الملف السياسي

رؤية واضحة .. وآليات عملية للتمكين المجتمعي

13 نوفمبر 2017
13 نوفمبر 2017

بشير عبد الفتاح -

,, جهود مجلس عمان من أجل تحقيق التنمية المستدامة والشاملة إنما تأتى منسجمة ومتناغمة مع المعادلة الحاكمة لكافة تحركات الدولة العمانية بهذا الصدد، وهي التي تستند بدورها على قواعد وطنية رئيسية ,,

لما كانت أية عملية تنمية شاملة ومستدامة تتطلب إطارا قانونيا وهيكلا مؤسسيا لضمان استمراريتها وإنجاحها فقد حرصت القيادة الحكيمة لجلالة السلطان المعظم – حفظه الله ورعاه - على مأسسة المشروع التنموي الوطني وتأطيره قانونيا، ففي سياق مساعيه الحثيثة لاستكمال مسيرة الديمقراطية، وحرصه البالغ على إنجاح عملية التنمية الشاملة والمستدامة في السلطنة، بالتوازي مع تفعيل دور المواطن في هذا المضمار الوطني الرحب أصدر جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه - المرسوم السلطاني رقم 86/‏‏1997 القاضي بإنشاء «مجلس عمان» من أجل تأطير ومأسسة الخطط والمشاريع التي وضعها جلالة السلطان، وبلورة مرئياته وتصوراته ضمن استراتيجيات متكاملة ورصينة، بما يضمن تحقيق الأهداف المرجوة وبلوغ الغايات المنشودة من عملية التنمية، على النحو الذي يعود بالنفع العميم على الوطن والمواطن.

وفى مسعى منه لتحقيق التكامل بين جهود المواطن وتحركات الدولة عمدت القيادة السياسية إلى أن يشتمل الهيكل المؤسسي لمجلس عمان على مجلسين: أحدهما مجلس الدولة والآخر مجلس الشورى، في خطوة من شأنها أن تعمل على توسيع قاعدة المشاركة في الرأي والعطاء، بما يؤدي إلى تعظيم الاستفادة من خبرات أهل العلم وذوي الخبرة والاختصاص في مختلف المجالات بالسلطنة، كما يسهم في تنفيذ استراتيجية التنمية الشاملة وخدمة الصالح العام، وبذلك يكون مجلس الدولة مؤسسة شورية ذات شخصية اعتبارية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، كما تمثل رافدا حيويا للمشاركة الوطنية والإسهام في دراسة مختلف القضايا بدقة وموضوعية، وإعداد الدراسات والبحوث وخطط العمل التي تسهم في تنفيذ خطط التنمية الوطنية، وتساعد في إيجاد حلول مناسبة لكافة المشكلات والقضايا المطروحة، علاوة على اقتراح مشروعات القوانين وإحالتها إلى الحكومة لدراستها، ومن ثم إعادتها إلى المجلس بعد مراجعتها من قبل مجلس الشورى، إضافة إلى مناقشة مشروعات خطط التنمية والميزانية السنوية للدولة المحالة من مجلس الشورى وإبداء التوصيات بشأنها وإحالتها إلى مجلس الوزراء مشفوعة بتوصيات كل مجلس، فضلا عن إقرار أو تعديل مشروعات القوانين المحالة من مجلس الشورى، وكذلك دراسة ما يحيله جلالة السلطان إلى المجلس من موضوعات ورفعها إلى جلالة السلطان.

وتوخيا للارتقاء بمستوى أدائه حرصت قيادة البلاد الحكيمة على أن يتكون مجلس الدولة من رئيس وأعضاء ذوى خبرات عُمانية رفيعة مختارة في مختلف المجالات، وألا يتجاوز عددهم بالرئيس عدد أعضاء مجلس الشورى، وأن يعينوا بمرسوم سلطاني، وينتخب مجلس الدولة من بين أعضائه لمثل فترته في أول جلسة له نائبين للرئيس، وإذا خلا مكان أي منهما ينتخب المجلس من يحل محله إلى نهاية فترته، وفي جميع الأحوال يكون الانتخاب بالاقتراع السري المباشر وبالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس. وتكون فترة المجلس أربع سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ أول اجتماع له، على ألا تقل في جميع الأحوال عن فترة مجلس الشورى.

ومن أجل تمكينه من مباشرة مهامه على الوجه الأكمل صدر في عام 2011م المرسوم السلطاني السامي رقم 39/‏‏2011م القاضي بمنح مجلس عُمان كافة الصلاحيات التشريعية والرقابية، وفقا لما بينه النظام الأساسي للدولة، وقد شكلت لجنة فنية من المختصين لوضع مشروع تعديل على أحكام ذلك النظام، بما يمنح مجلس عُمان تلك الصلاحيات ويفعلها على الفور.

