1166583
1166583
إشراقات

الأوطــان عــزة وكرامة

16 نوفمبر 2017
16 نوفمبر 2017

الحذر من أن يؤتى الوطن من قِبَلِك -

هلال بن علي اللواتي -

إن الوطن أمانة في عنق كل مواطن، وتشمل مسؤولية تحمل هذه الأمانة كل فرد يقيم على أرضه، فإن العقل والعرف البشري الاجتماعي يؤكدان على شمولية هذه المسؤولية وعلى توجهها إلى كل من هؤلاء، وإن كان التأكيد متوجه إلى المواطن أكثر من غيره.

ويمكن تصور المسؤولية والأمانة في حق المواطن وغيره بمجموعة من التصاوير الممكنة والتي منها: ضرورة وعي الوطن، فإن الوطن ليس مجرد جنسية يحملها المواطن، فإن الوطن عبارة عن بيت جغرافي واسع، يتضمن أسرة كبيرة من المواطنين والمقيمين، ويتضمن ثروات جميلة وكثيرة، وهذا بحد ذاته يتطلب النظرة إليه بقلب عطوف، وعقل واع، ونفس لا تحمل سوى الهم لإنجاح المشروع الوطني على أكمل وجه.

ومنها: وعي الوطنية ومستلزماتها، فإن عنوان الوطنية يحمل في نفسه مجموعة من المفاهيم، ومجموعة من الأدوات، ومجموعة من الفعاليات والتي كلها تصب في تحقيق المشروع الوطني بامتياز، إن الوطنية تعني الإخلاص للوطن، وتعني بذل الجهد لأجل الوطن في مسيرته التنموية، وتعني الحفاظ على تراثه ومنجزاته، وتعني الإقدام بالتفكير الصحيح إلى خطوات تحفظ المصالح الوطنية، وتقديمها على المصالح الشخصية، والتعالي عن النفس ولذاتها لأجل لذة سمو الوطن وعلو شأنه في الوسط الدولي، إن الوطنية تعني الظهور بمظهر عزة الوطن، وبمظهر كرامة الوطن، وهذا يعني أن مثل هذا الظهور لن يحدد عند الحدود الجغرافية للوطن فقط، بل سيتجاوز إلى الحدود النوعية التي تقترن عادة بالجنسية، حيث الانتماء والتبعية، فإن إشارة مواطني الدول إلى مواطني دولة أخرى بالبنان والقول أن هذا من الدولة الفلانية، كأن يقال أن هذا «عماني» يؤكد على أن الحدود الجغرافية النوعية المؤطرة بأطر الجنسية ترافقه، ولا تغيب عنه، ما يجعل المرء أن يكون في موقع الحرص على التمثيل الجميل لوطنه، ويضعه في مكانة السفير الوطني الذي ينظر إليه الجميع بنظرة الحامل لأخلاق الوطن ويعكس موروثه الوطني بأبهى صوره، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة أن يعي المواطن حجم المسؤولية الوطنية التي يحملها على عاتقه، وأن عليه أن يحافظ على هذا الانتماء الجميل والغالي لوطنه، وعلى لوازم هذا الانتماء.

