1170657
1170657
المنوعات

محمد الشحات يسائل النظرية والنقد الثقافي في الدراسات العربية

20 نوفمبر 2017
20 نوفمبر 2017

في ندوة بالجمعية العمانية للكتاب والأدباء -

«عمان»: قدم الدكتور محمد الشحات محاضرة ثقافية في الجمعية العمانية للكتاب والأدباء حملت عنوان «أزمة النظرية والنقد الثقافي في الدراسات العربية: دراسة استكشافية».

وسعت المحاضرة إلى مساءلة موضوع النظرية الأدبية والنقدية الحديثة في ضوء علاقتها بتاريخ ثقافة أوروبا، كما حاول المحاضر اختبار سؤال: كيف أثّرت هذه العلاقة أو انعكست على طبيعة الممارسات النقدية العربية؟

وقال الباحث بموضوعية: إنه في الوقت الذي استطاعت مثل هذه الممارسات العربية أن تفرز الكثير من الإيجابيات التي حرّكت بالفعل المياه الراكدة في مدوّنة النقد العربي القديم والحديث، خصوصا في الربع الأخير من القرن العشرين، حيث نجحت في أن تقدّم قراءات نقدية من منطلقات ومنظورات معرفية غير مستهلكة، فقد أنتجت بعض الممارسات المرتبكة أو المتعثرة التي انطوت على حالات مختلفة من سوء الفهم، سواء تمثَّل ذلك في فوضى اصطلاحية، نابعة بالأساس من عدم إدراك طبيعة المرجعيات الثقافية والسياقات التاريخية التي تشكَّلت في فضائها النظرية الغربية أولا، أو تمثَّل في غواية الجمع بين ما لا يجتمع من نظريات أو مفاهيم أو مناهج أو حقول اصطلاحية في فضاء دراسة علمية واحدة ثانيا. وحسب المحاضر فكلها ظواهر سلبية تحتاج منا إعادة النظر في مباحث «نقد النقد»، كما تحتاج إلى ضرورة موضعة النظرية الأدبية والنقدية الحديثة في سياق مرجعياتهما الثقافية التي تنتسب إلى التاريخ الثقافي الأوروبي أو المركزية الأوروبية.

كما تحدث الدكتور في سياق أزمة النظرية عن غياب المرجعية الثقافية، ووعي النظرية الأدبية بين تاريخ الأدب والتاريخ الثقافي، وتحدث في هذا السياق عن كتاب الخالدي باعتباره كان واحدا من المحاولات المهمة التي لفتت أنظار اللاحقين من الباحثين والنقّاد ومؤرّخي الأدب العربي إلى ضرورة الانفتاح على ثقافة الآخر، والدخول معه في حوارات ومناظرات فكرية وحضارية، من موقع الندّية والتكافؤ، أو قابلية الفهم والتعايش، لا من موقع الدونية أو الشعور بالنقصان أو «القابلية للاستعمار». ويؤكد المحاضر أنه ليس غريبا أن يكون السياق الثقافي الذي أنتج فيه الخالدي كتابه هو سياق النهضة العربية الذي أنتج الكثير من الإبداعات.

وأكد الباحث في محاضرته على أهمية التمييز بين «النقد الأدبي» و«التاريخ الأدبي» فالنقد في أدقّ معانيه هو «فنّ دراسة النصوص والتمييز بين الأساليب المختلفة، وهو روح كل دراسة أدبية. ويكمن دور النقد أو وظيفته، كما يستعير المحاضر من محمد مندور، في أن يُظهر تلك الخصائص ويحلّلها. أما التاريخ الأدبي فـ«يجمع تلك المؤلفات تبعا لما بينها من وشائج في الموضوع والصياغة، وبفضل تسلسل تلك الصياغات يضع تاريخ الفنون الأدبية، وبتسلسل الأفكار والإحساسات يضع تاريخ التيارات العقلية والأخلاقية، وبالمشاركة في بعض الألوان وبعض المناحي الفنية المتشابهة في الكتب التي من نوع أدبي واحد ومن تأليف نفوس مختلفة يضع تاريخ عصور الذوق».

وتحدث المحاضر عن النقد الروائي، وقال في هذا السياق: إن أغلب المناهج التي استُخدِمت في تناول الرواية العربية كانت مستمدة من الغرب، وهذا لا يقلّل أبدا من قيمة الجهود النقدية التطبيقية العربية التي مارست عددا محدودا من المناهج النقدية على الرواية العربية في النصف الأول من القرن العشرين (مثل: المنهج التاريخي، المنهج النفسي، المنهج الموضوعاتي، المنهج الاجتماعي)، ثم اتسعت دائرة المناهج الغربية المستخدمة في التناول والتطبيق العربي بصورة لافتة في النصف الثاني من القرن ذاته، وتحديدا أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، حتى بداية الألفية الجديدة (مثل: البنيوية، الدراسات الأسلوبية وتحليل الخطاب وعلم العلامات/‏‏ السيميولوجيا، نظريات القراءة والتلقّي، التفكيكية، نقد ما بعد الاستعمار، النقد الثقافي، دراسات الجندر أو الجنوسة، ..). وقال المحاضر: المناهج النقدية في نهاية المطاف ليست إلا منتجات معرفية ذات حمولات إبستمولوجية وثقافية مرتبطة بالبيئة الحضارية والثقافية التي نشأت في أحضانها، ولا يمكن اجتثاثها من جذورها واستنباتها في تربة أخرى دون وعي بشروط النشأة وملابسات الإنتاج والإطار الفلسفي الذي تولّدت تحت غطائه وامتاحت من مفاهيمه ورؤيته للعالم.