وفى هذا المضمار تبنى مجلس عمان عددا من المشاريع والمبادرات الاستراتيجية التي تهدف إلى تطوير التعليم في السلطنة بما يواكب أحدث الصيحات العالمية، وكان من أبرزها: مشروع فلسفة التعليم في سلطنة عمان، والاستراتيجية الوطنية للتعليم في سلطنة عمان 2040، وذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة، فضلا عن إشراف المجلس على إعداد قانوني التعليم المدرسي والتعليم العالي، والنظام الوطني لإدارة جودة التعليم العالي. وانطلاقا من إدراكها لأهمية التعليم والتدريب كأساس للتحول إلى اقتصادات مبنية على إنتاج المعرفة واستعمالها في إنتاج سلع ذات قيمة مضافة عالية لتعزيز قدراتها التنافسية صاغت الدولة العمانية من خلال مجلس عمان رؤية مستقبلية للاقتصاد العماني تتطلع إلى بناء نظام تعليمي يحقق تكافؤ الفرص بين المواطنين، ويتم توفيره من خلال نظام يتسم بفعالية التكاليف ويستجيب ويتكيف مع احتياجات سوق العمل، وتمت هيكلة تعليم جامعي وفني وتدريب مهني على قاعدة متينة من التعليم الأساسي والثانوي، ويعمل على تلبية الاحتياجات المتجددة من المهن والمهارات الفنية لسوق العمل. وجلية برزت ملامح اهتمام السلطنة بالعملية التعليمية، حيث بلغت جملة المصروفات على قطاع التعليم في موازنة السلطنة لعام 2015 وحده 14.3% من جملة المصرفات المقدرة 14 مليارا و100 مليون ريال عماني شملت (جامعة السلطان قابوس والمستشفى التعليمي، ووزارة التربية والتعليم، وقطاع التعليم التقني والتدريب المهني، ووزارة التعليم العالي، والمجلس العماني للاختصاصات الطبية، والمعاهد الصحية، والمديرية العامة للتعليم والتدريب، ومجلس البحث العلمي، والهيئة العامة للتعليم الأكاديمي).

وحرصا منه على تعظيم دور المرأة في عملية التنمية المتكاملة جنبا إلى جنب مع الرجل، باعتبارها قاعدة الشراكة المجتمعية بكل ما تحمله من معان ودلالات، فقد استرشد مجلس عمان في مساعيه وجهوده لتمكين المرأة العمانية بمقولة جلالة السلطان قابوس التي أكد فيها : «إن المرأة أحد جناحين يحلق بهما الوطن». وقد وضع المجلس استراتيجية وطنية تتوخى تمكين المرأة العمانية وتعكس اهتمام السلطنة بقضيتها ودعمها نحو الازدهار والرقي وتمكينها مجتمعيا للمساهمة في تقدم البلاد. ولقد أثمرت تلك الاستراتيجية عن تمكين المرأة العمانية من الحصول على فرص متساوية في التعليم ومجالات العمل، حتى تبوأت أعلى المناصب، ومع منح المرأة حقوق المواطنة الكاملة، خصوصا في المجال السياسي والاجتماعي، وإلغاء كافة القوانين التي كانت تنطوى على أي قدر يحد من انطلاقها بدأت المرأة تقتحم المجال السياسي، وتترشح لأهم المواقع، وتتبوأ مناصب سياسية رفيعة، سواء في الحكومة أو البرلمان.

كما أضحت المرأة سفيرة ووزيرة ووكيلة وزارة، وسفيرة لدى الأمم المتحدة. وعلاوة على ما سبق، أولى مجلس عمان اهتماما لافتا بالسياسات الاجتماعية وتقديم الخدمات للمواطنين، من دون تمييز وعلى أعلى مستوى من الجودة، مع توفير آليات واضحة للتمكين المجتمعي، وتعزيز فرص التنمية البشرية مع تحري المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص في توزيع مشروعات وعوائد التنمية، مع تطوير المؤسسات المجتمعية وتنظيم التفاعلات السياسية والاجتماعية من خلالها، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تحصين المجتمع وتأمين تماسكه، إضافة إلى سد الباب أمام أي شعور بالتمييز أو الغبن من جانب شرائح اجتماعية معينة أو فئات مجتمعية، بما ساعد علي دفع مسيرة البناء والتنمية قدما للأمام.

تبقى الإشارة إلى أن جهود مجلس عمان من أجل تحقيق التنمية المستدامة والشاملة إنما تأتى منسجمة ومتناغمة مع المعادلة الحاكمة لكافة تحركات الدولة العمانية بهذا الصدد، وهي التي تستند بدورها على ثلاث قواعد وطنية رئيسية، تتعلق أولاها بمفهوم التطور السلمي باعتباره قيمة عليا بحد ذاته، بينما ترتبط ثانيتها بفكرة تدرج البناء ومتطلبات تطويره واستمراره وفقا لاحتياجات المجتمع. أما ثالثتها، فتختص بتبني صيغ توافقية قائمة على مراعاة مقتضيات المحافظة على خصوصية المجتمع العماني والرغبة في التوافق مع متطلبات عملية التطور الديمقراطي.