أفكار وآراء

غياب يوم الادخار العالمي بالمنطقة

11 نوفمبر 2017
11 نوفمبر 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

قد مرّ اليوم العالمي للادخار في المنطقة الخليجية دون أن نسمع عن أي احتفال أو مناسبة أقيمت من قبل البنوك أو المؤسسات المالية لإحيائه. فهذا اليوم الذي يقام في 31 من شهر أكتوبر من كل عام، هدفه نشر مزيد من الوعي لدى أفراد المجتمع عامة بأهمية الادخار والترويج، الأمر الذي تحرص عليه دول العالم بأن تقيم في مثل هذا اليوم عددا من الفعاليات التي ترمي إلى الاهتمام بجمع الادخارات خاصة الفردية منها، وتحذير الناس من مغبة الاستمرار في صرف مدخراتهم بطرق التبذير والإسراف في شراء بعض السلع والمنتجات من خلال استخدام البطاقات الائتمانية بصورة غير منطقية. وهذا ما يجعل اليوم أن ترتفع مديونيات الأشخاص شهريا، ولا تُعطى الفرصة لهم لادخار جزء من أموالهم للغد.

لقد تم تأسيس هذا اليوم في 31 أكتوبر 1924، وذلك خلال المؤتمر الدولي الأول للادخارات من قبل (الجمعية العالمية لبنوك الادخار) في ميلانو بإيطاليا. ويعتبر من الأيام التي يكرس فيها الأعمال لتعزيز المدخرات في جميع أنحاء العالم. ومن هذا المنطلق تعمل بنوك الادخار، وفي إطار جهودها الرامية إلى تعزيز الادخار بدعم فعاليات المدارس وعلماء الدين بجانب المؤسسات الثقافية والرياضية والمهنية والنسائية للمشاركة في هذا اليوم.

ويعقد اليوم العالمي للادخار كل عام في عدد من الدول باستثناء الدول التي يكون فيها هذا اليوم إجازة رسمية، حيث إن الفكرة من ذلك بأن تكون المصارف مفتوحة في ذلك اليوم حتى يتمكن الناس من تحويل مدخراتهم إلى حساباتهم، ويضعوا في اعتبارهم فكرة الادخار للجمهور العالمي ومدى ملاءمته للاقتصاد والأفراد.

إن فكرة هذا اليوم لم تولد من فراغ، وإنما كانت هناك بعض من الأمثلة التي توحي بفكرة توفير المال من أجل الحصول على مستوى حياة أفضل وضمان الاقتصاد، فعلى سبيل المثال احتفلت إسبانيا باليوم الوطني الأول للادخار في عام 1921، وفي مثل ذلك ألمانيا حيث كان لا بد من استعادة ثقة الشعوب في المدخرات لأن الكثيرين منهم فقدوا مدخراتهم في الإصلاح النقدي الألماني لعام 1923. وبعد الحرب العالمية الثانية، واصل اليوم العالمي للادخار، وبلغ ذروة شعبيته في السنوات ما بين 1955 1970. وأصبح عملا تقليدا حقيقيا في بعض البلدان. وفي الوقت الحاضر تركز البنوك التي تنظم يوم الادخار العالمي على البلدان النامية، حيث إن كثيرا من الناس يجهلون الأمور المصرفية. وتلعب مصارف الادخار دورا مهما في تعزيز المدخرات في هذه البلدان من خلال قيامها ببعض الحملات والمبادرات مثل العمل مع المنظمات غير الحكومية من أجل مضاعفة عدد حسابات الادخار التي يملكها الفقراء.

إن اليوم العالمي للادخار هو حدث لوعي العالم بأهمية الادخار سواء بالنسبة للاقتصادات الحديثة أو للأفراد على حد سواء. فالوفورات مهمة في الاقتصاد العالمي ويساهم كل مودع في تطوره. وتسعى البنوك المجتمعة للترويج للادخار الإيجابي على الاقتصاد، وعلى أفراد المجتمع الاشتراك مع مختلف مؤسسات المجتمع المدني لإحيائه. وقد اعتبر الادخار تعبيرا عن نضج الشعب والبلد. ففي اليوم العالمي للادخار تتخذ المؤسسات المشاركة أشكالا مختلفة منها نشر الملصقات وإلقاء المحاضرات وإعداد الكتيبات والمنشورات والمقالات الصحفية وبث الأفلام التعليمية والدعائية بجانب الجانب الترفيهي. وتنظم المدارس دورات خاصة لتثقيف الأطفال حول فضائل (الادخار). وعلى مدى أكثر من 90 عاما، يقود المعهد العالمي للادخار والخدمات المصرفية للأفراد وأعضائه سنويا يوما مكرسا لتعزيز فضيلة توفير المال. وفي بداية تأسيسه أعرب ممثلو 29 دولة عن رغبتهم في أن يضعوا في اعتبارهم فكرة الادخار للجمهور العالمي ومدى ملاءمته للاقتصاد والأفراد. ويتخذ من بروكسل مقرا له وأعضائه، ويضيف اليوم العالمي للادخار مزيدا من التركيز على دور تحقيق الاستقرار الذي يلعبه الادخار والخدمات المصرفية للأفراد في النظام المالي العالمي، حيث يتم التعاون بين البنوك المحلية والشركاء المسؤولين في المجتمعات المحلية، والزبائن، والأسر المعيشية، والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والسلطات المحلية، ويتم إعلام الناس في جميع أنحاء العالم حول فكرة توفير أموالهم في بنك بدلا من الاحتفاظ بها تحت فراشهم.

