أفكار وآراء

الورقة الكردية تخيم على العلاقات الروسية - التركية

25 نوفمبر 2017
25 نوفمبر 2017

د. فالح حسن الحمراني/ كاتب من العراق يقيم في موسكو -

[email protected] -

قال الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي طيب رجب اردوغان عقب المحادثات التي اجرياها بتاريخ 13 نوفمبر في منتجع سوتشي الروسي الواقع على البحر الأسود : ان الحوار الذي اجرياه كان مثمرا وان العلاقات الثنائية انتعشت في مجملها، بعد ان تعكرت اجواؤها عقب اسقاط الطيران التركي مقاتلة روسيا قال انها دخلت الأجواء التركية من جانب سوريا.

بيد ان المراقبين يرصدون جملة من العراقيل في مقدمتها القضية الكردية ودور الرئيس الأسد في العملية السياسية السورية ما زالت تعكر اجواء علاقات موسكو وأنقرة.

وتناولت مباحثات بوتين/‏‏‏ اردوغان طائفة واسعة من القضايا شملت القضية الكردية في سوريا وآفاق مشروع خط انابيب « التيار التركي» للغاز الطبيعي ومشروع بناء محطة للطاقة النووية وبيع روسيا لتركيا صواريخ مضادة للأهداف الجوية من نوع أس 400 الذي تراجعت انقرة عن استيراده بسبب اعتراض حلف الناتو عليه، فضلا عن توريد المنتجات الزراعية والتجارية والتعاون الاقتصادي ككل.

وأفاد الرئيس بوتين خلال المؤتمر الصحفي بأنه ابلغ نظيره التركي اردوغان عن انه والرئيس الأمريكي دونالد ترامب صادقا، خلال قمة اسيا /‏‏‏ المحيط الهادي في فيتنام، على بيان مشترك « عكس مقاربات البلدين الرئيسية للوضع السوري». ويشار الى انه ووفقا للوثيقة التي وافق عليها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف والأمريكي ريكس تيلرسون، اكد بوتين وترامب على ان موسكو وواشنطن ستواصلان جهودهما المشتركة لمكافحة الجماعات الإرهابية المشخصة بداعش - حتى الحاق الهزيمة الكاملة بها. واتفق الطرفان ايضا على ان ليس ثمة حل عسكري للأزمة السورية. علما ان الأوساط التركية استقبلت البيان الروسي/‏‏‏ الامريكي بشأن سوريا بامتعاض شديد، وكتبت وسائل الإعلام إن « الاتفاق بين بوتين وترامب احبط كافة الخطط التركية في سوريا».

بدوره قال ديمتري بيسكوف السكرتير الصحفي لبوتين: ان المحادثات التركية /‏‏‏ الروسية في سوتشي بشأن القضايا الامنية جرت في اطار ضيق ومهني من اعضاء الوفد بمشاركة وزيري دفاعي البلدين، ورئيس هيئة الأركان الى الجانب التركي، والممثل الخاص للوضع السوري لافرينتوف ووزيري خارجية البلدين. وحسب تقديرات بيسكوف ان المباحثات كانت معقدة، ولا يمكن الكشف عن تفاصيلها. وهذا أمر طبيعي نظرا لأن القضايا الرئيسية في الأزمة السورية بلغت مرحلة مهمة من المفاوضات، حيث يدور الكلام عن تقرير مصير سوريا. وأشار رئيس تركيا بدوره إلى أن إنشاء مناطق لتخفيف حدة التصعيد قد أسهم أيضا في تسوية الأزمة السورية. وأضاف أن هناك الآن أسبابا لتحقيق السلام السياسي في المنطقة.»

