الملف السياسي

دور حيوي يحتاج مزيدا من الاقتناع والجهد والتنظيم!!

27 نوفمبر 2017
27 نوفمبر 2017

د.عبد الحميد الموافي -

ليس من المبالغة في شيء القول بأن القطاع الخاص العماني، بمؤسساته وشركاته ومشروعاته، الضخمة والكبيرة والمتوسطة، العديدة والمتنوعة، اصبح على امتداد السنوات الماضية، شريكا بالغ الأهمية في جهود التنمية الوطنية، ليس فقط من منظور أن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – أكد دوما، ومنذ بداية مسيرة النهضة العمانية الحديثة على أهمية دور القطاع الخاص العماني في التنمية الوطنية، وأن حكومة جلالته قدمت الكثير من التيسيرات وأشكال الدعم المباشر وغير المباشر للقطاع الخاص العماني لينمو ويترعرع وينطلق كشريك فاعل في جهود التنمية والبناء، ولكن أيضا من منظور أن مساحة إسهام القطاع الخاص العماني في تلك الجهود تتزايد باطراد، وانه ليس هناك الآن قطاع من القطاعات مغلق أمام استثمارات القطاع الخاص، فكل القطاعات مفتوحة أمامه، وفق القانون والضوابط المحددة لذلك، بما فيها من تسهيلات متعددة، بل ان خطة التنمية الخمسية التاسعة ( 2016 – 2020 ) عولت على إسهام القطاع الخاص بأكثر من أربعين في المائة من حجم الاستثمارات المقررة في الخطة، وهي بالتأكيد نسبة كبيرة وستتزايد في الخطط الخمسية القادمة، في إطار استراتيجية ( عمان 2040 ) والبرنامج الوطني لدعم التنويع الاقتصادي « تنفيذ «، والقطاعات ذات الأولوية في هذا المجال.

وبالنظر إلى أن السلطنة تأخذ بمبدأ السوق المفتوح، والاقتصاد الحر، وذلك في الوقت الذي تقوم فيه الدولة بدور كبير ومؤثر ومتواصل، سواء على صعيد الإنفاق العام في كل قطاعات الاقتصاد الوطني؛ بحكم الظروف العمانية على امتداد السنوات الماضية، أو على صعيد الرعاية الاجتماعية لمختلف شرائح المجتمع، وفي المقدمة منها الشرائح الأضعف فإنه ليس غريبا ولا مصادفة أن تتزايد أهمية الدور الذي تقوم به مؤسسات وشركات القطاع الخاص، ليس فقط حيال المجتمع المحلي الذي تعمل فيه هذه المؤسسات والشركات، أينما كانت على امتداد الأرض العمانية، ولكن أيضا حيال المجتمع وجهود التنمية الوطنية ككل، وحيال الأولويات التي تحددها الدولة، والأهداف الوطنية التي تسعى إلى تحقيقها بالطبع، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتنمويا بالمفهوم الواسع، خاصة أن شركات ومؤسسات القطاع الخاص هي جزء لا يتجزأ من المجتمع، ولا تنفصل عنه ولا عن اهتماماته وتطلعاته، دوما وفي كل المجالات، فقد انتهت مرحلة أنفصال الشركات والمؤسسات عن الوسط أو المجتمع المحلي الذي تعمل فيه، وذلك منذ عقود عديدة في الغرب، ومنذ سنوات في منطقتنا العربية، ومن هنا أخذ الحديث يتزايد وترتفع نبرته في السنوات الأخيرة حول المسؤولية الاجتماعية للشركات، وحول دور الشركات في الإسهام الطوعي في هذا الجانب أو ذاك من الخدمات التي تقدم خدمة للمجتمع المحلي المحيط بها، أو حتى لقطاع، أو لشريحة اجتماعية، أو لمشروع ما، وبما يتوافق مع ما تقوم به الدولة، وبتنسيق معها أيضا. غير أن هذا الحديث عن المسؤولية الاجتماعية للشركات لا يزال لأسباب عديدة يختلط بمفاهيم العطاء والتبرع والبعد الشخصي، وأحيانا البحث عن مساحة أو خبر إعلامي، في حين أنه استقر في الغرب وفي دول عديدة في العالم في إطار مؤسسي ومنظم، ومكمل أيضا للجهود الحكومية وجهود المجتمع المدني بمؤسساته المختلفة؛ لتحقيق ما يعود بالفائدة على المجتمع ومواطنيه، وبشكل متجرد من شحنة المشاعر أو العواطف العربية المحيطة بمفاهيم العطاء والمساعدة والتبرع وغيرها، وهو ما يسهم بالتأكيد في نجاح مثل تلك الجهود في تحقيق الهدف منها، وفي هذا الإطار فلعله من الأهمية بمكان الإشارة باختصار شديد إلى بعض الجوانب، ولعل من أهمها ما يلي:

