الملف السياسي

مزيد من الاستقرار والتنمية الشاملة .. والمستدامة

20 نوفمبر 2017
20 نوفمبر 2017

بشير عبدالفتاح -

,, تركز استراتيجية التنمية الصناعية على إنشاء الصناعات الكبيرة العملاقة بالتعاون مع رأس المال الأجنبي بهدف استغلال الموارد الطبيعية للسلطنة وإنتاج السلع الموجهة للتصدير إلى الأسواق العالمية,,

يأتي احتفال سلطنة عمان بعيدها الوطني السابع والأربعين المجيد هذه الأيام، بينما تتواصل مسيرتها الناجحة نحو مزيد من الاستقرار والتنمية الشاملة والمستدامة في شتى مناحي الحياة، وسط إشادات إقليمية ودولية. فعلى صعيد السياسة الداخلية، وضعت القيادة الرشيدة خطة مستقبلية من شأنها أن تعين السلطنة على استكمال مسيرتها التنموية وفق النهج الذي اختارته لتنفيذ سياستها نحو تطبيق نموذجها الخاص في مجال العمل الديمقراطي، من خلال تجربة الشورى العمانية لإقامة بنيانها وإعلاء أركانها على قواعد ثابتة ودعائم راسخة تضمن لها التطور الطبيعي، الذي يلبي متطلبات كل مرحلة من مراحل العمل الوطني، وبما يستجيب لحاجات المجتمع ويواكب تطلعاته، نحو مزيد من الإسهام والمشاركة في صنع القرارات المناسبة التي تخدم المصلحة العليا للوطن والمواطنين، ضمن رؤية مستقبلية واعية وخطوات تنفيذية واعدة.

وعلى الصعيد الاقتصادي، يمكن القول إن الخطط الخمسية التي بدأت السلطنة تطبيقها منذ العام 1976 تضع نصب أعينها تحقيق أهداف شتى من بينها: تحقيق نمو سنوي في الاقتصاد الوطني لا يقل عن 3 في المائة بالأسعار الثابتة من خلال حفز الطلب المحلي وتنمية الصادرات وتشجيع الاستثمار ووضع استراتيجية لرفع الإنتاجية والاستغلال الأمثل للثروات الطبيعية والطاقات الإنتاجية والبنية الأساسية القائمة، وتعمل الخطة كذلك على تحقيق معدلات تضخم منخفضة طوال فترة الخطة بحيث لا يتجاوز المتوسط السنوي لمعدل التضخم 4 في المائة وذلك من خلال تطوير أساليب الرقابة على الأسواق وتوعية المستهلكين وتشجيع الموردين على تنويع وتوسيع مصادر وارداتهم من السلع. وتتوقع الخطة نمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي يقدر متوسطه بنحو 6 في المائة بالأسعار الجارية و5 في المائة بالأسعار الثابتة، وأن يرتفع إجمالي الاستثمار لفترة الخطة إلى 30 مليار ريال عُماني بزيادة تصل إلى 113 في المائة مقارنة بالمخطط في الخطة الخمسية السابعة.

وبالتوازي، تكثّف السلطنة باستمرار سعيها للدخول في اتفاقيات ثنائية تتيح زيادة التبادل التجاري مع العديد من دول العالم وتشجيع الاستثمار المتبادل، كما أن عضوية السلطنة في منظمة التجارة العالمية والاتحاد الجمركي الخليجي ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والتوقيع على اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، تهدف إلى زيادة حجم التبادل التجاري مع دول العالم المختلفة، وتعمل على فتح أسواق عديدة أمام الصادرات العُمانية، وتساعد القطاع الخاص العُماني على الاستفادة من هذه العلاقات التجارية والاقتصادية.

وفي هذا السياق، تعتبر الصناعة، وفقا للاستراتيجية الصناعية المستقبلية للسلطنة، أحد أهم القطاعات المؤهلة لتكون بديلا حقيقيا للموارد النفطية المعرضة النضوب في تحقيق الدخل، كما يعد قطاع الصناعة ركيزة مهمة من ركائز استراتيجية التنمية طويلة المدى (عمان 2020)، وتسعى السلطنة إلى رفع مساهمة الصناعات التحويلية في الناتج المحلي إلى 15 في المائة بحلول العام 2020. وتركز استراتيجية التنمية الصناعية على إنشاء الصناعات الكبيرة العملاقة بالتعاون مع رأس المال الأجنبي بهدف استغلال الموارد الطبيعية للسلطنة وإنتاج السلع الموجهة للتصدير إلى الأسواق العالمية، كما تركز على المنتجات الصناعية كتسييل الغاز الطبيعي، والصناعات البتروكيماوية، بالإضافة إلى التركيز على المواد الكيميائية الأساسية مثل البولي بروبلين والميثانول والأسمدة الكيميائية ومنتجات النفط المكرر، والصناعات المعدنية الأساسية مثل النحاس والألمنيوم والحديد.