واللافت انه وعشية زيارته لمنتجع سوتشي وقبل عدة ساعات من مباحث اردوغان مع بوتين نشرت صحيفة «حريات» التركية على صفحتها الاولى مقالة قالت فيها : ان الرئيس التركي اعرب عن سخطه على كل من روسيا وأمريكا ودعا الى سحب قواتهما. من سوريا. وأضاف : اذا لم يكن هناك حل عسكري فعليهم سحب قواتهم. العالم ليس غبيا. وقد قتلت الحكومة المركزية حوالي مليون شخص. وليس لدى تركيا قوات هناك. اسحبوا قواتكم من هناك وابحثوا عن حل سياسي. منوها بأن للولايات المتحدة هناك 5 قواعد جوية في شمال سوريا. وهناك منشـأة أخرى يجري بناؤها في الرقة. ولديهم أيضا 8 قواعد عسكرية، وهو ما يعني ان لها 13 قاعدة. ولدى روسيا 5 قواعد في سوريا. فماذا عن هذه الحقائق؟ ،كما اعلن اردوغان.

وكتبت وسائل الإعلام التركية: «ذهب أردوغان إلى روسيا بمزاج حاد». ولكن المعلقين لاحظوا «أنه وبعد ما يقرب من 6 ساعات من إعلان رئيس جمهورية تركيا ذلك وبعد لقاء مع نظيره الروسي، كان اردوغان قادرا على رؤية البيئة المناسبة للتوصل إلى حل سياسي للقضية.»

دعونا نلاحظ أن لدى تركيا الأسباب الكافية التي تدعوها للاستياء من الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة. أولا، ان الاتفاق يؤكد دور الرئيس بشار الأسد في مصير سوريا. وثانيا، إنه يدعو جميع أطراف الأزمة السورية إلى المشاركة بنشاط في عملية جنيف، والذي ينطوي على مشاركة الجماعات الكردية السورية تحت راية حزب الاتحاد الديمقراطي (PDS)، التي تعتبره أنقرة الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK) المحظور في تركيا. وقال محلل السياسة الخارجية التركية سيركان دميرتاز أن الاتفاق الروسي/‏‏‏ الأمريكي يطرح مشاكل خطيرة بالنسبة لتركيا: «روسيا، وكذلك الولايات المتحدة تعتبر الأكراد السوريين كمكون قوي لمستقبل سوريا. وأرجأت روسيا، ولكنها لم تلغ المؤتمر الوطني السوري في سوتشي، حيث سيتم تمثيل جميع المجموعات العرقية السورية لمناقشة مستقبل سوريا. وكانت القيادة السورية بدورها وعدت مؤخرا بالحكم الذاتي المحدود للأكراد السوريين ». وأضاف «ان تركيا دفعت نفسها بنفسها الى فخ لا تستطيع الخروج منه، ومن ثم يتعين عليها اتخاذ العديد من الخطوات». « زيارة اردوغان إلى روسيا والكويت وقطر قبل عدة ايام تعتبر حيوية لهذا البلد، لأن حماية الاستقرار في المنطقة، ضمانة لأمن تركيا» .

ان القرار السياسي الاستثنائي للأزمة السورية يعني أن السلطات التركية سوف تضطر إلى الموافقة على قبول حكومة الأسد كمشارك في مفاوضات جنيف وأستانا. والحل السياسي ينطوي على خيارات مختلفة. وفي الوقت الراهن، فإن الوثيقة الوحيدة المقبولة دوليا لحل النزاع هي القرار 2254 الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي في أواخر عام 2015. وتشدد الوثيقة على ضرورة احترام استقلال وسيادة ووحدة أراضي سوريا ، وعن القلق من ان الوضع في البلاد سيزداد سوءا إذا لم يتيسر وضع قرار سياسي. ويتطرق القرار أيضا إلى أهمية التنفيذ الكامل لبيان جنيف لعام 2012 بشأن سوريا. ووفقا للخطة، يجب أن تتشكل في سوريا عملية انتقال السلطة، والتي سوف تمثل جميع فئات المجتمع وتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات حرة في سوريا.

