randa
randa
أعمدة

عطر: الغد المجهول في انتظارنا

22 نوفمبر 2017
22 نوفمبر 2017

رندة صادق -

[email protected] -

عين على الحياة، عين على الرحيل، هذا هو الإنسان المتمرد الغاضب المغامر بلا وعي، فلا شيء مضمون لديه ولا شيء حقيقي بالنسبة إليه إلا حقيقة الموت المشتركة والثابتة، ومع هذا تقف النفس شاهقة كشجرة تفاخر بموتها وهي واقفة، تقف كاختصار لأنوثة لا تخجل من تضاريسها، تقف بلا رتوش أو أغطية نفاق، بلا حزن أو فرح بل حقيقة مجردة لا تراوغ أو تقامر ولا تنتظر نقدا أو مدحا ولا تصفيقا أو عتابا، ذاك اللاشيء عدم العدم والبعد الآخر للخوف.

صمت الأكوان وهزائم التاريخ، لا يهزها عويل الغموض الذي يرحل بعيدا ولا تلك الابتسامات المشبعة بالمكر، هناك دائما فرصة أخيرة لنَقُل أشياء ظلت عالقة في صدورنا، نخشى أن تخرج فتزلزل منظومة استقرارنا الضيق، هناك أشياء تلح علينا لتعلن حضورها في غضبنا في ردات أفعالنا، في ذاك الضجيج الذي يسكن أحلامنا، في صباحات عنيدة شديدة البرودة وفي ليل يقاتل الصمت عله يفوز بسحر الحكايات ويبعد رهبة الأشباح بين الحب واللاحب بين عناق لا يأتي وهجر لا يستكين، المشهد المركب يكرر نفسه في مسرحية الرحيل ولعبة الحياة والموت. في النهاية تهدأ الصورة وتتبرأ اللغة من دم الحضارة، ينطفئ الضوء، لقد تعبت أيدي النساء من اللطم ومبايعة الوهم، وأدركن أنهن خُدعن حين ظنن أن زينتهن قادرة على إخفاء تراكم الغبار في تفاصيله، أما الرجال فقد علقوا بين جمع المال وصراع القوة والشهرة والتنمر وبين الاستسلام المهين لنصيبهن في الحياة دون العمل والقتال من أجل انتصار الحياة، رجال تقوقعوا على موروثهم فسكنتهم خيبات الحروب والقتال وأدركوا انهم يقاتلون طواحين الهواء، وشباب ينتظرون المستقبل وهم يحملون معاول الطموح، نعم.. هم أبناء الغد من سيحمل همّ الحياة ويعيش تجربته بلا تقييم حقيقي لتجارب من سبقوه.

في المحصلة الكل وقع في فخ المغالاة في حب الذات وفي إبراز عظمتها وتزيين جنونها وهذه أولى الخطوات في طريق الانزلاق بعيدا عن جوهر الحياة. الحياة حتما مغامرة متناقضة وممتعة في آن واحد، ليس لأننا نحب المغامرة، بل لأنها شيء غامض يسحبنا نحو المجهول، وأمام المجهول لا نملك حرية الاختيار بل نملك فقط أن نخضع لقوانين الزمن والغد المجهول في انتظارنا، خاصة أننا نعيش بمنطق الربح والخسارة لا بمنطق الاستمتاع بتجربة الحياة وبسحر الاكتشاف.

نعم الاكتشاف، هل خطر ببالكم أن الحياة تعتمد على قانون الاكتشاف اكتشاف الفرح والحزن والألم، قانون المتنقضات الجوهري الذي يؤكد لنا أننا عابرون لا مخلدون في الأرض، وان تاريخ الأساطير الإنسانية هو تاريخ ملتبس لفهم معنى الحياة والموت القوة والضعف الخير والشر، أو بالأحرى مجموعة المتناقضات التي أسست لوعينا، فبتنا ندرك الأشياء من تناقضاتها ونبحث عن ضدها لنعرف ماهيتها، أعمارنا أقدارنا وأحلامنا وكل ما نملك من أمور مادية ومعنوية ليست إلا نقطة في منظومة الحياة التي لا أختصرها أنا أو أنت أو أي كائن حي، فنحن لسنا إلا قطعا مركبة نتجانس لنكمل بعضنا البعض، فنرسم صورة الحياة وجمالياتها المتناقضة لأن رونقها وسحرها في آن لها بداية ونهاية.