أفكار وآراء

القطاع المصرفي في 47 عاما

18 نوفمبر 2017
18 نوفمبر 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

لعب القطاع المصرفي العماني خلال السنوات السبع والأربعين الماضية من عمر النهضة المباركة دورا كبيرا في تعزيز عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد من خلال الأسس التي وضعها البنك المركزي العماني منذ إنشائه في عام 1974. ونجح البنك المركزي في وضع النظام الرقابي والتشريعي القوي للوضع المالي خلال العقود الأربعة الماضية، وأصدر العديد من اللوائح والقوانين لتسهيل النمو الاقتصادي في البلاد مع ضمان الاستقرار المالي. وقد حقق البنك المركزي العماني العام الماضي تقدما ملحوظا في ضمان تهيئة الأطر التنظيمية والسياسات الإشرافية التي تفي بظروف التشغيل المتغيرة واحتياجاته، وخدمة الاقتصاد في الوقت نفسه من خلال خدمة الهدف الرئيس المتمثل في ضمان الاستقرار المالي لتسهيل النمو الاقتصادي.

وخلال السنوات الماضية اعتمد مجلس محافظي البنك المركزي العماني الكثير من اللوائح لضمان امتثال السلطنة للتشريعات الدولية ولأفضل الممارسات المصرفية العالمية، بجانب ضبط قوانين وسياسات أخرى لتلبية الاحتياجات المحلية. كما ساهم البنك المركزي مع عدة جهات معنية أخرى في إصدار قانون لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتعامل مع المنظمات المالية الدولية في الكثير من القضايا التي تهم العمل المصرفي بما فيها سياسات تحسين الإدماج المالي، واعتماد المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية، والعمل بما تسير عليه الدول من خلال تنفيذ وتطبيق الأسس التي وضعتها لجنة بازل فيما يتعلق برؤوس أموال المؤسسات المالية وتقديم السيولة للأفراد والمؤسسات، حيث اتخذ البنك المركزي العماني عدة إجراءات رقابية واحترازية خلال الفترة الماضية بما يتماشى مع تلك المعايير الدولية، وجرى إصدار التعليمات النهائية لبازل 3 خلال السنوات الماضية من أجل إضافة المزيد من الدعم والرصانة لعملية الإشراف المصرفي. وقد أثبتت تقارير اختبارات الضغط التي أجريت في هذا الشأن أن النظام المصرفي العماني بشكل عام قادر على الصمود في وجه مختلف الصدمات.

كما يراقب البنك المركزي جميع التطورات التي تؤثر على الاقتصاد المحلي سواء فيما يتعلّق بالأوضاع السياسية في المنطقة، أو أسعار النفط أو غيرها من القضايا التي تتعرض لها المنطقة، مثل نسب نمو اقتصادات الدول فيما يتعلق بالمشاركة التجارية، ويقيّم دائما المخاطر الاقتصادية في أي عمل مصرفي يقوم به، فيما يظل العمل المصرفي في السلطنة مرنا وسط تلك الظروف الاقتصادية الصعبة، فيما نرى أن المخاطر قصيرة المدى على الاستقرار المالي في طريقها للهدوء مع استقرار أسعار السلع الأساسية، والتحرك البطيء في أسعار النفط العالمية، وقيام المؤسسات المعنية بتخطيط أفضل للموارد المالية العامة. وفي هذا الصدد يشير التقرير المالي الأخير الصادر عن البنك المركزي العماني إلى أن التحسن النسبي في أسعار النفط الخام والإصلاحات المالية الجارية، والأداء المالي المرضي من قبل القطاع المصرفي، يعني أنّ المخاطر قصيرة الأمد على الاستقرار المالي تراجعت في عام 2016 والتي تتضح من معظم مؤشرات الاستقرار المصرفي. كما يظهر مؤشر الاستقرار المصرفي أيضا استقرار القطاع المصرفي؛ إذ حافظ القطاع على أصول وأرباح وسيولة جيدة “إلى حد ما”. وعلى الرغم من بعض التباطؤ في الأنشطة الاقتصادية، فقد واصل القطاع المصرفي التوسع في امتيازات الائتمان، وقد بلغ إجمالي الموجودات (صافي) القطاع المصرفي 30.25 مليار ريال عماني في نهاية عام 2016، وبذلك سجل نموا بنسبة 6%، وهي نسبة أقل من نمو السنوات السابقة. ومع ذلك، فإن تباطؤ النمو كان متوقعا بالنظر إلى ظروف الاقتصاد الكلي الصعبة التي تواجهها السلطنة، والبنوك التي تحتاج إلى التكيف مع الوضع الطبيعي الجديد لخفض أسعار النفط وارتفاع أسعار الفائدة. وعلى الرغم من هذه التعديلات قصيرة الأجل، فإن القطاع المصرفي في السلطنة يتأسس على قاعدة نمو صلبة، وسوف يتضح ذلك خلال السنوات القليلة المقبلة على خلفية جني ثمار التنويع الاقتصادي، وفي ظل خطط برنامج “تنفيذ” الطموحة.

