الملف السياسي

تعزيز المشاركة .. ودور تشريعي و رقابي متزايد !!

13 نوفمبر 2017
13 نوفمبر 2017

د. عبد الحميد الموافي -

ليس من المبالغة في شيء القول بأن مجلس عمان ، الذي يتكون من مجلس الدولة ومجلس الشورى ، عندما يجتمعان معا ، يمثلان الركيزة البرلمانية ، أو ما اصطلح على تسميته بالسلطة التشريعية ، في إطار الدولة العمانية الحديثة ، التي بناها ويتعهدها بالرعاية حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - كثمرة لمسيرة النهضة العمانية الحديثة ، التي انطلقت برؤية واضحة ، وعزيمة قوية ، وإرادة صلبة ، لتجاوز الواقع العماني الذي كان قائما في عام 1970 ، ولإرساء أسس وركائز دولة عصرية ومجتمعا متطورا ، يتمكن فيه المواطن العماني من تحقيق طموحاته وتطلعاته ، والتفاعل العميق مع تطورات العالم من حوله ، مع الحفاظ في الوقت ذاته على هويته وسماته الأصيلة وتقاليده التي ميزته وتميزه على هذه الأرض الطيبة .

واذا كان جلالته - اعزه الله - قد تحدث في العيد الوطني الأول - عام 1971 - عن « تثبيت حكم ديمقراطي عادل في بلادنا في إطار واقعنا العماني العربي وحسب تقاليد وعادات مجتمعنا»، وذلك كسبيل لتحقيق « مشاركة الشعب في تحمل أعباء المسؤولية ومهمة البناء » ، كما تحدث عن أن يكون لعمان تجربتها في مجال الممارسة الديمقراطية ، فإن إنشاء مجلس الدولة ، ومن ثم مجلس عمان ، وفق ما تضمنه النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ( 101 /‏‏ 96 ) في 6 نوفمبر 1996 ، كان في الواقع تتويجا لتطور الممارسة العمانية في مجال الشورى ، والتي بدأت مبكرا في إطار مسيرة النهضة العمانية ، واتخذت شكلها المؤسسي في صيغة المجلس الاستشاري للدولة ( 1981 - 1991 ) ثم مجلس الشورى العماني ، الذي حل محله اعتبارا من عام 1992 ، و أصبح خلال التسعينات من القرن الماضي ، وعبر ثلاث فترات له ، مجلسا منتخبا بكامل أعضائه ، الذين يمثلون ولايات السلطنة ، وبمشاركة كل المواطنين العمانيين - رجالا ونساء - ممن لهم حق الترشح والتصويت وفق القانون ، لينطلق مجلس عمان ، بجناحيه مجلس الدولة ومجلس الشورى ، اعتبارا من عام 1997 ليمارس دوره المنشود ، وليترجم خلاصة تجارب وممارسات وتقاليد عمانية سبقته ، ومهدت له ، وليكون إضافة على درجة عالية من الأهمية والتأثير على صعيد التنمية والبناء وترسيخ المشاركة الشعبية في صنع القرار ، دون قفز أو حرق للمراحل ، وبعيدا أيضا عن نقل تجارب الآخرين .

ومع الوضع في الاعتبار مجمل الظروف والتطورات السياسية والاجتماعية والسياسية ، سواء على الصعيدين الداخلي، أو الإقليمي ، سارت السلطنة خطوات متتابعة على طريق الشورى والتطور الديمقراطي ومن منطلق أساسي و أرضية راسخة تتمثل في الإدراك واليقين بأن مؤسسات الدولة العمانية العصرية ، إنما تنطلق من أرضية واحدة وتعمل ، جميعها ، من اجل تحقيق مصلحة الوطن والمواطن ، ومن ثم فإنها متكاملة عضويا في مهامها التنفيذية والتشريعية ، وتقوم على التعاون والتنسيق من أجل المصلحة العامة ، ولا تنجرف نحو المناكفات ، أو الاستعراضية والنجومية ، أو تسجيل المواقف على هذا الجانب أو ذاك تحت أي ظرف من الظروف ، وهو ما تعززه طبيعة المجتمع وتقاليده ، وقد تم العمل على تحقيق ذلك وترجمته عمليا خلال السنوات الماضية . أما القضاء العماني فإنه مستقل تماما ، وفق القانون ، وأحاطه النظام الأساسي للدولة بكل ضمانات الحفاظ على استقلاليته ، بما في ذلك تجريم التدخل فيه أو محاولة عرقلته على أي نحو، ليقوم بدوره ، ولتحقيق العدالة ، وتيسير سبل وسهولة الحصول عليها بالنسبة المواطن العماني ، ضمانا لحصوله على حقوقه التي كفلها القانون ، وعلى قدم المساواة ، وفي إطار حق المواطنة التي يتمتع بها المواطن العماني . وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي :

