أفكار وآراء

مشاريعنا الشخصية مؤجلة.. ونتحايل على الأشياء !!

19 نوفمبر 2017
19 نوفمبر 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected]  -

في دراسة حديثة تشير الى أن ما نسبته (90%) من أفعالنا وسلوكياتنا تقع تحت هذه النسبة التي تكاد مطلقة الى حد بعيد، والمتبقي (10%) هو ما يقع في خانة «مسيرون» والقاعدة التي تشير الى ذلك تقول: « على أن(10%) من الحياة تتشكل من خلال ما يحدث لنا، والـ(90 %) الباقية يتم تحديدها من خلال ردود أفعالنا» فليتخيل أحدنا مقدار الكم الذي يقع تحت أيدينا ومتاح أمامنا استغلاله، ولا نعرف كيف نتصرف فيه لعوامل كثيرة

من منا لم يخطط لعمل كذا وكذا مع بدايات اليوم؟ من منا لم تزدحم مخيلته بأشياء كثيرة يود إنجازها مع نهاية كل يوم، ولكنها لم تنجز؟ من منا لم يراجع نفسه؛ لأنه لم يعمل كذا، وفضل كذا، وكان قراره غير صائب، أو العكس كان قراره صائبا الى حد ما؟ من منا لم يغبط بما قدمه اليوم، او الأمس، ورأى في ما قدم عين الصواب، او أخطأ في ما قام به من عمل ولام نفسه آلاف المرات، وربما قسا على نفسه وعاتبها عتابا مرا، وربما أغلظ في التقدير، ولعن الظروف؟ – كما يحدث عند البعض منا – مع أن الظروف والمسببات والزمن كلها أدوات نحن من يقدمها لمشاريع الحياة اليومية؟ ومنا من يجعلها ملائمة لما نحن نعمل فيه، او العكس، ولذلك يأتي النهي حازما، كما جاء في الحديث القدسي: «يؤذيني ابن آدم يسبّ الدّهر وأنا الدّهر أقلّب الليل والنهار» كما هي الرواية عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ التي أخرجها البخاري ومسلم، كل هذا الحوار «المنولوجي» يحدث عند كل منا، وبصورة يومية، إلا الاستثناء، والاستثناء في هذه الحالة قليل جدا، فالإنسان بطبيعته الفطرية يسعى الى الارتقاء، ويسعى الى التطور، ويسعى الى السمو، نعم قد تخونه الظروف، كما يقال، وقد يخونه التخطيط، وقد تخونه الإمكانيات – بشقيها المادي والمعنوي – وقد لا يسعفه الحظ، كما هو الفهم عند البعض، ولكن السؤال هنا أكثر؛ ما هي نتيجة كل هذا على الواقع، وما هو المنجز من كل الأفكار التي تراودنا، وتضغط على مخيلتنا، وما هو مستوى قدرتنا للتفاعل مع «الآنية» وأشدد هنا أكثر على هذه «الآنية» لأن هذه الحالة التي قد تكون مادية في موقف، وقد تكون معنوية في موقف آخر، هي لها الدور الأكبر فيما ننجز، وفيما نخفق، فيما يضعنا في صدارة المشهد، وفيما يرجعنا الى الخلف أشهر وربما سنوات، ولذلك يذكر، أن نجاحات البعض هي قوة استغلالهم للمواقف وللظروف، فما يمكن تناوله في لحظة ما، لا يمكن تناوله في ظرف مختلف، ولذلك هناك من الناس، من أعطاهم الله القدرة على اصطياد المواقف، وتحقيق ما يخفق الآخرون في نفس الموقف تحقيقه، وهذه حقيقة معايشة لا جدال حولها.

نطرح هذه الأسئلة الاستهلالية لنقف أكثر على مشاريعنا المؤجلة، ولنقف أكثر على مجموعة الـ «تسويفات» التي نقنع بها أنفسنا، بأن في العمر متسعا أطول؛ فلا زلنا في بداياته الأولى: عشرين، ثلاثين، أربعين، خمسين، وبأن في العمر فرصا أكبر فالحاضر لا يكاد يلبي الغرور، وبأن في العمر مساحة أوسع للعطاء واقتناص الفرص، وبأن في العمر مجموعة اكثر من التقاطعات والاتفاقات وتبادل المصالح، ويمضي العمر، فإذا بنا نشارف على الخمسينيات، أو الستينيات، أو السبعينيات، ولا تزال الحالة تراوح مكانها، ولا يزال الحال؛ إن لم يكن أسوأ؛ فهو لا يرتفع سهمه الكاسب من رهانات النجاح كبيرا، ولا أوراقه الرابحة من هذا العمر الذي ولى كثيره أيضا، ونعود، بما لا شك فيه، مع هذه النهايات لنقول ونكرر وبكل أسف: يا ليت، ولو، وربما، وهكذا تستمرئ البشرية هذه اللذة العمرية التي أغلبها (متخيلة) كنوع من التعزية على كل ما فات، وعلى كل ما مضى، ويأتي الجيل التالي، فيعيش نفس الحالة، ويكرر نفس الأخطاء في ديمومة لا تعيشها إلا البشرية على وجه الخصوص.

