1171660
1171660
إشراقات

السيابي: الندوة قدمت خلاصة ما تضمنه كتاب السير من أفكار نيرة تدعو للتقارب والتسامح

24 نوفمبر 2017
24 نوفمبر 2017

الندوة الدولية الرابعة بتونس تستقرئ النصوص والأحداث التاريخية لأئمة وعلماء عمان -

كتب:سالم بن حمدان الحسيني -

نظمت جمعية «جربة التواصل» بالجمهورية التونسية مؤخرا ندوة دولية حول كتاب «السير والجوابات لأئمة وعلماء عمان».. وطرحت أوراقها البحثية عدة تصورات لسير وأفكار أئمة وأعلام عمان الذين ورد ذكرهم في هذا الكتاب وفندت مجموعة من النصوص المتناثرة الخاصة بهم، كما تطرقت إلى أهم القضايا المثارة في عهدهم مع قراءة تحليلية للسير الواردة في الكتاب وقد خرجت الندوة برؤى واستخلاص بعض النتائج، كما خرجت بعدة توصيات من شأنها أن تستخلص بعض النتائج والمقارنات. وقد التقت (عمان) على هامش الندوة بعدد من المنظمين والمشاركين والباحثين حول ما طرحته هذه الندوة من أفكار وما استخلصته من نتائج.

تحدث في البداية سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي الأمين العام بمكتب الإفتاء قائلا: إن كتاب السير والجوابات الذي ناقشته الندوة هذا العام هو لمجموعة من علماء وأئمة عمان، وهذا الكتاب في أصله اختصار لكتاب مجموع سير علمائنا والذي جمع على فترات مختلفة وآخر جمع له كان في القرن التاسع الهجري وهو عبارة عن رسائل والرسالة هنا يعبر عنها بسيرة، ولكن ليست كل رسالة هي سيرة، وهذه الرسائل المجموعة في غالبها تعالج قضايا عقدية وتعالج مسائل فقهية وتعالج أفكارا سياسية ولكنها في ضوء تأصيل تاريخي، وهذا التأصيل التاريخي الذي أسقط على هذه القضايا العقدية والمسائل الفقهية والأفكار السياسية هو الذي جعل من هذه الرسائل يعبر عنها بالسير.. مشيرا الى أن أصل السير هو ما يتعلق بمجرى تاريخي، ولكن لكون هذه الرسائل عولجت وأسقط عليها التأصيل التاريخي عرفت بأنها سير فأصبحت الرسالة سيرة. ولا شك أن هذا المؤتمر قدم للأمة خلاصة ما تضمنه كتاب السير المشرقية من أفكار نيرة ومن أفكار تدعو للتقارب والتسامح مع الآخر.

فكر السير

من جانبه أوضح الأستاذ الدكتور فرحات بن علي الجعبيري رئيس الندوة العلمية أن هذا الكتاب هو مجموعة من المؤلفات، مجموعة من السير، مجموعة من الرسائل كتبها أصحابها في أحوال مختلفة وفي أماكن مختلفة وأثناء معالجتهم للقضايا المطروحة يذكرون أسماء العلماء ويذكرون الأحداث مما يتعلق بالسير ولذلك وضعنا محاور الندوة تتعلق بالسير فقط وارتأينا في الافتتاحية بان لا تعالج القضايا في هذه الندوة القضايا العقيدة والقضايا السياسية وإنما نأخذ فقط الجانب التاريخي وما يسمى في العلم الحديث بتاريخ الأفكار، مشيرا الى أن مؤسس فكر السير هو الشيخ أبو سفيان محبوب ابن الرحيل رحمة الله عليه، وهو أول من ألّف في هذا الفن وكل من كتب بعده هو عالة عليه فبدايات الدرجيني وبدايات سير الشماخي إنما هي مقتبسة من كتاب أبي سفيان محبوب ابن الرحيل.

وأضاف: إن كان هذا المؤلف لأبي سفيان لم يصلنا لذلك سوف نكلف فريقا من طلبتنا يبحثون عن أقوال أبي سفيان المبثوثة في جميع كتبنا وفي تصوري سوف نجد مجلدا أو مجلدين أو ربما اكثر ويمتاز هذا بانه قدم لنا صورة كاملة عن أحوال علمائنا وهذا كله رواه أبو سفيان وتناقلته النصوص قبل أن يغيب عنا كتابه وان هذه السير لعلمائنا قد كتب فيها قبلنا الشيخ عمرو النامي رحمة الله عليه في أطروحته.

وقال: أنا أدعو من هذا المنبر وعبر جريدة عمان أن تتكون لجان من الباحثين وان نتقاسم العمل وان نحقق هذه السير سيرة سيرة لأن في أصلها هي منفصلة عن بعضها وبهذه الطريقة يمكن أن نجمع دراسة تأليفية عن جميع الأخبار الواردة والقضايا في هذا النص الغني الثري المملوء بالمعلومات التي تحتاج الى الاكتشاف.. مشيرا الى أن هذا الكتاب وفر لنا نصا تأصيليا في جميع قضايا الفكر الإباضي وفي جميع سيره، وان شاء الله ستكون الندوة التالية في المرحلة التأسيسية في بلاد المغرب ليتكامل التأسيس بالنسبة لفن السير، أما الفنون الأخرى فستعالج في ميادين أخرى بإذن الله.