*أولا : انه إذا كان المجلس الاستشاري للدولة ( 1981 - 1991 ) كان بمثابة مرحلة تدريبية على العمل المؤسسي ، وعلى مشاركة المواطن في هذا المجال ، وتدريب وإكساب مسؤولين حكوميين خبرة التعامل في هذا المجال ، وإتاحة الفرصة للاقتراب والتفاعل والمناقشة والتساؤلات من جانب المواطنين لعمل الحكومة ، وهو ما استمر عشر سنوات ، حظي خلالها بتشجيع كبير من جانب جلالته للمجلس الاستشاري للدولة ولأعضائه ، فإن مجلس الشورى كان بالفعل نقلة نوعية ، على طريق بناء مؤسسات الشورى والديمقراطية في السلطنة ، وفق الأسس البرلمانية المتعارف عليها ، ترشيحا وانتخابا ، وقواعد عمل ، وصلاحيات واختصاصات وحصانات ، وهو ما اكتمل بإنشاء مجلس الدولة - الذي يعين جلالة السلطان أعضاءه من بين الخبرات العمانية المشهود لها من بين الفئات التي حددتها المادة 58 مكرر ا (1 ) ، وبإنشاء مجلس عمان ، فإن ما تضمنه النظام الأساسي للدولة وتعديلاته ، بهذا الخصوص ، الباب الخامس من النظام الأساسي للدولة والذي جاء تحت اسم « مجلس عمان « ، قد أوضح في 45 مادة ، هي المادة 58 والمواد من المادة 58 مكررا (1 ) حتى المادة 58 مكررا (44 ) ، كل ما يتصل بمجلس عمان ، من حيث العضوية ، وشروطها وكيفية انتهائها ، والتشكيل والانتخاب بالنسبة لمجلس الشورى ، والأحكام المشتركة بين المجلسين وحقوق الأعضاء وحصاناتهم خلال ممارستهم لدورهم ، والفترات وأدوار الانعقاد والاختصاصات لمجلس عمان ، ويعني ذلك ببساطة أن مجلس عمان ، المكون من مجلس الدولة ومجلس الشورى ، وبالضوابط والأسس والقواعد والشروط والاختصاصات والصلاحيات التي يمارسها ، اصبح جزءا أصيلا ، في النظام السياسي ، وركنا أساسيا من أركان الدولة العصرية ، بحكم النظام الأساسي للدولة ، وهو الوثيقة الدستورية التي تحدد أسس الحكم واختصاصات مؤسسات وأجهزة الدولة المختلفة والقواعد الأساسية الحاكمة لها والموجهة لسياسة الدولة في المجالات المختلفة . ثم فان أي تعديل في هذا المجال يتطلب تعديل النظام الأساسي للدولة ، وبالكيفية التي نص عليها النظام نفسه .