استحضر هنا؛ في هذه المناقشة؛ قول الشاعر: «ما بين غمضة عين والتفاتتها: يغير الله من حال الى حال»، وهذا التغيير هو الذي يفضي الى كثير من العلاقات التي تحيط بنا، فحياتنا مجموعة من العلاقات القائمة، سواء مع الآخر الذي نتقاسم معه مختلف شؤون الحياة؛ والذي يلومنا ونلومه، او مع أنفسنا نحن، التي نعيش معها حالات من المخاض، ومن التصادم، ومن التوافق، ومن التكامل في مواقف مختلفة كثيرة وبصورة يومية، ولأننا مسيرون ومخيرون في ذات الوقت، فكثير من أفعالنا، وقراراتنا، ومواقفنا تنزوي تحت خانة «مخيرون» ففي دراسة حديثة تشير الى أن ما نسبته (90%) من أفعالنا وسلوكياتنا تقع تحت هذه النسبة التي تكاد مطلقة الى حد بعيد، والمتبقي (10%) هو ما يقع في خانة «مسيرون» والقاعدة التي تشير الى ذلك تقول: « على أن(10%) من الحياة تتشكل من خلال ما يحدث لنا، و الـ(90 %) الباقية يتم تحديدها من خلال ردود أفعالنا» فليتخيل أحدنا مقدار الكم الذي يقع تحت أيدينا ومتاح أمامنا استغلاله، ولا نعرف كيف نتصرف فيه لعوامل كثيرة، منها قلة الخيرة في الحياة، ومنها حداثة السن، ومنها العوامل النفسية المختلفة؛ من حيث العجلة والشطط، ولو أدركنا كل هذه الحقائق؛ لاستقامت تصرفاتنا في هذه الحياة، ولو أدركنا هذه الحقيقة، لكانت الحياة اليوم جنة من جنان الآخرة، ولوصل الإنسان الى مراتب عليا من التقدم المعرفي، والحضاري، أكثر بكثير مما هو عليه الآن، بمعنى لكانت الغالبية العظمى من الناس تعيش في هذا الرفاه؛ بكل ما تحمله كلمة «رفاه» من معنى، ولكن لعلها سنة الله في خلقه أن يظل هذا التفاوت النسبي بين البشر، لتبقى الحاجة ماسة للآخر، فلو وصل الناس الى مستوى متساو لأثر ذلك على مسيرة الحياة، فسبحان الله «ولله في خلقه شؤون».

تمتلئ ذاكرتنا بالكثير من المشروعات، وتزدحم بالكثير من الخطط والبرامج، وتتضخم أجنداتنا اليومية والشهرية والسنوية؛ بقائمة طويلة من ما نفكر فيه، ومن ما نريد أن ننجزه، ولا نقف عند هذا الحد فقط، بل يغالبنا الفضول الى السعي لما عند الآخر، نسأل عنه، ونتقصى خطواته، وتجتهد في تتبعه، ولا يستبعد في خضم هذه الفضولية ان نتخطاه لكي نعرقل له خطواته، أو نقف له بالمرصاد حتى لا يكمل طريقه، في الوقت الذي لم ننجز ما بأيدينا، وربما لم نبدأ بعد بالتخطيط لما نحن مقبلون عليه، ولذلك تظل مشاريعنا «مؤجلة» بقراراتنا، و«مؤجلة» بإراداتنا، و« مؤجلة» بتفكيرنا، و«مؤجلة» بانتظاراتنا الكثيرة المتراكمة ، انتظارا بعد انتظار، لأن الغد في تقديرنا اكثر اتساعا لما نحلم الى تحقيقه، و«مؤجلة» مراعاة لقريب، او لصديق، او لصاحب مصلحة تربطنا به، أو «مؤجلة» لمزاج غير رائق في لحظة اقتناص الفرصة، نتكئ على كثير من هذه الأعذار عندما يطوفنا القطار، وعندما يودعنا الزمن الى غير رجعة، وعندما نرى الآخرين وقد ارتقوا سلم التفوق، ونعود من جديد الى مربعنا الأول، حيث قائمة النفس «اللوامة» والتي لن تجدينا نفعا، بقدر ما تترك في النفس حرقة تدمع على أثرها العين، فما فات قد فات، فالزمن هارب بذاته، وبصيرورته المعتادة، ولذلك يأتي الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِك، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِك، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِك، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِك، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» لأن المسافة الفاصلة بين الفعل وعدم الفعل، مسافة جد قصيرة، تحددها لحظات من الزمن المربك؛ عادة؛ لحساباتنا.

ففي الوقت الذي نرى فيه أننا ممسكون بالزمن، وأننا مطوعينه لمصالحنا وتحقيق أهدافنا، في تلك اللحظات يتملص الزمن من بين تقديراتنا هذه، ولا نرى إلا فوات العمر، ولم يبق متسعا منه لانجاز ما نفكر فيه، وما نطمح فيه، وفي الوقت نفسه ان الظروف لا تعيش سيرتها الأولى، فهي متقلبة بحكم آلية الزمن نفسه، فالغنى لا يدوم، كما أن الفقر لا يدوم، والصحة لا تدوم، كما أن المرض لا يدوم، فتقلبات هذه الحالات هي التي تربك حساباتنا، حيث لا ثبات، وبالتالي فنحن كبشر نظل مأسورين لتقلبات الزمن وما يضمه بين دفتي البداية والنهاية من حالات، المسألة برمتها محكومة بتوازنات نفسية ومادية وخبرات حياة، ولا تأتي اطلاقا من وحي الصدف، ومن أوتي الحكمة في تدبير كثير من أموره، فقد كسب الرهان حقا، ولعله اليوم في ظل نمو المعرفة سوف يمكن لهذا الإنسان أن يكون أكثر قدرة على تقنين وقته، وتحديد أهدافه، والتحكم فيما يود انجازه.