أفكار وآراء

بعد فشل مباحثات الائتلاف الحكومي.. ألمانيا أمام مفترق طرق

22 نوفمبر 2017
22 نوفمبر 2017

عبدالعزيز محمود -

بعد أن وصلت مباحثات تشكيل حكومة ائتلافية في ألمانيا إلى طريق مسدود، يبدو أن ألمانيا التي تمثل الاقتصاد الأكبر في أوروبا تواجه أزمة سياسية غير مسبوقة، منذ الحرب العالمية الثانية، قد تنتهي بخيارات صعبة ومعقدة، من بينها إجراء انتخابات جديدة.

فمباحثات تشكيل الائتلاف، التي استغرقت أربعة أسابيع، انتهت بانسحاب مفاجئ للحزب الديمقراطي الحر (اف دي بي)، بسبب خلافات حادة حول قضية الهجرة وحماية البيئة مع تكتل المحافظين وحزب الخضر.

وكان واضحًا منذ بداية المباحثات في 24 أكتوبر الماضي أنها لن تكون سهلةً، فالخلافات بين الأحزاب الأربعة (الديمقراطي المسيحي والاجتماعي المسيحي والديمقراطي الحر والخضر)كبيرة، لكن حتى 19 نوفمبر الجاري، كان هناك أمل في التوصل إلى تسوية ما.

لكن هذا الأمل ضاع، بانسحاب الديمقراطي الحر، شريك كتلة ميركل في الحكم بين عامي 2009 و2013، والذي عاد للبرلمان الاتحادي بعد غياب دام أربع سنوات، فيما بدا أنه رهان من جانب الحزب الديمقراطي الحر على إجراء انتخابات جديدة، لا تشارك فيها ميركل، أو على الأقل إجبارها على تشكيل حكومة أقلية لا تضم الخضر.

ويبدو هذا الموقف متسقًا إلى حد كبير مع جنوح الديمقراطي الحر مؤخرًا للشعبوية، من خلال دعوته لسياسة هجرة أكثر تشددًا، ومغادرة ألمانيا لمنطقة اليورو، دون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وهي نتيجة كانت أيضا متوقعة عقب انتخابات 24 سبتمبر الماضي، والتي تركت المشهد السياسي الألماني في حالة انشقاق غير مسبوقة، بعد فوز المحافظين (الديمقراطي المسيحي، والاجتماعي المسيحي) بـ246 مقعدًا من أصل 709 مقاعد في البوندستاج (البرلمان الاتحادي)، مقارنة بـ311 مقعدًا حصلوا عليها في انتخابات 2013، وهي نتيجة سيئة تسببت فيها سياسة الهجرة التي انتهجتها ميركل.

وجاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي (اس بي دي) في المركز الثاني بحصوله على 153 مقعدًا توازي 20,5%، وهي نتيجة مخيبة للآمال دفعته لعدم تجديد تحالفه مع المحافظين. بينما كانت المفاجأة فوز اليمين الشعبوي ممثلا في حزب البديل من اجل ألمانيا (ايه اف دي) بالمركز الثالث، بعد حصوله على 94 مقعدا (12,6%) ودخوله البوندستاج لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، بفضل حملته ضد سياسة الهجرة، التي تسببت في دخول أكثر من مليوني مهاجر إلى ألمانيا منذ عام 2015 حتى الآن.

كما حصل الديمقراطي الحر (أف دي بي) على 80 مقعدا (10.7%)، يليه اليسار بـ69 مقعدًا (9.2%)، ثم الخضر ب 67 مقعدا (8.9%).

ولم يكن أمام المحافظين بعد حصولهم على 32.9% فقط من المقاعد، ورفض الحزب الديمقراطي الاجتماعي تجديد التحالف معهم، غير الاتجاه لتشكيل ائتلاف مع الديمقراطي الحر والخضر لتأمين الأغلبية داخل البوندستاج، وهو الائتلاف المعروف باسم ائتلاف جامايكا (نسبة إلى ألوان علم جامايكا، الأسود للمحافظين، والأصفر للأحرار، والأخضر للخضر).

ومع بداية المباحثات كان هناك توافق حول السياسة الاقتصادية والعلاقة مع أوروبا والحفاظ على قوة الدفع للسياسة الخارجية، لكن الخلافات كانت حادة حول الهجرة والبيئة وحماية المناخ، وبدا واضحًا أن قضية جمع شمل أسر اللاجئين تشكل حجر عثرة.

فرغم التوافق على تحديد سقف لعدد اللاجئين إلى ألمانيا، بحيث لا يتجاوز 200 ألف لاجئ سنويًا، طالب الديمقراطي الحر بتأجيل جمع شمل الأسر المهاجرة، الذي أجلته حكومة ميركل لمدة عامين، ليصبح أربعة أعوام، وأيده في ذلك الاجتماعي المسيحي، شريك ميركل في تكتل المحافظين، والذي يستعد لخوض انتخابات إقليمية العام المقبل، وسط منافسة حادة من جانب اليمين الشعبوي. ومن جانبه رفض حزب الخضر تأجيل جمع الشمل، مطالبا بفتح باب الهجرة أمام اللاجئين وأسرهم، طالما أن هذا يحقق مصلحة الاقتصاد الألماني.

من ناحية أخرى، فشلت الأحزاب الأربعة في التوصل إلى اتفاق حول حماية البيئة، فالخضر يطالب بإغلاق فوري لعشرين محطة طاقة تعمل بالفحم، وهو ما اعتبره المحافظون والديمقراطي الحر إجراء غير اقتصادي يهدد تدفق إمدادات الكهرباء.

