humdah
humdah
أعمدة

الدقم.. المكان

12 نوفمبر 2017
12 نوفمبر 2017

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

أخذت رحلتي الأولى إلى ولاية الدقم المخطط لها أن تكون وجهة اقتصادية عالمية، كانت تجربة جميلة ومذهلة، كانت الطائرة تطير على ارتفاع منخفض أغلب الوقت مما مكنني من رؤية الصحراء العمانية من السماء بذهول شديد، وقد تملكتني الدهشة كطفلة أمام مشهد عروق الأودية ومجاري المياه وهي تشق جبال عمان شقا، مكونة عروقا شبيهة بالشعيرات الدموية على الجلد، و قد خلتها كذلك فعلا، فتلك العروق هي التي تسقي صحراء عمان وتبعث فيها الحياة. التكوين الصخري للدقم عجيب جدا، شعرت بأنني أقرب من أن أكون على كوكب آخر، فصخوره بدت لي وكأنها كانت حتى عهد قريب قاع محيط ضاربا في العمق، والصحراء الصخرية ممتدة أمامي للوهلة الأولى يخال للمرء بأنه مستحيل أن يكون من أثر للحياة هنا.

حطت بنا الطائرة في مطار الدقم الذي هو عبارة عن غرفة صغيرة، أدهشني و أنا أهم بإرسال رسالة عبر الواتساب لزميلنا الذي جاء لاستقبالنا لإبلاغه بأن الطائرة هبطت، فأجده يفاجئني برسالة (الحمد الله على السلامة) وصورة الطائرة التي هبطت للتو، كطائر وديع يضاءل حجمها وسط هذه الصحراء القاحلة التي تحيط بها.

الوضع في الفندق مختلف تماما، فغرفه الواسعة والعصرية متناقضة تماما مع محيطها، إذ ما أن توصد باب غرفتك حتى تنسى بأنك في وسط صحراء قاحلة.

في المساء كنا على موعد مع وجبة عشاء في بيت أحد أعيان المنطقة، استضافنا في المجلس الذي كان أشبه بصالون فندق ضخم، بديكوراته وأثاثه الفخم الذي ينسيك ما أن تدخله بأنك في قلب الصحراء، مرفق به صالة طعام بجلسة عربية لا تقل ضخامة عن المجلس الرئيسي، ودورات مياه تشعرك بمغاسلها أنك في صالة أفراح ضخمة، كما أرفق بالمجلس أربع غرف نوم تم تهيئتها بالكامل للضيوف، الذين غالبا ما يكونون أصدقاء من مناطق مختلفة من عمان يحطون الرحال قبل مواصلة رحلة طويلة إلى الجنوب العماني..

بدا لي كل شيء في تلك المنطقة متناقضا بشكل مذهل، فإلى جانب المشاريع العملاقة التي بدأت تظهر ملامح بعضها، يوجد كم من (عزب) البدو المنتشرة على اتساع الصحراء، يقع البعض منها على بعد خطوات فقط مما بدا أنه مبنى حكومي.

كما بدت المنازل متواضعة للغاية لا تشي بالثراء المعروف به أهالي المنطقة، والبحر يتداخل مع الصحراء بدون حواجز، يشعرك بهيبة المكان، وسحر الطبيعة، وإبداع الخالق، وإرادة الإنسان الذي استطاع أن يطوع هذه الظروف، ويعيش رغما عن وعورة وصعوبة تلك البيئة، مضت فترة طويلة على تلك الزيارة، لم تكن لدي نية في الواقع للكتابة حول تلك الرحلة، لكن أجد نفسي أعود بالذاكرة كثيرا لذلك المكان، بغموضه وسحره وجماله الفريد، الذي يمثل عمان بتنوعها وتناقضها وجمالها، تضاريسيا وثقافات ولهجات وأزياء تقليدية وثراء مطبخها، الذي لا يفتأ يفاجئني في كل مرة بالمزيد.

الدقم التي رأيت ليست منطقة اقتصادية عملاقة، تعد بنشاط اقتصادي كبير، الدقم التي رأيت هي عمان مصغرة بكل ثرائها وتنوعها وسحرها.