيما وراء الأسباب الاقتصادية هنالك أيضا عدة عناصر جيوسياسية أوسع نطاقا قد تفسر تعزيز التعاون الروسي مع أوبك. فمن جانب روسيا يحاول الكرملين فرض نفوذه في الشرق الأوسط بما يتجاوز شراكاته الحالية ويتخطى الانقسامات القائمة في المنطقة. يشهد على هذه المحاولة تدخل روسيا في الحرب الأهلية في ليبيا والاتفاقيات الاستثمارية مع حكومة كردستان الاقليمية في العراق وتحسُّن العلاقات مع بلدان الخليج العربية وإسرائيل والأطراف الأخرى في فلسطين. كما يوجد مكوِّن هام على وجه الخصوص لتدخل روسيا في الشرق الأوسط ينبغي أن يوضع في الاعتبار. إنه الصراع الدائر في سوريا والذي يقترب الآن، كما يبدو، من نهايته. فحكومة بشار الأسد نجحت بدعم من روسيا في سحق التمرد المسلح الذي تسانده الولايات المتحدة وبريطانيا. ويرجح أن مثابرة بوتين في استخدام القوة وتراخي التدخل الغربي أدخلا قوى عديدة في المنطقة في حيرة حول كيفية موازنة العلاقة مع روسيا والولايات المتحدة. ومن جانب موسكو ربما أن عرض القوة هذا تعزز بوقف انتقاداتها داخل الأمم المتحدة لما يحدث في اليمن واتخاذها موقفا محايدا إزاء المواقف داخل مجلس التعاون. وفي حين أن موسكو ظلت منذ فترة طويلة تقبل بالسعر السائد في سوق النفط العالمية وتتخذ موقفا “يخدم مصلحتها الذاتية” في الاتفاقيات السابقة مع أوبك إلا أنها كانت متعاونة في ظل الاتفاق الحالي.

وماذا بعد؟

وبعد أن قلنا ما قلنا، فإن روسيا لم تكن في حاجة إلى التضحية بحصة سوقية كي تتقيد بما عليها من التزام. لذلك سيأتي الاختبار الحقيقي لموقفها في الشهور القادمة حين تعزز المستويات المرتفعة لأسعار النفط من الدافع إلى الغش. هذا الى جانب الصعوبات الفنية المرتبطة بتطبيق تخفيضات الإنتاج في الشتاء. الى ذلك تشير بيانات السوق إلى أنه حتى إذا تم تطبيق الاتفاق بالكامل في حال انتهاء سريانه بنهاية مارس 2018 لن ينجح في خفض مخزونات النفط إلى أقل من متوسط حجمها في فترة الخمس سنوات. لكي ينجح الاتفاق يجب أن يتحول إلى التزام طويل الأجل بإدارة السوق (ضبط الأسعار من خلال التحكم في العرض). وفي حين يُرَجَّح أن توافق روسيا على تمديده حتى نهاية عام 2018 لكن من غير الواضح حتى الآن إذا ما كانت لدى روسيا الهِمَّة المطلوبة للوفاء بما يفرضه عليها الاتفاق طوال فترة سريانه.

■ ادوارد شاو زميل أول ببرنامج الطاقة والأمن القومي بالمركز في واشنطن وآندرو ستانلي باحث مشارك بالبرنامج.