*ثانيا : انه مع تبلور ووضوح وتكامل البناء المؤسسي على الصعيد البرلماني في السلطنة وتضمينه النظام الأساسي للدولة ، فإن التفعيل والتطبيق على المستوى العملي ، خلال العشرين عاما الماضية ، أي منذ انشاء مجلس عمان ، قطع في الواقع شوطا كبيرا ، وملموسا بشكل متزايد ، خاصة على صعيد استقرار وفاعلية وسهولة الأداء ، سواء في مجلس الشورى ، أو في مجلس الدولة ، أو في إطار المجلسين عند اجتماعهما معا ، أي في إطار مجلس عمان ، أو حتى في علاقة مجلس عمان ومجلس الوزراء . وإذا كان مجلس الوزراء يقوم بدوره ومهامه على مستوى الجهاز الإداري للدولة ، ومن خلال الوزارات والمؤسسات المختلفة ، فان مجلس عمان هو في الواقع حلقة الوصل القوية والأساسية بين الحكومة والمواطنين ، وبمعنى آخر هو مساحة التفاعل والتداخل أيضا بين الحكومة والمواطنين ، وذلك بحكم الصلة الوثيقة ، والدائمة بين أعضاء مجلس الشورى كأعضاء منتخبين ، انتخابا حرا ومباشرا من جانب المواطنين في الولايات ، وبين أبناء الولايات من ناحية ، وبحكم ثقل ومكانة المكرمين أعضاء مجلس الدولة ، الذين يعينهم جلالة السلطان في عضوية المجلس ، في المجتمع من ناحية ثانية . وبينما تطورت النظرة إلى عضو مجلس الشورى وعضو مجلس الدولة ، ولمهامهما ولدور مجلسي الدولة والشورى أيضا ، سواء على مستوى المواطنين ، أو على مستوى المسؤولين ، فإن الأداء البرلماني يسير بالتأكيد نحو الأفضل ، ويكسب دوما مزيدا من التفهم والتعاطف والمساندة من جانب المواطنين ، الذين يدركون بشكل متزايد قيمة وأهمية المشاركة السياسية في الانتخابات ، ترشيحا وتصويتا ، وفي ممارسة حقوقهم السياسية ، وواجباتهم في مجلس عمان أيضا . ومع تطور ثقافة الانتخاب والمشاركة السياسية ، وهو ما ساعد عليه كثيرا تشجيع جلالة السلطان المعظم لأعضاء مجلس عمان للقيام بدورهم الوطني من ناحية ، والأخذ بأسلوب الانتخاب لتشكيل مجالس إدارات غرفة تجارة وصناعة عمان ، وجمعيات المجتمع المدني ، وتشكيل المجالس المحلية في المحافظات من ناحية ثانية ، فإن مجلس عمان يقوم في الواقع بدور بالغ الأهمية ليس فقط على صعيد دعم وتعزيز وتوسيع نطاق المشاركة السياسية للمواطنين ، بأشكال مختلفة ، ولكنه يقوم كذلك بدور بالغ الأهمية في التوعية والتنوير وإيضاح جانب من الجهود التي تقوم بها الحكومة وأجهزة الدولة المختلفة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وذلك من خلال الاختصاصات والدور الذي يقوم به كل من مجلس الشورى ومجلس الدولة ، خاصة وأن هناك آليات متعددة للتعاون والتنسيق بين الحكومة وبين مجلس عمان ، وذلك من خلال اللقاءات بين أعضاء المجلسين بتوجيه من جلالته ، أو من خلال الاجتماع بين مجلس الوزراء وبين أعضاء مكتب مجلس الدولة ، وبينه وبين أعضاء مكتب مجلس الشورى ، أو من خلال آلية العمل بين مجلس عمان ومجلس الوزراء والسبل التي تسلكها مقترحات أو مشروعات القوانين ، حتى تصدر بموجب مرسوم سلطاني لتصير قانونا معمولا به . وفي افتتاح جلالته لمجلس عمان في 31 أكتوبر 2011 قال جلالته «نتطلع إلى نقلة نوعية للعمل الوطني الذي سيقوم به مجلس عمان في المرحلة القادمة في ضوء ما أتيح له من صلاحيات موسعة في المجالين التشريعي والرقابي ولا ريب أن التحديات كبيرة غير اننا على ثقة تامة من أن جميع أعضاء المجلس سوف يمارسون دورهم الفاعل ويقدمون جهدهم وعطاءهم الباذل من اجل السير قدما بهذا الوطن الغالي نحو آفاق العزة والمجد والرقي والازدهار والأمن والاستقرار واضعين نصب أعينهم تلك المسؤوليات الجسيمة التي توجب على مجلسهم كهيئة تشارك في صنع القرار.... وبديهي أن هذا الأمر يقتضي تعاونا أكبر وتنسيقا أكثر بين الجهات الحكومية ومجلس عمان خاصة وبينهما وبين القطاع الخاص والجمعيات والهيئات المدنية بشكل عام ».

