أفكار وآراء

لبنان في مفترق طرق !!

21 نوفمبر 2017
21 نوفمبر 2017

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

في التاريخ القريب والبعيد كانت لبنان ، في أحيان كثيرة ، ضحية الصراعات العسكرية في المنطقة ولعل ما قامت به إسرائيل من اجتياح أول عاصمة عربية عام 1982 يعطي مؤشرا على دخول لبنان وبشكل مباشر في الصراع العربي الإسرائيلي حيث نتج عن ذلك احتلال جنوب لبنان وبداية ظهور المقاومة المسلحة اللبنانية المعروفة الآن باسم حزب الله.

وبدأت المواجهات المسلحة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله عام 2000 وبدا أن

لبنان دخل في أتون الصراع المسلح بشكل مباشر خاصة بعد المواجهة العسكرية الشرسة بين

الجيش الاسرائيلي وحزب الله واندحرت فيها قوات الاحتلال بشكل لافت جعل عددا من خبراء

الاستراتيجية العسكرية يعيدون النظر في مسألة قدرة الجيش الاسرائيلي على حسم معارك في ظل معارك الكر والفر في مناطق جبلية وعرة وكانت مواجهة عام 2006 هزيمة واضحة للجيش الاسرائيلي على الصعيد المعنوي ، حيث وصلت صواريخ حزب الله الى العمق الإسرائيلي .

هل يتجدد الصراع

على ضوء ما يحدث في المنطقة من توتر متواصل سواء على صعيد الازمة الخليجية او على

صعيد استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ، والتي اعلنها من الرياض وزيارته

الاخيرة الي باريس واجتماعه بالرئيس الفرنسي ، والسجال السياسي الذي يدور في لبنان

يدخل لبنان مجددا دائرة الصراع في ظل المواجهة الكلامية بين طهران وواشنطن من جهة

وبين حزب الله واسرائيل من جهة اخرى ، ومن هنا فإن أي صراع قادم في المنطقة سوف تكون لبنان ساحته من جديد خاصة وان إيران تعد الداعم والحليف لحزب الله .

هناك الآن احتقان واضح في لبنان خاصة على صعيد موضوع استقالة الحريري وهناك

انقسام واضح بين تيار المستقبل الذي يقوده الحريري وبقية شركائه من الأحزاب اللبنانية في الحكومة اللبنانية خاصة وان هناك شروطا لرئيس الحكومة اللبنانية للعودة عن الاستقالة وهي في الإساس تخص وضع حزب الله وصواريخه و أسلحته حيث ان هناك تكتلات سياسية في لبنان تريد ان يتحول حزب الله الى حزب سياسي وبالتالي يسلم أسلحته الى الجيش اللبناني وهذا من الصعب ان يقبله حزب الله .

الى أين تتجه المنطقة

اذا اندلعت حرب بين حزب الله اللبناني وقوات الاحتلال الاسرائيلي فإنها سوف تكون حرب مدمرة لأن الهدف الاساسي لها من قبل الولايات المتحدة واسرائيل هو القضاء بشكل نهائي على القوة الصاروخية لحزب الله ، والتي بالتأكيد أصبحت اكثر قوة ، كما ان ايران سوف تدعم حليفها حزب الله ، لان في ذالك مصلحة استراتيجية لإيران في إطار مواجهتها مع واشنطن ، وبالتالي تلتهب المنطقة بحرب مدمرة جديدة تنضم الى بقية الحروب في المنطقة العربية ، في سوريا واليمن والعراق وليبيا والإشكالات السياسية في منطقة الخليج .

وعلي ضوء هذا السيناريو ويحدث الأسوأ وهو مواجهة عسكرية شاملة بين إيران وبعض دول المنطقة بما فيها إسرائيل وهناك سوف نشهد حريقا كبيرا في منطقة الشرق الأوسط وهو احتمال وارد وان كانت حساباته معقدة وخطيرة على نحو لا يشجع أي من الأطراف على التورط فيه . الاتجاه الآخر ان يكون هناك خط رجعة من خلال حسابات المكاسب والخسائر للأطراف الداخلة في الصراع خاصة وان التدمير سينال الجميع، كما ان لبنان وبنيته المدنية والتي عادة ما تكون ضحيه للحروب. ومن هنا فان السيناريو الأكثر احتمالا هو استمرار التوتر بين الأطراف خاصة وان البيان الأخير الصادر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب يتحدث عن آليات حول إيران تتعلق بالحديث مع مجلس الأمن حول السلوك الإيراني تجاه الدول العربية وهو الأمر الذي يشير الى جهود سياسيه لتطويق التوتر الحالي .