إن البنك المركزي العماني يقوم منذ تأسيسه بدور حيوي ومؤثر على صعيد النظام المصرفي في السلطنة بوجه خاص، والأداء المالي والنقدي للاقتصاد الوطني بوجه عام، بما في ذلك متابعة مختلف التطورات النقدية والمصرفية، إقليميا ودوليا، والتفاعل النشط معها، بما يحمي المصالح العمانية ويحافظ على القيمة الفعلية للريال العماني. وقد اتخذ البنك المركزي العماني وبالتنسيق مع البنوك العاملة في السلطنة العديد من القرارات من اجل تيسير تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة في البلاد والتي أخذت نتائجه الإيجابية في الظهور، سواء بالنسبة للأعداد المتزايدة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يتم تمويلها، أو من خلال استيعابها لأعداد متزايدة من المواطنين الراغبين والمتطلعين الى إقامة وتطوير مشروعاتهم الخاصة. وفي شهر أبريل من العام الحالي أخذ مجلس محافظي البنك المركزي العماني قرارا له دلالة كبيرة يتعلق بزيادة رأسمال البنك من 760 مليون ريال عماني الى مليار ريال عماني، وهي زيادة كبيرة تجاوزت 31.5% من رأسمال البنك. ولا شك أن هذه الخطوة لا تعبّر فقط عن قوة وحيوية الاقتصاد العماني، والنظام المصرفي في السلطنة بوجه خاص، بل إنها تعبر كذلك عن التوجه نحو زيادة قدرات البنك المركزي العماني في القيام بدوره الفاعل لتحقيق الأهداف التي اكد عليها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – وفي مقدمتها العمل على تنويع مصادر الدخل، وتقديم المزيد من التيسيرات للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، لتتحول الى احد اهم ركائز التطوير الاقتصادي والاجتماعي.

فالقطاع المصرفي في السلطنة يعتبر اليوم من أهم قطاعات الاقتصاد في البلاد بل أحد أبرز القطاعات تطوراً وجذبا للكوادر العمانية، حيث تجاوزت نسبة التعمين في هذا القطاع 92%، ويعتبر من أكثر القطاعات كفاءة مما جعله لاعباً أساسياً في الحفاظ على التوازن المالي والاستقرار الاقتصادي، وداعماً هاماً للحركة التنموية في السلطنة، وفي مقدمتها دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمساعدة على توفير فرص العمل والحد من البطالة.

فهذا القطاع يتكون من البنك المركزي ومجموعة من المصارف التجارية والمتخصصة العاملة في السلطنة من البنوك المحلية والأجنبية والمتخصصة والإسلامية. ويعمل القطاع على تعزيز الثقة والشفافية في العمليات المصرفية في الاقتصاد العماني، الأمر الذي حظي باهتمام متواصل من قبل مؤسسات الدولة، واستطاع أن يحقق نقلة نوعية قانونية وتنظيمية وهيكلية جعلت منه أحد أكثر قطاعات الاقتصاد العماني تطوراً وكفاءة وقدرة على التعامل مع التطورات المحلية والإقليمية والدولية. كما ساعدت النظم والقوانين والإجراءات السارية في السلطنة الأخذ بهذا القطاع وتعزيز الثقة فيه وبالنظام المالي والمصرفي العماني، وتمكين الزبائن من الحصول على خدمات ممتازة، وضمن ضوابط وقيود قانونية مناسبة تضمن توجيه الاستثمارات إلى القطاعات التي تسعى الدولة إلى تنويعها وزيادة دورها في الاقتصاد الوطني. فالقطاع المصرفي العماني يتميز اليوم بالاستقرار والكفاءة العالية والقدرة على الاستجابة للمتغيرات التي تفرضها مختلف التطورات الاقتصادية الإقليمية والدولية والتوجه المتزايد نحو تحرير الخدمات المالية في إطار منظمة التجارة العالمية.

إن القطاع المصرفي العماني يعمل اليوم بكل كفاءة واقتدار من أجل دعم المسيرة التنموية التي أرسى قواعدها جلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه، والذي يترأس مجلس محافظي البنك المركزي العماني. فهذا القطاع منذ تأسيسه يعمل على دعم جهود التنمية الوطنية في مجالات ذات أهمية اقتصادية واجتماعية كالإسكان والصناعة والتجارة والزراعة والثروة السمكية وغيرها من القطاعات الأخرى. ومع كل جديد، فان البنك المركزي العماني يعيد النظر في الدور الذي يقوم به من أجل مواكبة التطلعات الوطنية وتعميق التعاون بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص في تنفيذ خطط برامج التنمية التي تحتاج إليها البلاد، مع العمل على إطلاق العديد من الإجراءات التنظيمية، وتوجيه البنوك لتحديد مواقع الضعف لديها، وإعادة تحديد أنظمة الحماية من المخاطر لتكون أكثر أمنًا، مع الاستفادة من الفرص المتاحة والحذر من التعرض للأسواق المالية الخطرة.