* أولا: أن الفكر الاقتصادي في الغرب تطور بشكل كبير وملموس خلال القرن الماضي، وعلى نحو ذابت معه ليس فقط الحدود والفواصل الأيديولوجية بين الفكر الماركسي واقتصاد السوق، ولكن أيضا زاد دور الدولة الاجتماعي، حتى في المجتمعات الليبرالية، وفي حين انهار المعسكر الشرقي، وتخلت الدول الشيوعية عن الاقتصاد الاشتراكي وسيطرة الدولة على كل شيء تقريبا فإن الاقتصادات الغربية القائمة على مؤسسات وشركات القطاع الخاص ازداد اهتمامها بالجوانب الاجتماعية، عبر مؤسسات منظمة، مثل مؤسسة بيل جيتس، ومؤسسة كارانيجي وغيرها، كما اكتشفت مؤسسات وشركات القطاع الخاص أن تحقيق أهدافها في الربح وزيادة عائداتها، يتطلب بالضرورة العناية بالعاملين فيها ورعايتهم، وليس استنزافهم بأساليب الاستغلال البالية، كما أن العلاقة القوية والطيبة بين الشركة وبين المحيط الاجتماعي الذي تعمل فيه ينعكس إيجابيا عليها بالضرورة بأشكال متعددة، وعلى ذلك فإن مفهوم المسؤولية الاجتماعية لشركات ولمؤسسات القطاع الخاص نضج وترسخ واتسع نطاقه، وتعددت أشكاله في المجتمعات الغربية، بحكم تطورها الاقتصادي والثقافي، وهو ما نحتاج إليه في مجتمعاتنا العربية التي يتعاظم فيها دور القطاع الخاص، وتتعاظم فيها أيضا الحاجة إلى درجة أعلى من الترابط والتكافل الاجتماعي، وليس على أساس تفضل من جانب القطاع الخاص، ولكن على أساس إدراك القطاع الخاص أن ما يقوم به لخدمة المجتمع هو مسؤولية وواجب عليه القيام به، بل إنه في الحقيقة مصلحة له من المفيد أن يقوم بها بشكل جيد وعن اقتناع حقيقي، ومما يبعث على السرور أن التفكير على هذا النحو يتسع في الواقع برغم أنه لا يزال هناك من يري أن إنفاقه في هذا المجال هو نوع من الخسارة، أو أنه إنفاق محدود العائد، أو أنه مضطر إليه؛ حتى لا يظهر أن شركته أو مؤسسته لا تساهم في هذا المجال، أو أنها الأقل مساهمة بين أقرانها، وهذه كلها أفكار خاطئة وغير صحيحة، وتعكس قدرا من الأنانية والجشع وعدم القدرة على الشعور بالآخرين أو تلمس حالاتهم. غير أن عدد هؤلاء يتقلص بالضرورة لأسباب كثيرة.