ومنها: فكما نعلم أن هناك دائماً من يقف أمام الجميل والكمال، ومثل هذا نشاهده في كل زمن وفي كل مكان، الأمر الذي يبعث إلى التفكير الجاد في عدة أمور، من قبيل: عدم تسليم النفس إلى السذاجة والاطمئنان لأي أحد، أو لأي فكر وسلوك فلابد من السبر غور المقابل، والتأمل فيما يحمله من أفكار وسلوكيات، وهل هناك ما يحتمل استهداف الوطن والوطنية، إن اطمئنان العاقل يختلف عن اطمئنان الساذج البسيط، وهذا الأمر يدعو كل مواطن إلى ضرورة الأخذ بأسس العقل والتعقل، وأن يكون ذو بصيرة من أمره، حتى لا تلتبس عليه اللوابس، وحتى لا يصبح لقمة سائغة لمن يريد النيل من الأوطان ومواطنيها ومن وطنيتهم، إن زمان اليوم يختلف عن زمان الأمس، فقد دخلنا في زمن ينبغي على الجميع أن يكون بمستوى من وعي لفهم وإدراك ورؤية الأحدث التي تحدث حوله، وليكن بمستوى من يقرأ ما تخفيه السطور من كلمات، فإنه مهما بلغ المرء من ذكائه فإن لابد وأن يضع فتات فضيحته، وبصمات مكره وخبثه، وهنا يتطلب على العاقل الوقوف على هذه الفتات وعلى تلك البصمات، يقال أن الشيطان لا يأتي إلى الناس إلا من خلال ما يحبون ويأملون ويحلمون به، فيأتي إلى التاجر من خلال تجارته، ويأتي إلى المهندس من خلال هندسته، ويأتي إلى المتدين من خلال تدينه ومحرابه، وهكذا، وما نجده اليوم فإنه قد كثر المتلبسون بلباس الدين، وما يضربون بتصرفاتهم سوى الدين، ويستهدفون من خلال اللباس الديني المقدس الدخول إلى البلدان الإسلامية والعربية لزعزعة أمنها، ولضرب الوطن والمواطنين والوطنية، لهذا على المرء أن يكون واقفا على الدين الإسلامي الحقيقي، وعلى معارف القرآن الكريم الصحيحة حتى لا يتمكن أولئك دس أفكارهم المسمومة في أبناء المجتمع، سواء كانوا في أوطانهم، أو كانوا في مهمة دراسية أو عملية خارج الوطن، فإن أولئك يتلمسون كل شيء لجذب شباب أوطان لا تعرف في مفرداتها الوطنية سوى السلم والتعايش السلمي والمحبة، فبعد أن تحقن في الشباب روح التدين المفرط، وتخرجه عن الاعتدال يتحول هذا الشاب ذو اللباقة الجميلة والهيئة الخلوقة إلى متطرف عدواني لا يفكر سوى في فرض معتنقه من الأفكار على أبناء وطنه، وتنشأ بهذا العداوات والخلافات وتتفرق الأسرة وتتمزق العشيرة، إن كل ما ذكر الآن يقودنا إلى هذه النقطة وهي : من الأمور التي يحتاج المواطن أن يأخذ بزمامها أن يتزود بالمعرفة الصحيحة والتي تقوده إلى ما ذكرناه قبل قليل، تقوده إلى وعي الساحة المحلية والإقليمية والعالمية، وتقوده إلى المراقب المحلل بعد أن كانت حالة البلاهة تغلب عليه، وتقوده إلى التعاطي مع كل مستجد بوعي ثاقب، فلا يدع لأي فكرة تمر عليه بسذاجة وبلادة، بل ينظر إلى إيجابياتها وسلبياتها، ويتأمل في كيفية الخروج من معترك الساحة الملتهبة بالفتن بربح وطني، وختاماً نقول فقد جاء في كلمات أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه: «إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثم أساء رجل الظن برجل لم تظهر منه حوبة فقد ظلم، وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غرر»، وورد عنه: «إذا كانت زمان العدل أغلب من الجور فحرام أن يظن بأحد سوءا حتى يعلم ذلك منه، وإذا كان زمان الجور أغلب فيه من العدل فليس لأحد أن يظن بأحد خيراً ما لم يعلم ذلك منه»، وورد عن الإمام جعفر بن محمد: «إذا كان زمان جور وأهله وأهل غدر فالطمأنينة إلى كل أحد عجز»، وورد: «لا تثقن بأخيك كل الثقة، فإن صرعة الاسترسال لا تستقال»، وفي عهد أمير المؤمنين علي قال لمالك الأشتر: «الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم، واتهم في ذلك حسن الظن»، وهذه الفقرة الأخيرة كتبت في كتاب عهدي يتمثل الدستور الوطني الذي كتبه الإمام علي لمالك الأشتر عندما ولاه مصر، فتأمل عزيز وكن حقاً المواطن الصالح الواعي الحكيم الذكي الفطن، وبالخصوص في هذا الزمن المتغير، ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد كما ندعو الله تعالى أن يحفظ مولانا صاحب الجلالة حفظه الله ورعاه وأن يمن عليه بشفائه وكرمه وعطائه، وأن يأخذ بيد كل مسؤول ومواطن إلى طاعته سبحانه واجتناب معصيته، وأن يمن علينا أهل عمان وعلى كل مقيم على أرضها الطيبة بالأمن والآمان والمحبة والتعايش السلمي اللهم آمين.