hamda
hamda
أعمدة

عقلي العزيز اهدأ مرة أخرى

26 نوفمبر 2017
26 نوفمبر 2017

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

في أعقاب مقال «عقلي العزيز اهدأ» الذي نشر على هذه الصفحة منذ أسابيع وصلتني كثير من الرسائل، يحمل بعضها استغرابا من اعترافي بالحديث مع نفسي، وحمل بعضها استغاثة من علو الصوت الداخلي، الذي يوشك أن يوصله للجنون، لذا قررت عوضا عن الرد على رسائلكم أن ألخص الردود هنا ليتسنى للجميع الاطلاع عليها، وأولها بأن الحديث مع الذات فطرة إنسانية، جميعنا وبدون استثناء نتحدث إلى أنفسنا طوال اليوم، وتشير الدراسات بأن الشخص العادي يتحدث إلى نفسه بمعدل ستين ألف مرة خلال اليوم الواحد، طبعا يختلف عدد هذه المرات من شخص إلى آخر، البعض يتحدث بصمت والآخر يتحدث بصوت عال، وكلاهما طبيعي للغاية، غير الطبيعي أن يخرج الأمر عن السيطرة ويتحول إلى مطرقة قاسية تهوي على الروح بقسوة مؤنبة ومعنفة وملومة، فذات الدراسات تشير إلى أن 80% مما نقوله لأنفسنا للأسف الشديد سلبي للغاية.

ما نقوله يشكل شخصياتنا، ويحدد مصائرنا، سلبا أو إيجابا، خاصة إذا صدقناه، وهو ما يحدث للكثيرين منا للأسف الشديد، ينصاعون لا إراديا لذلك الصوت السلبي الذي يرتفع عاليا، أمام أي فرصة قادمة، وأي تحد في الطريق، محبطا ومثبطا ومثيرا للمخاوف، مؤديا للتراجع عن الأحلام والأهداف والطموحات، وهذا هو السبب الرئيسي في بقاء الكثيرين اسفل سلم النجاح طوال حياتهم، لأنهم أقنعوا أنفسهم بأنهم لا يستحقون الأفضل، ولا يستطيعون أن يحققوا أكثر مما حققوا.

يحدث أن يمن الله سبحانه وتعالى على البعض منا بمن يهمس في أذنه بكلمات إيجابية تعمل كالشرارة التي تنير شعلة الطموح، بالنسبة لي كانت تلك الشرارة هي عبارة قالتها أمينة المكتبة في مدرسة جميلة بوحريد الثانوية للبنات في ولاية البريمي في ثمانينات القرن المنصرم، وهي تراني خلافا لقريناتي أقضي الفسحة في ردهات المكتبة، وأتجول في الساحة ومحتضنة كتابا، أمسكت بيدي يوما أثناء خروجي من المكتبة قائلة: سيكون لك يوما ما شأن عظيم في هذا البلد عزيزتي.

قيلت تلك الكلمة بحنان عجيب، ويبدوا أن أرضية قلبي كانت ممهدة وجاهزة لاستقبالها، فصدقت بأنني فتاة استثنائية، وتنتظرني حياة استثنائية، وظلت تلك الكلمة إلى يومنا هذا تمنحني الدافع للمضي قدما، وتجاوز كل عقبة في طريقي.

وعلى الرغم من أنني سمعت كلمة نقيضها يوما من إحدى مدرساتي، التي شاء القدر أن تكون المدرسة الوحيدة خلال مسيرتي الدراسية التي كان لها رأي مخالف عني، إلا أن كلمتها تلك كانت شعلة أخرى في طريق مسيرتي خلال العقود الماضية، فقد عزمت أن أثبت لها بأنها مخطئة في حكمها علي، وأنني كما قالت الأستاذة أمينة جزاها الله عني كل خير: مقدر لي أن يكون لي شأن عظيم، عملت كثيرا وما زلت من أجل رؤية ذلك الشأن العظيم الذي وعدتني به.

فسواء كان الصوت هو صوتك أنت أم صوت آخر قررت أن تصدقه، سيكون له تأثير عليك فقط، لو اخترت أن تصدقه، لذا لا بأس أن تتحدث إلى نفسك لكن كن واعيا لما تقول لها، لأن ما تقوله لنفسك عن نفسك سيصبح هو دستور حياتك.