* ثانيا: أنه من المؤكد أن المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات بما في ذلك المؤسسات والشركات الحكومية لا تقتصر ولا تنحصر في تقديم بعض الإعانات، أو المساعدات لبعض المراكز الخدمية، أو لبعض مؤسسات المجتمع المدني؛ لالتقاط الصور وكتابة الأخبار في وسائل الإعلام، ولكن الأمر يمتد إلى الرعاية الاجتماعية للعاملين في تلك المؤسسات وللمجتمع المحلي المحيط بها أيضا، وإذا كان القانون قانون العمل يحدد حقوق ومزايا العاملين في المؤسسات المختلفة وشروطها، فان الأمر لا يتوقف عند مجرد الالتزام بالقانون وتطبيقه، ولكنه يتجاوز ذلك بمبادرات وجهود من جانب الشركة، أو المؤسسة لإيحاد وتنمية الارتباط والولاء الوظيفي بها، أي ارتباط العاملين بالشركة وزيادة ولائهم لها، من خلال إشعارهم دوما بحرص المؤسسة أو الشركة عليهم وعلى مصالحهم، وأنهم جزء من مجتمع الشركة، ومن هنا فإن ما عمدت إليه بعض الشركات من استقطاب أعداد من الباحثين عن عمل في المجتمع المحلي القريب منها، أو المحيط بها، والقيام بتأهيلهم وتدريبهم للعمل بها، هو أمر بالغ الأهمية ومفيد بالتأكيد لكل من الشركة والمجتمع المحلي، كما أن ذلك لا يتعارض مع قيام الشركة بالعمل على تطوير المجتمع المحلي المحيط بها، من حيث العناية بالأحياء المحيطة بالشركة بمستوى الخدمات فيها وتطويرها واستكمالها عند الضرورة، ودعم منظمات المجتمع المدني، وإيجاد علاقة طيبة مع محيطها، وهو ما يشكل أيضا تدعيما لنشاط الشركة ذاته. وإذا كانت هناك شركات تواجه معارضة أحيانا من المجتمع المحلي المحيط بها، بسبب نوعية منتجاتها، أو الآثار الجانبية لعمليات التشغيل، والتي تصل أحيانا إلى حد المطالبة بإغلاق الشركة، أو نقلها إلى مناطق أخرى، فإن عناية الشركة بالحفاظ على البيئة، وبرعاية المجتمع المحلي المحيط بها، يمكن أن يقلل من حجم تلك المعارضة، خاصة إذا اقترنت بخطوات جادة من الشركة لتخفيف الآثار السلبية على السكان المحيطين بها، وعلى ذلك يتضح البعد المزدوج أو الفائدة المزدوجة للمسؤولية الاجتماعية للشركات حيال المجتمعات المحيطة بها، فالفائدة تسير في الواقع في الاتجاهين، لأن الشركة تستفيد أيضا من ذلك ؟

* ثالثا: أنه من غير المبالغة القول إن معنى المسؤولية الاجتماعية، ينتقل بشكل متزايد من مستوى الشركات والمؤسسات حيال مجتمعاتها المحلية، إلى مستوى الدول حيال بعضها البعض، وخاصة مسؤولية الدول المتقدمة أو الأكثر نموا حيال الدول الأكثر فقرا في العالم، فبرامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وبرامجها للقضاء على الفقر والحد منه، وحثها للدول المتقدمة على تقديم نسب من ناتجها القومي كمعونات للدول الفقيرة والنامية، والعمل على الأخذ بيدها، هي في جوهرها تعبير عن المسؤولية الاجتماعية بين الدول، وعلى سبيل المثال المعونات التي تقدمها الدول المتقدمة أو الغنية للدول الأكثر احتياجا، وما تقدمه لمواجهة مشكلات محددة مثل مشكلة اللاجئين مثلا، أو دعم برامج التنمية في دول مختلفة، أو الإسهام في التغلب على مشكلات اقتصادية ببعضها، كمشكلة الديون اليونانية على سبيل المثال، فهي كلها ذات صلة بالمسؤولية الاجتماعية بين الدول وبعضها البعض. صحيح أن هناك من الدول من تسعى أو تحاول استغلال، أو استثمار ما تقدمه من مساعدات لتحقيق أغراض سياسية، أو ممارسة ضغوط على دول أخرى في ظروف محددة، أو حتى التباهي بما تقدمه، ولكن هذه نماذج لا يؤخذ بها لأنها غير سوية بشكل أو بآخر من ناحية، ولأن تقديم المساعدات والمعونات بين الدول لا يخدم الدول المتلقية فقط ولكنه يخدم أيضا الدول التي تقدم تلك المساعدات، فضلا عن أنه يعود بالفائدة على مجتمع الدول ككل وعلى الحياة الإنسانية، ومن هنا فإنه من الأهمية بمكان العمل على كل المستويات لزيادة الوعي بأهمية وضرورة المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات وحتى للدول ليكون هناك اقتناع وإيمان أكثر بأهميتها وضرورتها من ناحية، ومن أجل بذل مزيد من الجهود لزيادتها وتوسيع نطاقها من ناحية ثانية، ولتنظيمها بشكل مؤسسي لتكون أكثر استمرارية وفق قواعد محددة وثابتة ومتواصلة يتم الالتزام بها، وحتى لا تكون مزاجية أو شخصانية أو مؤقتة أو مرهونة بتغيرات في قيادات الشركات أو مسؤوليها تحت أية ظروف، خاصة أن الأكبر يعود بالفائدة أيضا على الشركة المانحة أو الدولة المانحة، وليس على الجهات المتلقية وحدها.