أفكار وآراء

أوراق أمريكية رابحة في اللعبة مع الصين

24 نوفمبر 2017
24 نوفمبر 2017

جوزيف ناي- الفاينانشال تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

بعد احتفالية المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي انعقد أواخر الشهر الماضي (أكتوبر) نادى بعض المراقبين بالرئيس الصيني شي جينبينج «إمبراطورا جديدا.» ومن جانبه وصف الرئيس شي الصين بالبلد «العظيم والقوي» وأعلن افتخاره بمبادرة الحزام والطريق التي أطلقها لتعزيز النفوذ الصيني الاقتصادي والسياسي حول العالم. لقد كانت الولايات المتحدة فيما مضى أكبر بلد تجاري في العالم وأكبر مقرض ثنائي له. أما اليوم فما يقرب من 100 دولة تعتبر الصين أكبر شركائها التجاريين مقارنة بحوالي 57 دولة لديها مثل هذه العلاقة مع الولايات المتحدة. تخطط الصين لإقراض أكثر من تريليون دولار لمشروعات البنية الأساسية خلال العقد القادم في حين تقلص الولايات المتحدة من برامج مساعداتها ومساهماتها في البنك الدولي. السؤال: هل صحيح ما يقوله مثيرو المخاوف بأن الصين هي الفائزة في «لعبة البوكر» الجيوسياسية مع الولايات المتحدة التي تشهد تدهورا في نفوذها؟ تخيلوا زائرا جاء من المريخ واطلع على الأوراق التي يحملها كلا اللاعبين (على طاولة اللعب). سيكون زائرنا المريخي هذا حكيما إذا راهن، خلافا للاعتقاد السائد، على فوز الولايات المتحدة باللعبة. فهي تحمل (في يدها) 4 ورقات رابحة (aces) يرجح أن تظل باقية معها إلى ما بعد نهاية عهد إدارة ترامب. تتمثل إحدى هذه الورقات في الجغرافيا. فالولايات المتحدة محاطة بمحيطات وجيران سيظلون في الغالب على علاقة صداقة معها على الرغم من سياسة ترامب الخاطئة بتقويض اتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة (النافتا). أما الصين فلديها حدود مشتركة مع 14 بلدا ونزاعات إقليمية (حول أراض) مع الهند واليابان وفيتنام. هذا الوضع الجغرافي يضع حدودا على قوتها الناعمة.

أما الورقة الرابحة الثانية فهي الطاقة. قبل 10 سنوات مضت بدا أن الولايات المتحدة لا مهرب لها من الاعتماد على الطاقة المستوردة. أما الآن فقد حولتها ثورة النفط والغاز الصخريين من بلد مستورد للطاقة إلى مصدر لها. وحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية قد تكون أمريكا الشمالية مكتفية ذاتيا من موارد الطاقة في العقد القادم. وفي الوقت ذاته تتجه الصين إلى المزيد من الاعتماد على واردات الطاقة من الشرق الأوسط. ويتم نقل جزء كبير من النفط الذي تستورده عبر بحر الصين الجنوبي حيث تحتفظ الولايات المتحدة بوجود بحري كبير هناك. نقطة الضعف هذه تضع أمام الصين ثلاثة خيارات أولها تجنب النزاع البحري مع الولايات المتحدة. وهو نزاع من شأنه قطع خطوط إمدادها بالنفط. ثاني هذه الخيارات زيادة اعتمادها على خطوط أنابيب الغاز الطبيعي القادمة من روسيا. وثالثها خفض اعتمادها على الوقود الأحفوري بالتحول إلى الموارد المتجددة وحظر استخدام سيارات محرك الاحتراق الداخلي. تستثمر الصين الآن في الخيارين الأول والثاني لكن القضاء على نقطة الضعف المذكورة يحتاج إلى عقود. الورقة الثالثة الرابحة هي التجارة. فالمستويات المرتفعة من الاعتماد المتبادل يشجع على التحلي بالحذر في علاقة «التدمير الاقتصادي المتبادل المؤكد» بين الولايات المتحدة والصين. فمن شأن اندلاع حرب تجارية مثل تلك التي تهدد بها إدارة ترامب إلحاق دمار وبيل بكلا البلدين. ولكن إذا غاب التعقل (في إدارة العلاقة بين البلدين) فالصين هي الأكثر اعتمادا في هذه العلاقة ولديها الكثير الذي تخسره مقارنة بالولايات المتحدة. فمثلا تقدر «مؤسسة راند» أن حربا غير نووية بين البلدين في المحيط الهادي ستكلف الولايات المتحدة 5% من ناتجها المحلي الإجمالي ولكنها ستكلف الصين حوالى 25%. وأخيرا ، يمثل «دولار» الولايات المتحدة الورقة الرابحة التي يمكن أن تستخدمها عند الحاجة. فعملة الرينمينبي (اليوان) الصينية تشكل 1.1% من جملة احتياطيات النقد الأجنبي التي تحتفظ بها حكومات العالم مقارنة بحوالي 64% مقومة بالدولار. قبل عام مضى كانت الصين قد أعلنت في زهو مدفوع بمشاعر وطنية طاغية أن الرينمينبي صار خامس عملة يستخدمها صندوق النقد الدولي لحساب حقوق السحب الخاصة. واعتبر العديدون ذلك مؤشرا على أن عملة الصين شرعت في تخطي الدولار. لكن في الحقيقة انخفضت حصة الرينمينبي في المدفوعات الدولية من نسبة 2.8% في عام 2015 إلى 1.9% اليوم. فعملة الاحتياط التي تتسم بالصدقية تعتمد على أسواق رؤوس أموال عميقة وحكومة أمينة وحكم القانون وكل هذا تفتقر إليه الصين. بالطبع يمكن للاعب طائش أن يستخدم أوراقا رابحة في اللعبة بطريقة خاطئة. لكن هذه الورقات الأربعة ستظل على الأرجح باقية «في يد الولايات المتحدة» إلى ما بعد إدارة ترامب. أما أولئك الذين يعلنون حلول عهد السلام الصيني (الهيمنة الصينية) ونهاية الحقبة الأمريكية فعليهم أن يضعوا مثل هذه العوامل الحقيقة لكن الضمنية في حسابهم.

* الكاتب أستاذ بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب «هل انتهت الحقبة الأمريكية»