* ثالثا : على صعيد الاختصاصات والصلاحيات التي يتمتع بها مجلس عمان تشريعيا ورقابيا ، وهي الصلاحيات التي اتسعت كثيرا بموجب تعديل النظام الأساسي للدولة ، الذي قام به جلالة السلطان المعظم ، في عام 2011 ، ومنح من خلاله اختصاصات عديدة دعمت الدور التشريعي والرقابي لمجلس عمان ، وخاصة مجلس الشورى وتتضمن المواد من المادة 58 مكررا (26 ) حتى المادة 58 مكررا ( 44 ) ما يتصل بأدوار انعقاد واختصاصات مجلس عمان ومن أبرزها على سبيل المثال أن مشروعات القوانين التي تعدها الحكومة تحال إلى مجلس عمان لإقرارها أو تعديلها ثم رفعها مباشرة إلى جلالة السلطان ولمجلس عمان حق اقتراح مشروعات قوانين وإحالتها إلى الحكومة لدراستها ثم إعادتها إلى المجلس لاتخاذ إجراءات الإصدار أو التعديل المعروفة بشأنها وتحال مشروعات خطط التنمية والميزانية السنوية للدولة من مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى لمناقشتها وإبداء توصياته بشأنها ثم إحالتها إلى مجلس الدولة لمناقشتها وإبداء توصياته بشأنها وإعادتها إلى مجلس الوزراء مشفوعة بتوصيات المجلسين وهو ما يضعه مجلس الوزراء في الاعتبار ويخطر المجلسين بما يتم الأخذ به من توصياتهما وأسباب ذلك . من جانب آخر فإن جهاز الرقابة المالية والإدارية يرسل نسخة من تقريره السنوي إلى كل من مجلس الشورى ومجلس الدولة ، وعلى وزراء الخدمات موافاة مجلس الشورى بتقارير سنوية عن مراحل تنفيذ المشروعات الخاصة بوزاراتهم وللمجلس دعوة أي منهم لتقديم بيان عن بعض الأمور الداخلة اختصاصات وزارته ومناقشته فيها ، هذا فضلا عن تقديم الأسئلة وطلبات الإحاطة والمناقشة ، وحتى استجواب أي من وزراء الخدمات في الأمور المتعلقة بتجاوز صلاحياتهم بالمخالفة للقانون ورفع نتيجة المناقشة في هذا الشأن إلى جلالة السلطان . وفي افتتاحه لمجلس عمان في 12 نوفمبر 2012 قال جلالته « نحن نأمل أن تشهد قاعات هذا الصرح الكبير الذي افتتحناه باسم الله وعلى بركته طرحا بناء للأمور ومعالجة حكيمة لها تظهر من خلالهما لكل من يراقب هذه التجربة في الداخل أو الخارج قدرة العمانيين الواضحة على المشاركة بالفكر المستنير والرأي الناضج في صنع القرارات التي تخدم وطنهم وترقى به وتحقق له مكانة بارزة ومنزلة سامية بين الدول» . وإذا كانت الفترة الماضية قد شهدت تعاونا وتنسيقا ملموسا بين مجلس الوزراء ومجلس عمان ، فإن الفترة القادمة تتطلب مزيدا من التعاون والتنسيق بينهما لمواجهة التحديات التي تطرحها التطورات على الأصعدة المختلفة ، ولتحقيق مزيد من التقدم والازدهار عبر التكامل العضوي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لتحقيق صالح الوطن والمواطن .