الملف السياسي

تكامل مسؤولية القطاعين

27 نوفمبر 2017
27 نوفمبر 2017

د.محمد رياض حمزة -

منذ أنطلاقة النهضة العمانية المباركة وحكومة السلطنة تغدق بسخاء على القطاع الخاص وساندته بالتشريعات المُيَسِرة لتأسيس منشآته وشركاته وتوسيعها، ولبت ما طلب من القوى العاملة الوافدة على مدى عقود من عمر النهضة المباركة. ويمكن القول: إن القطاع الخاص العماني من صنع حكومة السلطنة. بل إن صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- يؤكد على دعم القطاع الخاص العماني ومساندته. ففي خطاب جلالته أمام مجلس عمان في 11/‏‏12/‏‏2012 قال جلالته «القطاع الخاص هو أحد الركائز الأساسية في التنمية سواء بمفهومها الاقتصادي الذي يتمثل في تطوير التجارة والصناعة والزراعة والسياحة والمال والاقتصاد بشكل عام أو بمفهومها الاجتماعي الذي يتجلى في تنمية الموارد البشرية وتدريبها وتأهيلها وصقل مهاراتها العلمية والعملية وإيجاد فرص عمل متجددة وتقديم حوافز تشجع على الالتحاق بالعمل في هذا القطاع، ومن غير المقبول أن يكون هناك أنطباع لدى بعض المواطنين بأن القطاع الخاص يعتمد على ما تقدمه الدولة وأنه لا يسهم بدور فاعل في خدمة المجتمع ودعم مؤسساته وبرامجه الاجتماعية، وأنه لا يهدف إلا إلى الربح فقط ولا يحاول أن يرقى إلى مستوى من العمل الجاد يخدم به مجتمعه وبيئته ووطنه. فالدولة بأجهزتها المدنية والأمنية والعسكرية ليس بمقدورها أن تظل المصدر الرئيسي للتشغيل. فتلك طاقة لا تملكها ومهمة لن تقوى على الاستمرار فيها إلى ما لا نهاية، وعلى المواطنين أن يدركوا أن القطاع الخاص هو المجال الحقيقي للتوظيف على المدى البعيد».

من هذا المنطلق الذي حدده جلالته يمكن فهم المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية لشركات ومنشآت القطاع الخاص التي جاءت بمختلف المسميات كمسؤولية الشركات الاجتماعية، ومواطنة الشركات، والعمل المسؤول، أو أداء المؤسسات الاجتماعية. وإن كل تلك المسميات تعني «جملة الخدمات التي تقدمها شركات القطاع الخاص لمجتمعاتها التي تنشط فيها وفق المعايير الأخلاقية». ومن الناحية التطبيقية فإن المسؤولية الاجتماعية للشركات تعد بمثابة واجب ذاتي تلتزم به الشركات لضمان التزامها بالقانون والمعايير الأخلاقية لخدمة المجتمع. فرجال الأعمال والشركات العائلية والمنشآت في القطاع الخاص كافة من واجبها نحو المجتمع أن تساهم في تقديم خدمات مكملة لما تقدمه الحكومة من خدمات عن طريق الحد من أي تأثير سلبي لأنشطتها على البيئة والمستهلكين والعاملين، والمجتمعات المحلية وأصحاب المصلحة وجميع الأعضاء الآخرين في المجال العام. يضاف إلى ذلك فإن الأعمال تكون تطوعية واستباقية في تعزيز المصلحة العامة. وذلك عن طريق تشجيع نمو وتطور المجتمع، والقضاء على الممارسات التي تضر في المجال العام. وتعد المسؤولية الاجتماعية للشركات أساسا لأنشطتها التي توجه لخدمة المجتمع. إذ إن إهمال تلك المسؤولية قد يعود على ذات الشركات بالضرر. علما أن الشركات الكبرى في الدول المتقدمة تفرد دوائر خاصة تعمل على التواصل بين المؤسسات الحكومية وممثليها «الغرف التجارية»؛ للتنسيق في تقديم الخدمات الاجتماعية. وإن إدارات الشركات تعتبر المسؤولية الاجتماعية أحد أهم المعايير الأخلاقية والوطنية.

واليوم فإن من بين أولويات حكومة السلطنة توفير فرص العمل للقوى العاملة الوطنية. إذ إن تحدي وجود أعداد متزايدة من الباحثين عن عمل يضعف تنمية الاقتصاد الوطني؛ لذا يتعين على منشآت القطاع الخاص العمل على توفير فرص عمل للقوى العاملة الوطنية ووضع خطط مدروسة وبرامج مستقبلية للعمل على توفير فرص العمل من خلال التوسع في المشاريع القائمة وإقامة المشاريع الجديدة وتفعيل الاتفاقيات التجارية مع الدول التي ترتبط بها مع السلطنة، وذلك يمكن أن يساهم بتنشيط الاقتصاد الوطني، ويوجد فرص عمل جديدة. وتعتبر إتاحة المجال للقوى العاملة الوطنية لأخذ دورها في سوق العمل من واجبات القطاع الخاص من خلال رفع نسب التعمين والإحلال في مؤسساته وشركاته بما يتيح المجال لتوفير المزيد من فرص العمل للمواطنين على نحو يؤدي إلى تحسين المعيشة ومصدر للرزق للباحثين عن عمل

ويتعين على القطاع الخاص أن يكون المعني بتفعيل خطط التعمين والمبادرة والعمل على تقليص الاعتماد على القوى العاملة الوافدة في تلك المهن والوظائف التي يمكن أن يشغلها المواطنون العمانيون الباحثون عن عمل وفق برامج تدريب جادة، فبقدر ما ينفّذ من خطط التعمين والإحلال فإن الاعتماد على القوى العاملة الوافدة لابد أن يتقلص عند تنفيذ آلية تتضمن:

ـــــــ أن الأولوية في التشغيل يجب أن تكون للقوى العاملة الوطنية، وأن ذلك يسير ويتحقق من خلال التنسيق مع وزارة القوى العاملة.

ـــــــ إنصاف المواطن الموظف أو العامل بالأجر المكافئ سيعزز ولاءهم للمنشأة ويرفع الإنتاجية. ويمكن المنشأة من المساهمة في الاعتماد على القوى العاملة الوطنية ويقلص استقدام القوى العاملة الوافدة.

ــــــ التطبيق الدقيق لقانون العمل العماني عند الحاجة لاستقدام قوى عاملة وافدة. وأن تكون الحاجة فعلية بعد استنفاد إمكانية وجوده بديلا عن القوى العاملة الوطنية للمهن أو الوظائف المطلوبة خبرة وعددا.

ـــــــ توفير بيئة عمل سليمة تسودها علاقات عمل إنسانية، بما في ذلك توفير شروط الصحة والسلامة المهنية.

ـــــــ الاهتمام باستقرار القوى العاملة الوطنية في عملها بمنشآت القطاع الخاص. ومعالجة مسببات دوران العمل.

ــــــ الاهتمام بتدريب القوى العاملة الوطنية وترقيتها للوظائف القيادية. إذ يوجد ما يتجاوز 38 ألفا من القوى العاملة الوافدة في هذه الوظائف يقابلهم ألفان من القوى العاملة الوطنية في منشآت القطاع الخاص.

وتأكد أن شركات القطاع الخاص الأكثر اهتماما بالمسؤولية الاجتماعية والدخول بشراكة حقيقية مع الحكومة في العمل الجاد على توسيع خدماتها للعاملين فيها وللمجتمع هي الشركات التي تنال ثقة المجتمع فيقوى وجودها وتكون الأكثر نجاحا.