واستمر الخلاف حول كيفية معالجة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، حيث طالب الخضر، بخفضها لتصبح ما بين 90 و120 مليون طن سنويًا، بينما تمسك المحافظون والديمقراطي الحر بأن يكون التخفيض ما بين 32 و66 مليون طن سنويًا.

وفيما يتعلق بسياسة ألمانيا الأوروبية، رفض الديمقراطي الحر أي محاولة إنقاذ مستقبلية لأي بلد أوروبي يعاني من ضائقة مالية، كما حدث خلال التعامل مع اليونان، بينما عارض الخضر دعوة ماكرون لتخصيص ميزانية لمنطقة اليورو.

على صعيد آخر تسببت ضريبة التضامن، التي فرضت لتمويل مشروعات البنية التحتية في ألمانيا الشرقية سابقا، في اتساع مساحة الخلاف، فالحزب الديمقراطي الحر يطالب بإلغائها في عام ٢٠١٩، بينما يدعو المحافظون لإلغاء تدريجي، لا يؤثر على حصيلة الخزينة العامة من الضرائب.

وهكذا فشلت الأحزاب الأربعة في التوصل إلى أرضية مشتركة لخلافاتها، خاصة فيما يتعلق بجمع شمل أسر المهاجرين، وخفض الانبعاث الكربوني، وانهارت مباحثات تشكيل الحكومة، ودخلت ألمانيا في خضم أزمة سياسية تهدد استقرارها، وأيضا استقرار الاتحاد الأوروبي.

وبدا واضحًا أنه لا حل للأزمة إلا باستئناف المشاورات، لتشكيل حكومة ائتلافية أو حكومة أقلية، وهذا ما دفع الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينمار إلى حث الأحزاب الأربعة على العودة مجددا إلى طاولة المفاوضات، لتجنب إجراء انتخابات جديدة، في أبريل المقبل.

الأزمة التي تواجهها ألمانيا لا تترك خيارات كثيرة، فالمستشارة إنجيلا ميركل ترفض التحالف قطعيا مع اليمين الشعبوي أو اليسار، بينما استبعد الديمقراطي الاجتماعي أي تحالف معها، ورفض الديمقراطي الحر الدخول في ائتلاف يضم الخضر.

ومن الوارد أن يغير الديمقراطي الاجتماعي موقفه، إذا قررت قواعد الحزب ذلك، لكن هذا الاحتمال لا يبدو كبيرًا.

وهذا ما دفع ميركل للإعلان عن أن إجراء انتخابات جديدة قد يكون الحل الأمثل، في حالة عدم الاتفاق على ائتلاف، رغم ما يشكله ذلك من تهديد لمستقبلها السياسي، لكنه على الأقل يضمن استقرار ألمانيا لأربع سنوات قادمة.

وهو طرح صحيح إلى حد كبير، فتشكيل المحافظين بقيادة ميركل لحكومة أقلية مع الديمقراطي الحر، يعني حاجتهم إلى أصوات 29 نائبًا من المعارضة، لضمان الأغلبية اللازمة لتمرير أي مشروع حكومي داخل البوندستاج.

وفي حالة تشكيلهم لحكومة أقلية مع الخضر، سيكونون بحاجة إلى أصوات عدد أكبر من نواب المعارضة، وهو ما لا يمكن ضمان استمراريته لفترة طويلة، والقضية في تصور ميركل ليست في تشكيل حكومة، وإنما تشكيل حكومة قابلة للحياة، وبما لا يؤدي أيضا إلى تفكك تكتل المحافظين.

وليس سرًا وجود خلافات بين الحزب الديمقراطي المسيحي بقيادة ميركل مع شريكه البافاري (الاتحاد الاجتماعي المسيحي بقيادة هورست سيهوفر)، بسبب رفض الأخير تشكيل ائتلاف حكومي مع الخضر، ومطالبته بسياسة أكثر صرامة تجاه المهاجرين.

عمومًا وأيًّا كان الوضع فإن فشل ميركل في تشكيل ائتلاف حكومي جديد، لن يترك خيارًا أمام الرئيس الألماني، سوى حل البرلمان الاتحادي المنتخب، والدعوة لانتخابات جديدة، وفي هذه الحالة من غير الوارد استمرار ميركل على رأس الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي تولت رئاسته في أبريل عام 2000، ولا في منصب المستشارية، الذي شغلته لأول مرة في نوفمبر 2005.

المشكلة أن خيار الانتخابات، لا تحبذه معظم الأحزاب الرئيسية، خاصة أن استطلاعات الرأي ترجح أن تسفر هذه الانتخابات عن نتائج مشابهة لانتخابات 24 سبتمبر الماضي، كما أن المستفيد الحقيقي من هذه الانتخابات، هو اليمين الشعبوي، ممثلا في حزب البديل من أجل ألمانيا.

وربما يستفيد منها أيضًا الحزب الاجتماعي الديمقراطي، بقيادة مارتن شولتز، الذي يتطلع لمنافسة حزب البديل في أي انتخابات مقبلة، وهو وضع يهدد بعودة فوضي جمهورية فايمار (نسبة إلى مدينة فايمار التي اجتمع فيها ممثلو الشعب الألماني لوضع دستور جديد في عام 1919)، وانتهت بوصول الحزب النازي إلى الحكم عام 1933. كل المؤشرات تقول إن الأزمة السياسية سوف تستمر، مما يضع ألمانيا أمام مفترق طرق، وأيا كانت الحلول فمن المرجح أن الاستقرار الذي تمتعت به ألمانيا بين عامي 2005 و2017 لن يستمر طويلًا.