fatheel
fatheel
أعمدة

طريق الحرير الجديد وفرص استثمار السلطنة له

21 نوفمبر 2017
21 نوفمبر 2017

فاضل مندني -

[email protected] -

منذ اليوم الأول لتوقيع إيران الاتفاق النووي مع مجموعة (1+5) صيف 2015، وطهران تسعى لاستغلال الفرصة تلو الأخرى لإنهاء العقوبات المفروضة عليها وما ترتب عليها من آثار سلبية على الاقتصاد والبنى التحتية في البلاد التي تهالكت بدورها متأثرة بالعقوبات الأمريكية والدولية التي فرضت عليها بسبب برنامجها النووي.

لكن من بين القطاعات التي بدأت حكومة حسن روحاني توليها اهتماما كبيرا، هو قطاع النقل والطرق وخاصة سكك الحديد، وسعيها الحثيث في إحياء حلم طريق الحرير لكي تربط الشرق بالغرب، إلا أن تحقيق هذا الحلم يواجه مشاكل جمة، من بينها تهالك البنى التحتية في قطاع سكك الحديد الإيرانية نتيجة سنوات من العقوبات الدولية التي فرضت على البلاد. ولهذا قررت إيران تخصيص واحد بالمائة من عائداتها من تصدير النفط والغاز لتعزيز هذا القطاع الحيوي وإنشاء طرق جديدة تربط جميع مناطق البلاد الحدودية وبالتالي تربط دول الجوار بالمياه الدولية (في الجنوب) عن طريق بحر عمان.

وتم إطلاق مشروع ضخم بقيمة 25 مليار دولار أمريكي، تسعى إيران من خلاله لإحياء سككها الحديدية وإنشاء ما يقارب من عشرة آلاف كيلومتر من السكك الحديد الجديدة التي ستربط جميع مناطق إيران ببعضها من جهة، ومن جهة أخرى ستربط دول الجوار بالمياه الدولية، ومن المخطط لهذا المشروع أن ينتهي في 2025، ومن المقرر أن توفر إيران ما بين ثمانية إلى عشرة آلاف عربة قطارات سنويا، والذي سيتم تصنيع جزء منها في مصانع محلية وما تبقى منها سيتم استيرادها.

وتسعى بذلك إيران لكي تصبح ممرا تجاريا (ترانزيت) هاما لنقل البضائع والسلع من كافة أنحاء العالم سواء من آسيا إلى أوروبا والعكس، أو ما يعاد تصديره من موانئ المنطقة بالأخص منطقة الخليج بما فيها موانئ السلطنة إلى دول آسيا الوسطي.

ويأتي مشروع إحياء طريق الحرير عبر ترميم وإنشاء البنى التحتية في قطاع سكك الحديد الإيرانية، ولكي تكمل ما استثمرت فيها دول كالصين وروسيا والهند وأذربيجان واليابان لإحياء ما بات يعرف بطريق الحرير الجديد الذي يركز على النقل البري خصوصا السكة الحديدية، وذلك عبر إنشاء سكك حديد تربط أقصى شرق آسيا وصولا بالهند وإيران ودول آسيا الوسطى مرورا بتركيا ومنها إلى أوروبا وأفريقيا. كما أن دولا كإيران وأذربيجان اللتين تسعيان إلى التقليل من اعتمادهما على تصدير النفط والغاز، وتشكيل شبكة طرق برية سواء في طرق النقل أو سكك الحديد تساعدهما في الاستثمار في هذا المجال الحيوي وتلبية الحاجة الملحة لدول آسيا الوسطى والقوقاز وروسيا لنقل البضائع عبر طرق غير مكلفة اقتصادياً.

وتعتبر الصين أكبر المستثمرين في هذا المجال، حيث رصدت الصين في مايو الماضي 150 مليار دولار لاستثمارها في الدول التي يمر منها طريق الحرير الجديد، ومن بينها سكك الحديد. وكانت الصين قد سيّرت في 28 يناير من العام الماضي أول رحلة قطار تجريبية انطلقت من مدينة “يويي” في مقاطعة “تشجيانغ” شرق الصين، ووصل القطار لمحطة العاصمة الإيرانية في 15 فبراير 2016.