ويركز هذا اليوم على دور تحقيق الاستقرار الذي يلعبه الادخار والخدمات المصرفية للأفراد في النظام المالي العالمي، فيما تلعب مصارف الادخار دورا مهما في تعزيز المدخرات في هذه البلدان من خلال القيام ببعض الحملات والمبادرات مثل العمل مع المنظمات غير الحكومية من أجل مضاعفة عدد حسابات الادخار التي يملكها الفقراء. ورغم أهميته فإن هذا اليوم يمر في المنطقة الخليجية دون تنظيم أي فعالية توحي بأهمية تنبيه الشباب بالنتائج السيئة بالاعتماد على القروض الشخصية في حل مشاكلهم المالية المطلوبة واللازمة وغير المطلوبة.

فالادخار عملية يمارسها الفرد عن طريق تجميع الأموال الفائضة لديه في الحاضر من أجل تحقيق أهداف له في المستقبل، أي أنه وسيلة احتياط للمستقبل، ومصدر دخل دوري إضافي يستفيد منه الفرد، عكس ما يقوم به في حال الاستقراض السنوي والاعتماد على القروض، لأن جزءا من أمواله تتوجه نحو تغطية فوائد القروض. كما أن للادخار أهمية اقتصادية سواء على الأفراد أو على المجتمعات، فهو من جهة يساعد الأفراد في مواجهة الأحداث المستقبلية غير المتوقعة التي قد تحدث في حياتهم، والاحتياط لطوارئ الحياة، وكذلك يساعدهم في مواجهة متطلبات الحياة، والحصول على دخل دوري. كما يساعد المجتمعات في وصول الاقتصاد القومي لمرحلة النمو الذاتي من خلال مساهمته في عملية التنمية الشاملة، وكعامل آخر للتخفيف من الضغوط التضخمية، والمحافظة على الاستقرار النقدي في البلاد. فالادخار ظاهرة اقتصادية أساسية في حياة الأفراد والمجتمعات، وهو الفارق بين الدخل الذي يصل إلى يد الفرد، وما يستهلكه الأخير على معيشته وسائر الخدمات الاستهلاكية.. لقد تبلور مفهوم الادخار منذ بدء الفطر الاقتصادي المنظّم بالعلاقة مع مفهوم الفائض الاقتصادي. وقد أبرز التجار في الماضي أهمية المعادن الثمينة في عملية الادخار بسبب الحروب التي كانت تقع بينهم. فكان تملك احتياط الذهب يعني تملك مزية الشراء نقدا، إضافة إلى المزايا الاقتصادية والسياسية الأخرى. وهذا يعني أيضا أن على الدولة أن تتدخل في توجيه الاقتصاد الوطني.

وعموما فإن عملية الادخار تقوم على دعامتين أساسيتين هما القدرة على الادخار والرغبة في الادخار، فالأولى تعني قدرة الفرد على تخصيص الجزء الذي يفيض عنه من دخله من أجل المستقبل، وهي تحدد بالفرد بين حجم الدخل وحجم الإنفاق، ويتوقف الإنفاق على نظام معيشة الفرد، وسلوكه، وتصرفاته. أما الثانية، فهي مسألة نفسية، تقوى وتضعف تبعا للدوافع التي تدعو إلى الادخار، ومقدار تأثر الفرد بهذه الدوافع. وإن أهم الدوافع النفسية للادخار هي اختلاف وتغيير نمط الاستهلاك، فعندما ينخفض الاستهلاك، أو يرتفع الدخل تتوافر الرغبة في تنظيم النفقات، تبعا للتغيرات المتوقعة أو غير المتوقعة في الفرق بين الدخل والحاجة والرغبة في الثراء.

إن اليوم العالمي للادخار هو حدث لوعي العالم بأهمية الادخار، الأمر الذي يتطلب من جميع أفراد الأسر والمجتمع بضرورة توعية الابناء بأهمية الادخار لمستقبلهم، خاصة وأن الظروف التي نعيشها اليوم من ثروة ورفاهية ربما ستفتقدها الأجيال المقبلة. فالادخارات تشكّل دعامة وجدارًا للأبناء الذين سيأتون لاحقا، وهذا مع الاحتفاظ بها لليوم الأسود.