randa
randa
أعمدة

عطر : مي زيادة.. أيقونة سحر لن تتكرر

15 نوفمبر 2017
15 نوفمبر 2017

رندة صادق -

[email protected] -

ساحرة عصرها ونقطة جذب دار حولها كل من اقترب منها، وكأنها نواة لروح لا شيء يشبهها وطيف لفكرة جسدتها امرأة لم تقرر حياتها، بل عاشت طبيعتها بتلقائية وعفوية لم يفهمها الكثيرون والتبست عليهم هالتها، هي الأنثى التي لم يتمكن أي ذكر من ان ينسى ذلك، حتى تحولت حياتها الى مجموعة من العلاقات التي تبدأ ولا تنمو وكأنها تصطدم بحواجز هي نفسها لم تكن تدركها أو تعرف لماذا يحدث هذا معها؟

لعل قصص مي مع من أحبوها أكثر شهرة من كتبها ومن كلماتها، ولعلنا حين نقول “مي زيادة” لا يمكن ان نفصلها عن “جبران خليل جبران”. ضاع الأدب في حكايا الحب ونامت اللغة على كتف الأحداث، لطالما شغلتني شخصيتها ولطالما تخيلتها هي التي رأت النور في مدينة الناصرة الفلسطينية من أب لبناني وأمّ فلسطينية، عشقت الحياة ولكن بقلق وحزن حتى ابتلعها الحزن والقلق وأنهى حياتها وهي في الخامسة والخمسين من عمرها، اجتاحتها القصص وتركت أثرها في إبداع كل من أحبها، فهي التي قال فيها محمود عباس العقاد راثيا :”كل هذا في التراب.. آه من التراب”

من المقلق والمخيف حين تقرأ سيرتها الذاتية أن تعرف ان معظم من كان يرتاد صالونها الأدبي من كتاب وشعراء وأدباء ودبلوماسيين قد سيطر سحرها عليهم ووقع إما بحبها أو تمنى حبها، ومع هذا تموت وحيدة، بلا أسماء أو كلمات وداع تموت ويلفها صقيع الوحدة، وقد تخلى عنها سحرها وكل الهالة لتصبح امرأة لا جسد ولا روح، مجرد خبر في صفحة الوفيات، ومن المفارقات المؤلمة انه لم يكن بجنازتها إلا ثلاثة من أصدقائها هم:” خليل مطران” و”أحمد لطفي السيد” و”انطوان الجميل” وهي التي كان لديها من الأصدقاء ما لا يعد ولا يحصى.

قصة مي زيادة عبرة غريبة، فهي التي حصنت نفسها باتزانها رغم تحررها وانفتاحها، وبقيت على مسافة واحدة من كل من أحبوها، ولعل في جملتها التي كتبتها اختصارا لطبيعة المرأة التي تحب الإطراء والغزل:”إذا كان الثناء لا يروقني، فلماذا أشعر منذ أن حادثتني بأن شيئاً يبتسم فيّ بسرور ورضا؟”

لقد أحبت أن كثرا أحبوها، ولكن لم يتمكن أي واحد منهم من احتلال قلبها كما فعل “جبران خليل جبران”، رغم أنها لم تلتقه إلا على الورق وفي سيل الحبر، ولم تكن قصتهما الا قصة رسائل في الحب والشوق، ولعلهما معا لم يرغبا في اللقاء، فهما أدركا أن أروع قصص الحب تلك التي لا تنتهي بلقاء بل تبقى على موعد لا يأتي وانتظار لا ينتهي، فلا رغبة لكيلهما بجعل قصتهما نمطية التفاصيل.

استطاعت مي ان تزرع الحب في كلماتها وفي من حولها، ولكنها الكائن الذي نظر الى الحياة بمثالية، لذا لم يتحمل عقلها موت جبران ولا ما رأته من تناقضات، فغاصت بأحزانها وسكنتها كآبة عبثية الوجود ومعنى الحياة والموت والحب وزحف الصقيع الى جسدها، واتهمت بالجنون والغرابة، وأودعها أقاربها في مصحة عقلية، وكأن من يختلف عنا في رؤيته وأحاسيسه هو مجنون وجب دفنه حيا. تجربة قاسية عاشتها مي بعد وفاة جبران، وهما اللذان سميت قصتهما بقصة “العشق السماوي” المنزه عن الرغبة، طوى الموت جسدها وخُلدت امرأة بحدود الغرابة والأنوثة والشغف، وكأن الحياة وعدتها بأن تبقى أيقونة سحر لن تتكرر.