ان الخوف على لبنان كبير لأنه يدفع ثمن الصراعات المسلحة ومن هنا فإن المنطق السياسي يقول بأن على الأحزاب والقوى السياسية في لبنان ان تضع مصلحة لبنان اولا كما ان موضوع حزب الله لا بد ان يخضع لنقاش لبناني - لبناني بعيدا عن أي إملاءات خارجية وهذا الأمر يدعو للحوار في ظل وجود رئيس الحكومة سعد الحريري في بيروت، والنقاش الذي سيدور بينه وبين الرئيس اللبناني ميشال عون . ان الوضع في المنطقة شائك، ولا شك ان إسرائيل هي المستفيد الاول من ازمات المنطقة وتريد لهذه الازمات ان تستمر كما ان الولايات المتحدة من خلال ادارة الرئيس ترامب لاتريد للازمه الخليجية ان تنتهي، لأن في ذلك استفادة من كل الاطراف خاصة على صعيد مبيعات السلاح والمصالح الاقتصادية مما سيؤدي حتما الى تآكل الصناديق السيادية للدول الخليجية ذات العلاقة بالأزمة ، ومن هنا فإن المنطق السياسي الموضوعي يقول بأن حل الأزمة بين الأشقاء هو الخطوة الصحيحة وان يكون هذا الحل من خلال حوار يقوده مجلس التعاون ، وبالتالي سوف يكون ذلك نموذجا يبني عليه حل أي خلاف بين الأشقاء مستقبلا ، وهذا الأمر معمول به بين دول الاتحاد الأوروبي ودول الأسيان ، وهذا أمر يعد حضاريا فكل الخلافات مهما تعقدت تحل من خلال الحوار وليس هناك خيار آخر.

مستقبل الاجيال

الصراعات المسلحة تؤدي الى تدمير الأوطان وخلق الكراهية بين الشعوب وهذه آثار مدمرة سوف تدفعها الأجيال الجديدة في الدول التي تشتعل فيها الحروب او تلك الدول المشارك فيها بشكل مباشر او غير مباشر فلبنان وبقية الدول العربية بحاجة الى فكر جديد يكون قوامه السلام وبناء قدرات الأجيال والبعد عن سلوك الهيمنة ، لأن ذلك السلوك اصبح غير مطلوب ، والدول في العالم تتعامل علي اساس المصالح الاقتصادية، ولعل دول جنوب شرق آسيا والتي جربت اقسى الحروب في الخمسينات والستينات من القرن الماضي اصبحت اكثر إدراكا لأهمية التحديث والتنمية وحل الخلافات بالحوار ، وها هي كتلة الآسيان تعد من الدول الاقتصادية المتطورة فهناك كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وفيتنام وغيرها من النمور الآسيوية المتطورة ، الى جانب اليابان بالطبع ، وهذا يعود الى تغيير الفكر السياسي .

ان لبنان هو نموذح حي لبقية الدول العربية وكانت لبنان هي ملاذ للثقافة والتعددية والحرية وسميت بسويسرا الشرق ، ولكن نتيجة العقلية العربية التي تحركت بفعل فكر لا ينم عن موضوعية واحساس بالأوطان دخل العالم العربي حروب مدمرة ، والآن تعاني معظم الدول العربية من الحروب الاهلية ومن آفة الإرهاب المنتشرة ، وبالتالي اصبحت إسرائيل هي المستفيد الأكبر من هذه التناقضات العربية امس واليوم بالطبع . لبنان هو الآن في مفترق طرق ولا بد من إبعاد هذا البلد العربي عن أي مواجهة مسلحة جديدة وهذه المسؤولية تقع على اللبنانيين اولا ، وعلى الدول العربية ، حيث ان المواجهة المسلحة مع حزب الله او ايران هي مواجهة خاسرة ومدمرة لكل الأطراف وتدمر مستقبل الأجيال العربية والإسلامية.

الحوار العربي - الإيراني

في ضوء كل هذه الإشكالات والتوتر بين إيران وبعض الدول في المنطقة منذ سنوات فان افضل حل لهذا الإشكال علي ضفتي الخليج هو إطلاق حوار عربي-إيراني مباشر تحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي او تحت أي مظلة أخرى مقبولة للطرفين ، وبحيث يضع الطرفان كل الملفات على طاولة الحوار، وتكون مواجهة نقاش تتسم بالشفافية وروح المسؤولية ، هذا هو الإطار الصحيح لإنهاء أزمات المنطقة ، لان البديل سوف يكون كارثيا ومن هنا فإن المصلحة العربية والإسلامية تقتضي إطلاق مثل ذلك الحوار، فإيران سوف تبقى لأن هذا هو منطق الجغرافيا ودول الخليج كذلك، ومن هنا فإن هذه دعوة صادقة لإطلاق ذلك الحوار حتي تعيش المنطقة ، بكل ما فيها من إمكانات كبيرة في مناخ من السلام والاستقرار وتبادل المصالح والمنافع ، بعيدا عن الحروب التي جربتها المنطقة لسنوات ولم تجن منها سوى الدمار والكراهية واستفادة العدو المشترك للعرب والمسلمين وهي إسرائيل صاحبة إشعال الحروب في المنطقة .