كما أن أسواق دول مثل “باكستان” وأفغانستان بدأت التفكير في الاعتماد على شبكة سكك الحديد الإيرانية كونها أكثر أمانا في إيصال البضائع لأماكن واسعة من البلاد، فعلى سبيل المثال أفغانستان التي كانت في السابق تعتمد بشكل كبير على الموانئ الباكستانية لاستيراد البضائع وجدت في الطرق البرية الإيرانية الحل الأمثل كون أن الكثير من المناطق في باكستان وأفغانستان باتت غير آمنة لعبور بضائعها كونها مناطق قبلية أو مناطق نزاعات. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن الشركات التركية قد أولت اهتماما لهذا الأمر مؤخرا حيث لوحظ أن تركيا بدأت في نقل منتجاتها عبر شركات محلية في إيران مستغلة الطرق البرية وسكك الحديد وذلك عبر الموانئ الإيرانية وتصديرها لدول مجلس التعاون أو لدول أبعد منها خصوصا أن تلك البضائع ستصل ليد المستهلكين فيها بوقت أقصر وبأسعار تنافسية أكبر كونها لن تحتاج لعبور أكثر من مضيق بحري أو الانتظار لأوقات طويلة في الموانئ التركية.

تقع الموانئ والمناطق الحرة في الشريط الساحلي شمال السلطنة كمينائي صور وصحار على سبيل المثال في مناطق مهمة للغاية استراتيجيا واقتصاديا، ويمكن للسلطنة استغلالها بشكل كبير، خصوصا وأن الموانئ الإيرانية المرتبطة بسكك طريق الحرير الجديد التي ستكون حلقة وصل لوجستية بين المياه الدولية انطلاقا من بحر عمان ودول آسيا الوسطى تقع في الجانب الآخر لبحر عمان كـ “جابهار” و“ بندرعباس” الإيرانيتين، كما يمكن للسلطنة استثمار موقع ميناء صحار الحيوي، وإعداد برنامج لتشجيع تجار المنطقة والتجار من المناطق في أسيا الوسطى والقوقاز وروسيا، لاستخدام الميناء كنقطة للتصدير أو إعادة تصدير بضائعهم سواء التي يستوردونها بحرا من أوروبا أو من آسيا أو حتى عن طريق الطرق البرية التي يستوردونها من موانئ خليجية أخرى، حيث ستخفض عليهم تكاليف الشحن البحري، كون أن البضاعة التي تصدر من موانئ السلطنة لا تشملها تكاليف ورسوم إضافية لعبورها مضيق هرمز. وتشهد منطقة أسيا الوسطى والقوقاز، كروسيا وأذربيجان أوزبكستان على سبيل المثال طفرة اقتصادية وعمرانية بسبب عائداتها النفطية وسعي تلك الدول لاستثمار تلك العائدات في تطوير بناها الأساسية وبموازاة ذلك كونها تقع بعيدة عن المياه الدولية التي تربطها بأسواق جديدة تكون أقل تكلفة، فسيكون الحل الأمثل لها الاعتماد على طرق رخيصة وأكثر فعالية في توفير ما تحتاجه أسواقها.

تمتلك سلطنة عمان موقعا هو الأهم في المنطقة إستراتيجيا واقتصاديا بالنسبة لدول أسيا الوسطى، كونها الطريق الأقصر والأرخص إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما تمتلكه السلطنة من صناعات كصناعة الحديد والصلب والإسمنت وغيرها من المنتجات التي قد تكون في قائمة أولويات لتلك الدول والتي يمكن للسلطنة من خلالها فتح أسواق جديدة لمنتجاتها المحلية بكافة أشكالها، ويتطلب ذلك اهتماما بتفعيل دور غرف التجارة المشتركة بين السلطنة وبين دول القوقاز وآسيا الوسطى وروسيا أو إنشاء غرف تجارية جديدة في حال عدم وجودها، وإطلاق مشروع إعلامي يعرف بإمكانيات السلطنة في المجالات الاقتصادية والتجارية، سواء للشركات المحلية في السلطنة أو اللوجستية والصناعية وذلك عبر موانئ السلطنة بلغات تلك الدول.

وينبغي على المؤسسات الحكومية في السلطنة، وضع برنامج اقتصادي شامل مشترك يبدأ في إيجاد وتأهيل رواد أعمال جدد من شباب السلطنة، وتوفير الإمكانات اللازمة والمدروسة التي تمكنهم في تطوير أنفسهم وأعمالهم التجارية مستقبلا، سواء في تأسيس مؤسسات استشارية غير ربحية في المجال الاقتصادي والتجارة الخارجية تضمن إعطاء المشورة الاقتصادية المفيدة لرواد الأعمال المحليين.

ولهذا فإنه بالتعاون مع غرف التجارة العمانية المشتركة في مختلف دول العالم، بالأخص الدول التي تمت الإشارة إليها، يجب إعطاء أولوية لإيجاد شبكات تواصل تمكن رواد الأعمال العمانيين من التواصل مع مختلف القطاعات في تلك الدول والتعرف على فرصها التجارية سواء ما يتعلق بالسوق المحلية لتك الدول وفرص إيجاد أسواق جديدة للمنتجات العمانية أو البضائع التي تعاد تصديرها من موانئ السلطنة.