ومن الواضح أن المفاوضات في جنيف وأستانا تعني مشاركة ممثلي الأكراد، وليس من قبيل الصدفة أنه بعد الاجتماع مع رئيس روسيا نشرت القناة التلفزيونية التركية الرئيسية TRT مادة تحت عنوان صاخب «تركيا تستعيد العلاقات مع روسيا».

وجددت وزارة الخارجية التركية موقفها حيال بيان السكرتير الصحفي للرئيس الروسي عن صعوبات المفاوضات حول جملة أمور، وجاء في البيان : «إن البلدين لديهما مقاربات مختلفة للوضع في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا. وهناك أيضا خلافات حول بعض القضايا المتعلقة بالحالة في سوريا، لكن لا تزال كل من أنقرة وموسكو تبذلان جهودا لتأمين هدنة في سوريا. والاختلافات ليست عائقا في هذا الصدد.

وتؤكد التصريحات الرسمية حول الخلافات القائمة الرأي القائل بأنه خلال المحادثات في سوتشي، لم تتمكن الأطراف من التوصل إلى اتفاق بشأن عدد من الموضوعات الرئيسية في هذه المرحلة.

وفي الوقت الحالي هناك ثلاث قضايا رئيسية، حيث يختلف جذريا نهج روسيا وتركيا :-

ـ بعد إنشاء منطقة التصعيد في إدلب، تسعى تركيا للسيطرة على عفرين، وبالتالي منع الممر الكردي. ومع ذلك، فإن روسيا تريد أن ترى تركيا كمراقب في إدلب وفقا لقرار مشترك في أستانا.-

ـ مشاركة الممثلين الأكراد في المفاوضات حول الأزمة السورية، التي قطعتها تركيا حتى الآن.

ـ مصير الرئيس بشار الأسد.

ويكتب خبير السياسة الخارجية لتركيا والقوقاز والشرق الأوسط فهيم تشتيكين في مقالته ما يلي: «أنقرة تشعر بالقلق إزاء رفض روسيا الموافقة على طلب الجانب التركي بشأن القضية الكردية، على الرغم من التعاون الوثيق في اجتماعات أستانا». وأضاف ان «الاتصالات الروسية-الكردية قد تم التعبير عنها بوضوح عندما لم تعط روسيا الضوء الاخضر لعملية عسكرية تركية في عفرين».. وفي الحقيقة ان روسيا لم تتخذ ابدا موقفا سلبيا تجاه الأكراد، ووافقت دائما على مطالبهم بالاعتراف بحقوقهم القانونية وستواصل القيام بذلك. الى ذلك فإن روسيا تبذل جهودا لضمان مشاركة الاكراد في جميع مراحل عملية التفاوض بما في ذلك في جنيف واستانا. كما ان روسيا تصر على مشاركة الكرد في عملية التوصل إلى حل سياسي. ومن المقرر مشاركة ممثلي الأكراد والأرمن والشيشان والتركمان في مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي تدعو له روسيا في سوتشي .

الى جانب ذلك رصد المراقبون السياسيون في تركيا وجود تغير في الموقف التركي بشأن مستقبل سوريا بقيادة الرئيس بشار الأسد. وضمن هذا السياق يعتقد رئيس تحرير صحيفة «حريت دايلي» مراد ييتكين: ان العديد من مفردات خطاب أردوغان قبل مغادرته سوتشي تشير إلى موافقة تركيا لحد ما في هذا الشأن. وانتقد اردوغان واشنطن لعدم الوفاء بوعودها.«لم يتم اخلاء منبج، وقد استولى عليها ارهابيون من قوات الدفاع الذاتى الشعبية. ولكن الإدارة المركزية وروسيا ونحن (تركيا) نراقب هذا عن كثب». ويذكر ان مصطلح «الإدارة المركزية» يعني بخطاب اردوغان حكومة الاسد .وعلى الرغم من أنه لا توجد اتصالات مباشرة بين أنقرة ودمشق - على الأقل بصورة علنية ، فمن الممكن أن تكون ثمة اتصالات بطريقة أو بأخرى من خلال موسكو.