ثقافة التسامح

أما أ. زهرة سليمان أوشن ماجستير دراسات إسلامية - من أكاديمية الدراسات العليا طرابلس فتقول: قدمت بحثا في هذه الندوة عن ثقافة التسامح وقبول المخالف في ضوء كتاب السير والجوابات التي تناولته الندوة هذا العام أوضحت فيه حاجة المسلمين اليوم الى التسامح.. وأشارت في حديثها لـ(عمان) الى أن التسامح يؤدي الى الاعتراف بالآخر، والحق سبحانه وتعالى خلق هذا الكون المتنوع، ليثبت لنا حاجة الكون الى ذلك، مشيرة الى أن الكون بأسره يقوم على التنوع، والقرآن الكريم يؤكد ذلك المعنى، فالحق سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، ويؤكد أيضا على هذا التنوع والاختلاف في الكون والاختلاف بين البشر.

وأضافت: علينا أن نفهم لغة التسامح وبأننا متساوون في الخلقة فلا يجوز أن يعتدي إنسان على إنسان أو يتسلط عليه أو يكرهه على ما لا يريد.. (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).. فهو مطالب بان يدعوه وان يوضح له الطريق وله أن يختار، وعليه ان يعامله كبشر، مصداقا لقوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).

وأشارت أوشن الى أن في ثقافتنا الإسلامية نقطة مهمة وهي أن الدين فيه ثوابت، وقد أجمعت عليها الأمة فهناك ثوابت العقيدة وثوابت الأخلاق والقيم، والثوابت التشريعية وهناك ما هو محرم كلحم الخنزير والخمر.. الى آخره، هذه أمور أجمعت عليها الأمة بنص الكتاب والسنة والنصوص القطعية الدلالة والقطعية الثبوت، وهناك المتغيرات التي هي اختلاف في الفتاوى لاختلاف الزمان والمكان التي لا تمس الثوابت وهذه الاختلافات لا ينبغي أن تؤدي الى المواجهة، لأن الاختلاف في المتغيرات أو الاختلاف في تأويل بعض النصوص تتسع فيها لغة التأويل، وهذا المناخ بحد ذاته يدل على مرونة هذا الدين.. مشيرة الى أن المشكلة تكمن في التعصب الذي يقع فيه بلدان المسلمين فيرفض البعض قبول البعض الآخر، وهذا وقع على مر التاريخ ويجب ألا ننكره، ويجب ألا ننكر أيضا أن السلطات السياسية في كثير من العصور تدخلت بشكل أو بآخر، لتناصر رأيا فكريا لتثبيت أركان الحكم فيها، فالمسألة هنا سياسية أو مصالحية أو أرادوا التسلط على فئة معينة لأنها ترفض الاستبداد التي تمارسه تلك السلطات السياسية وجرت على هذا تلك التقلبات التاريخية.

وأضافت: أما اليوم فنحن أبناء الحاضر علينا أن ننظر الى أمم الأرض جميعا، فهذه الأمم الأوروبية بينهم من الخلافات ما بينهم ففي فترة من الفترات حدثت خلافات بين طوائف الأرثوذكس ثم بعد ذلك البروتستانت والكاثوليك دخلوا في حروب خطيرة جدا فقتل بعضهم بعضا وقد بلغ قتلاهم بالملايين لكنهم لما رأوا انهم لابد من أن يتعايشوا نجدهم يتعاونون فيما بينهم رغم ما بينهم من اختلافات فكرية، مؤكدة أن ديننا الإسلامي يجمع ولا يفرق والقرآن الكريم ينادينا لنتوحد ونتآلف ونجتمع على كلمة واحدة وندعو الآخر الى الخير بأسلوب راق يرتضيه الله سبحانه وتعالى القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) والشنآن هنا بمعنى العداوة، فكأنما الله سبحانه وتعالى هنا يوجه لنا رسالة مفادها أن تعاملنا الإيجابي يكون بإقامة العدل، وهذه الرسالة يجب أن نفهمها جيدا.

وأضافت: علينا أن نثبت للعالم أن الإسلام يوحدنا وذلك لا يحتاج الى تنظير وإنما يحتاج الى وعي، وهذه الأمة ما إن توحدت ونسيت خلافاتنا كان النصر والتمكين لها، وأنا أرى في الساحة من يفرق باسم الدين حيث يتعرض الى الجزئيات المختلف فيها من العقيدة والتي أشبعت بحثا ودراسة كالفروق في الأسماء والصفات وغيرها يحاول أن يظهرها اليوم، بل يضخمها وذلك ناتج اغلب الأحيان عن جهل أو عن حاجة في نفسه فبعض أولئك الجهلة لم يأخذ العلم بتراتبية وبعلمية وإنما يسمع كلمة من هنا وهناك أو يسمع لبعض المتعصبين في الدين فتتكون لديه صورة مشوهة فيلوث بها للأسف المحيط من حوله.. مشيرة الى أن العلماء يقولون: كلما كان الإنسان اكثر علما كان اكثر قدرة على العذر وكان اكثر قدرة على فهم الاختلاف واكثر قدرة على التماس الأعذار.

وقالت: أتمنى أن تكون هناك حركة وعي يقودها علماء الأمة ومصلحوها، مبدية إعجابها بالسياسة المتبعة في السلطنة والتي تضرب أروع الأمثلة في التسامح والتعايش بين فئات المجتمع وبين مختلف المدارس الفكرية وهو نموذج حضاري مميز، مؤكدة أن الوعي هذا يصنعه الإعلام، الذي عليه أن يؤدي رسالته السامية التي لا تؤدي الى الفرقة والشحناء بين طوائف الأمة الذي كان نتيجته القتل والتشرد والدمار وعلينا أن نربي أبناءنا على التسامح وعلى الحوار، وعلينا أن ننشئ أبناءنا على التسامح والحوار وحب الآخر حتى ينشأ الابن في هذا الجو الحواري الذي نحن اليوم في حاجة ماسة إليه.