وانطلاقا من استراتيجية تنمية وتطوير القطاع السياحي، تعمد السلطنة إلى إقامة العديد من المشروعات والمرافق السياحية الخدمية في مختلف محافظات ومناطق السلطنة بهدف توفير الخدمات السياحية لخدمة حركة السياحة الداخلية. وقد هدفت الخطة الخمسية الثامنة (2011 ـ 2015) إلى تعزيز فرص استدامة التنمية السياحية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال المحافظة على البيئة ومواردها الطبيعية والإرث الثقافي والطبيعي، مع بذل المزيد من الجهود لتشجيع السياحة الداخلية، وتكثيف الترويج السياحي الخارجي خاصة في الدول المجاورة وتوسيع نطاقه ليشمل الأسواق الناشئة وضمان جودة المنتج السياحي بما يكفل التصدي بكفاءة للتحديات التي تفرضها المنافسة الشرسة التي يتسم بها السوق العالمي للسياحة. وتتويجا لتلك الجهود، تم اختيار مسقط عاصمة للسياحة العربية للعام 2012.

وفي جانب آخر، تسعى القيادة الحكيمة جاهدة من أجل استيعاب الانخفاض الشديد في أسعار النفط في الأسواق العلمية الذي بدأ منذ منتصف العام 2014. وبالتالي انخفاض الإيرادات العامة للدولة بأكثر من 36 في المائة خلال العامين الماضيين من خلال خطوات وسبل متعددة مع الحرص على عدم المساس بالخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطن العماني مع العمل على تعزيز الإيرادات المالية للدولة وخفض الأنفاق الحكومي وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي وهو ما بدأت نتائجه تتضح بالفعل خلال الأشهر الماضية . وبرغم تحرك أسعار النفط نحو الأمام نسبيا خلال الأسابيع القليلة المنقضية ، لا يزال جلالة السلطان قابوس المعظم - حفظه الله ورعاه - يؤكد على ضرورة الاستمرار في الإجراءات الاحترازية، توخيا للتقليل من الآثار الجانبية السلبية لأية مفاجآت. ودوما يؤكد جلالته - أعزه الله - على أهمية العنصر البشري في عملية التنمية الشاملة التي تشهدها البلاد في حاضرها المشرق واعدا الشباب بالمزيد من الاهتمام والرعاية في المستقبل المنظور، وتولي السلطنة اهتماما خاصا بتطوير العملية التعليمية بالاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مختلف المجالات الفنية التي تعنى بتطوير المناهج والتقويم التربوي وتقنية المعلومات والبرامج التعليمية وغيرها من المجالات، كما تولي الموارد البشرية اهتماماً كبيراً، آخذة في الاعتبار الخطط التنموية الطموحة التي تسعى للارتقاء بالإنسان العُماني وإعداده لدعم مسيرة التقدم التي تشهدها السلطنة. ولذلك تتنوع الخطط والبرامج لتأهيل الكوادر العُمانية في المجالات الفنية والإدارية انطلاقا من أهمية الموارد البشرية في النهوض بالعمل التربوي بشكل عام. ونتيجة لذلك تحصل السلطنة على مراكز متقدمة عالميا في مؤشرات التنمية البشرية التي يصدرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ولا تتوانى القيادة الحكيمة في تطوير النظم الإدارية في السلطنة بما يتماشى مع متطلبات المرحلة الراهنة بما في ذلك وضع نظام لقياس مستوى جودة الخدمات الحكومية والإسراع في التحول إلى الحكومة الإلكترونية. فقد كلف مجلس الوزراء المجلس الأعلى للتخطيط بمراجعة آليات وبرامج الاستراتيجية الوطنية للقطاع اللوجستي في إطار الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني، إضافة إلى حث الجهات المعنية على الإسراع باستكمال الحزم المتبقية من المشاريع الرئيسية في مدينة الدقم ودفع عجلة التنمية العمرانية أو التنمية المستدامة تحقيقا لصالح الوطن والمواطن في الحاضر والمستقبل أيضا. ولما كانت السياسة الخارجية لأية دولة تمثل انعكاسا مباشرا لسياستها الداخلية، فقد ساعدت النجاحات التي تحققت على صعيد الداخل العماني في تقوية ودعم السياسة الخارجية للسلطنة. وبناء عليه، تحظى السياسة الخارجية العمانية منذ العام 1970 بتقدير العالم لما تقوم به من جهود فعالة ومساهمات على مختلف الأصعدة العالمية، مثل ذلك الانفتاح على العالم والمساهمة بنشاط وبفعالية في أحداثه والمشاركة في مؤسساته ومنظماته السياسية وغير السياسية. لذا فإن المكانة التي حققتها سلطنة عمان نتيجة لسياستها تمكّنها حاضرا ومستقبلا من القيام بدور فعّال في معالجة كثير من القضايا، وفي المساهمة في حل العديد من المشاكل على كافة الأصعدة بمصداقية مشهودة، وبعد نظر في الرؤية السياسية وحكمة وجرأة في اتخاذ القرار، وهو النهج المتوقع استمراره في المرحلة المقبلة بما يحقق مزيدا من الازدهار والنمو الشامل للسلطنة.