كما تحدث المحاضر عن النظرية الأدبية والنقد الثقافي مشيرا إلى أنه من المستقرّ في حقل تاريخ الأفكار وفي أدبيات النظرية الثقافية أن ظاهرة ما بعد الحداثة لامست العديد من المجالات مثل الهندسة المعمارية والفنون والآداب والفلسفة،.. وغيرها. وبطريقة ما، تدّعي ما بعد الحداثة أن العصر الحديث قد انتهى، وأننا نعيش الآن في عصر ما بعد الحداثة، حيث تمثّل المعلومات الآن كل شيء. وعلى سبيل المثال، يُنظر عادةً إلى ما بعد الحداثة على أنها ظاهرة غربية، وكثيرا ما يرتبط ظهورها، في المجال السياسي، بأحداث مايو 1968 في فرنسا. وكما أسهم فيها العلماء الفرنسيون غالبا وطوّروها، ظهرت ما بعد الحداثة وانتشرت بسرعة كبيرة في كل من الولايات المتحدة وإنجلترا، ثم اندمجت مع مجال العلاقات الدولية في منتصف الثمانينيات حتى تطوّرت في السنوات الأخيرة من القرن العشرين؛ ولذا فليس من السهل وضع تعريف دقيق لما بعد الحداثة؛ إذ هناك اختلافات حادّة حول معناها، كما أن كثيرا من المنظّرين الذين ارتبطوا بنظرية ما بعد الحداثة لم يعرّفوا أنفسهم أبدا بوصفهم «ما بعد-حداثيين».

كما تحدث عن المرجعية الثقافيّة للنظريّة باعتبارها العنصر الذي نتعايش معه دائما باعتبارنا موضوعات، كما أنها هي ما يحدد الإطار العام الذي يضمّ كلا من الممارسات والعادات والتقاليد والصور والتمثيلات الخاصة بأي مجتمع؛ ذلك لأن الثقافة هي «موقع القيم. ودراستها تُظهر لنا كيف أن القيم تتغير من مجتمع إلى آخر، ومن لحظة تاريخية إلى أخرى. لكن الثقافة ليست شيئا مجردا، بل على العكس من ذلك، إنها شيء يتجسد في كل ما هو نصيّ، كما يتجسد في اللوحات الفنية وأعمال النحت والأثاث والموضة وبطاقات المواصلات العامة وقوائم التسوق». أما النقد الثقافي فهو ما يساعدنا على نزع الألفة عن كل ما هو معتاد مألوف، بل إنه يعزل الدلالات والمعاني المألوفة المتواترة من أجل المزيد من التأمل والتحليل الطازج. في هذا السياق، يمكن أن نفهم ماهية «النقد الثقافي» الذي يدفع هذا الناقد أو ذاك الباحث إلى امتلاك آلية مغايرة في التفكير تقوم بالأساس على عملية «نزع الألفة» حتى عندما نتناول أدبيات النظرية ذاتها.

كما تحدث المحاضر عن أزمة النقد الثقافي بين التلقّي والممارسة وتحدث عن النقد الأدبي والنقد الثقافي. وفي ختام محاضرته اعتبر الباحث أن مثل هذا النوع من الممارسة النقدية أو الفكرية الواعية بسياقات النشوء وتحولاتها المفاهيمية من شأنه أن يفتح آفاق النظرية المحدودة على تاريخ آداب العالم، حتى لا تصبح النظرية الأدبية أو النقدية منتجا محلّي الصنع أو حكرا على تاريخ ثقافة أوروبا وحدها. ولعل أفضل مثال على ذلك هم مجموعة النقاد والباحثين القادمين من بلدان العالم الثالث والشرق الأوسط الذين أسهموا في فضاء النظرية العالمية إسهامات شتى بدرجات متفاوتة بالطبع (أقصد إلى النظرية المكتوبة بالإنجليزية تحديدا). إن ثمة تاريخا جديدا لأدب العالم تتشكل ملامحه وتياراته شيئا فشيئا، لا ريب أنّ للأفارقة والآسيويين فيه نصيبًا واضحًا سوف تكشف عنه السنوات القليلة القادمة.