أعمدة

نوافذ: البرلمان وتحديات المجتمع

14 نوفمبر 2017
14 نوفمبر 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

افتتح صباح أمس في كل من مجلسي الدولة والشورى كلا على حدة دور الانعقاد السنوي الثالث للفترة السادسة لمجلس الدولة، وللفترة الثامنة لمجلس الشورى، وذلك استكمالا لكلا الفترتين في كل مجلس، واللتان سوف تنتهي فترة كل منهما الدستورية مع انتهاء دور الانعقاد السنوي الرابع في عام 2019م، حيث تبدأ الانتخابات الجديدة لمجلس الشورى، وسط تكهنات مجتمعية بمنافسة نوعية من قبل المقدمين على الترشح لعضوية مجلس الشورى للفترة التاسعة (2020 – 2023) وعلى الرغم من أن الحديث عن الفترة التاسعة القادمة سابق لأوانه، إلا أنه وقراءة للواقع فإن البرلمانات بشكل عام تعيش حالة حراك غير عادية، وبدأت تأخذ منحى أكثر أهمية في الذاكرة الجمعية، كما بدأت تأثيراتها المعرفية تتوغل أكثر في وعي الناس، وهذا مؤشر مهم لمدى المكانة التي يحتلها البرلمان في قائمة اهتمامات الجمهور، بغض النظر عن تعثره في بعض التجارب، وإن كان تعثرًا -ينظر إليه- مرحليًا، فالأجيال القادمة قادرة، وتملك أدوات كثيرة للانتقال به من مرحلة التموضع «المرحلة الخاملة» إلى مرحلة التأثير وإرباك الطرف الآخر «السلطة التنفيذية» اعتمادًا على مجموعة من الأدوات البرلمانية يقرها له الدستور في أي بلد يكون فيه.

يقينًا لا نغرد خارج السرب، عندما نقول، ونعي ذلك، أن للسلطنة خصوصيتها في مسيرة الشورى، وهذه الخصوصية تستمدها من مصادر مهمة ورئيسية، وأقربها مودة هو الرعاية السامية الكريمة التي تحظى بها من لدن المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي لا يزال ينظر إليها بعين المسؤول عن رعيته، من حيث التوجيه، والتدرج، والنظر بعين الفاحص لمتطلبات المرحلة التنموية التي وصلت إليها النهضة المباركة، وهو تدرج له ضرورياته وسط عالم يعيش شططا غير مسبوق في كثير من مناحي الحياة العامة، وبالتالي متى أخذت التجربة حقها الكامل من الممارسة، وغرس القيم المعرفية لمفهوم البرلمان، سواء في الذين ينتمون إليها انتماء مباشرًا كالأعضاء، أو المتابعين لتحولاتها الميكانيكية كجمهور، عندها ترتقي الممارسة تلقائيا، ويصبح مفهوم البرلمان مفهومًا مستوعبًا، ومهضوما، ويأخذ طريقه نحو التوظيف الصحيح للاختصاصات والقيم والمبادئ، وهذا هو النهج الذي تسير عليه السلطنة في تأصيل تجربتها الشورية «البرلمانية»، وما ميلاد المجالس البلدية المعنية بصورة مباشرة بالجانب التنموي، والمجالس الطلابية المعنية بصورة مباشرة بغرس القيم الشورية؛ إلا نموذجان لهذا الترقي في الممارسة، وهذا الاستيعاب في المفهوم، وهذا العائد في الناتج، وهذه كلها تسير نحو استحداث أدوات برلمانية أخرى غير المتحقق على الواقع، وذلك لإيجاد مجالس قادرة على العطاء بالصورة التي يمليها عليها الواجب الوطني والمجتمعي على حد سواء، وبالصورة التي تعكس مستوى الفهم الذي وصل إليه أبناء المجتمع في التعامل مع البرلمان.

تنشر وتبث وسائل إعلام مختلفة اليوم قضايا اجتماعية كثيرة، لم يسبق لها مثيل، تأخذ حيزًا كبيرًا من اهتمامات الرأي العام، مثل: «الإجهاض» والاعتداء الجنسي على الأطفال، وحالات الطلاق، وحالات التحرش الجنسي؛ وغيرها، وهذه كلها تبحث عن كثير من التشريعات التي تتوازى ومستوى التقدم الذي يسير عليه أبناء المجتمع، فالتشريعات الخاصة بها لا تزال عند مربعها الأول، ولا تتناسب وعمر التقدم، لأن هناك إغراقا وخطورة في مثل هذه الممارسات بدأ سقف ممارستها يرتفع، مما يشكل أحد المناخات التي تهدد أمن المجتمع، والملفت للنظر أن جل هذه القضايا الاجتماعية يهرع بها أصحابها إلى البرلمانات، إيمانًا منهم أن البرلمان سيبقى المعبر عن آمالهم وطموحاتهم، والارتقاء بسقف الأهداف التي يسعون لتحقيقها، ولأن البرلمان هو المخول الوحيد باسم الشعب القادر على مواجهة هذه الأفكار الفارضة نفسها بقوة الواقع والحاجة، وذلك من خلال إيجاد تشريعات قادرة على الحد من الإمعان في هذه السلوكيات وغيرها.