أفكار وآراء

هل يمكن مساعدة السوريين دون مساعدة الأسد؟

10 نوفمبر 2017
10 نوفمبر 2017

فيليب جوردون وجيمس دوبينز وجيفري مارتيني– واشنطن بوست -

ترجمة قاسم مكي -

إن لم تكن الحرب الأهلية السورية تقترب من ختامها، فعلى الأقل فإن التوقف عن القتال قد يمكن تحويله إلى نهاية للحرب. لقد فشلت جهود امتدت لأكثر من ستة أعوام لإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد. فتعليق وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون مؤخرا بأن «حكم عائلة الأسد يصل إلى نهايته» ليس منفصلا عن الواقع فقط، ولكن أيضا عن سياسة الولايات المتحدة التي تركز على محاربة جماعة الدولة الإسلامية ـ داعش - بدلا عن نظام دمشق. وفي هذه الآونة فحتى أنشط أنصار تغيير النظام السوري، قلصوا من تطلعاتهم إلى مجرد تأسيس جيوب صغيرة وقليلة داخل سوريا يتمتع فيها المعارضون العرب والجماعات الكردية بالأمن وبشيء من الحكم الذاتي. لكن التخلي الفعلي عن جهود الولايات المتحدة والحلفاء لتغيير النظام السوري بالوسيلة العسكرية لا يعني أن دعاة التغيير هؤلاء لم يعودوا يملكون أي نفوذ محتمل في سوريا، أو أن خيارهم الوحيد الآن هو الانصراف. فلا تزال لديهم رافعة نفوذ ولكنها مستمدة أساسا من قدرتهم على تقديم أو الامتناع عن تقديم مساعدات إعادة الإعمار. من الطبيعي وجود قدر كبير من عدم الحماس في واشنطن، كما في العواصم الأوروبية والإقليمية في الشرق الأوسط، للمساعدة في إعادة إعمار بلد يديره الأسد وتؤيده روسيا وإيران. لكن في ذات الوقت لدى هذه العواصم مصلحة كبرى في إنهاء الحرب الأهلية السورية ومساعدة الملايين من السوريين، الذين نزحوا أثناء الحرب، والحيلولة مجددا دون ظهور «داعش» وإحباط مساعي تغيير التركيبة السكانية الطائفية في أجزاء من سوريا بتوطين موالين لقوة إقليمية بعينها.

لقد كان تحرير المناطق التي تقع تحت سيطرة داعش بواسطة قوات مدعومة من الولايات المتحدة أحد النجاحات القليلة التي تحققت مؤخرا في سوريا. لكن الفشل في الاستثمار في إعادة إعمار هذه المناطق وفي أمنها وعودة نشاطها الاقتصادي من شأنه تعزيز خطر حدوث انتكاسة باهظة التكلفة والحيلولة دون عودة اللاجئين إلى بيوتهم. كما من شأنه أيضا تعزيز نفوذ روسيا وإيران بتعميق اعتماد دمشق عليهما. كيف يمكن للولايات المتحدة والآخرين تقديم مساعدات إعادة الإعمار دون إضفاء شرعية على نظام الأسد ورعاته في موسكو وطهران. نحن نوصي بتبني مقاربة مشروطة تنطلق من أدنى إلى أعلى وترتكز على الانتخابات المحلية للمجالس المجتمعية التي نادى بها الدستور السوري، ولكن لم يتم تكوينها أبدا. يمكن أن تعرض الولايات المتحدة وحلفاؤها تقديم مساعدات إعادة الإعمار لأي مجتمع محلي ينظم انتخابات محلية مراقبة دوليا، طالما ظل المجلس المحلي الذي يتشكل على أساسها شريكا فعالا في إيصال هذه المساعدات. لا يعتمد مقترحنا على تقديم الولايات المتحدة العون إلى الحكومة السورية أو عبرها. ولكنه يعتمد على نفوذها في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمانحين الثنائيين الآخرين للسماح بتدفق مساعدات إعادة الإعمار سواء إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام أو خارج سيطرته والتي يمكن التحقق من وجود شركاء محليين منتخبين فيها. وهذا سيتطلب بعض التفاعل مع الحكومة السورية، ولكن ليس تقديم موارد العون إلى وزاراتها مباشرة أو عبرها. بالطبع ربما أن النظام الذي أعلن عن هدف استعادة «كل بوصة من سوريا» قد يحاول منع وصول مثل هذه المساعدات. ولكنه أيضا يعلم أنه لا يملك القوة البشرية الكافية للحكم أو توفير الأمن في كل أرجاء سوريا أو الموارد اللازمة لبسط الاستقرار في الأجزاء التي لا تقع تحت سيطرته. ففي مقابل السلام والاعتراف له «بسيادة الأمر الواقع» ربما سيرى النظام مصلحة في جهود إعادة الإعمار الخارجية التي من شأنها المساعدة على جلب السكينة. كما أن روسيا التي حققت أهدافها الأساسية المتمثلة في تجنب تغيير النظام وحرمان الولايات المتحدة من تحقيق نصر ومنع المتطرفين السنيين من الحكم في دمشق قد تضغط أيضا على النظام للقبول بذلك. وإذا حال النظام فعلا دون وصول المساعدات للمناطق التي يسيطر عليها أو سعى إلى حرمان السلطات المحلية فيها من الحكم الذاتي المحلي فسوف لن تصل المساعدات إلى هذه المناطق. لكن لن تترتب أية خسارة من محاولة عرضها. إن تقديم مساعدات إعادة الإعمار على أساس المجتمع المحلي ستسمح على الأقل بتدفق بعض العون إلى بعض المناطق التي لا يسيطر عليها النظام. وهي بذلك ستعزز الحكم التمثيلي في بعض المجتمعات المحلية. وإذا سمح النظام بتشكيل المجالس المحلية والعمل مع مجتمع المانحين فيمكن حينها أن تنطلق عملية «الإصلاح من أسفل إلى أعلى». ومن الواضح أن تقديم العون بهذه الطريقة أشد تعقيدا بكثير من العمل مع الحكومة المركزية ومن خلالها.

ولكن الفرصة ضئيلة في أن يحدث ذلك طالما ظل الأسد في السلطة بل تكاد تنعدم في أن يترك الحكم في أي وقت قريب. لذلك تقدم «مقاربة الإصلاح من تحت إلى فوق» أفضل فرصة -من وجهة نظر الكتاب- في أن تشهد بعض المناطق على الأقل نشاطا اقتصاديا متزايدا وتطورا سياسيا وعودة لبعض اللاجئين وتحقيق شيء من التقدم نحو إصلاح الدولة السورية. أما البديل لذلك فهو احتمال أن يمنع اندلاع المزيد من الصراع اللاجئين من العودة ويمنح القاعدة وداعش حياة جديدة.

* جيمس دوبينز زميل أول، وجيفري مارتيني محلل أول بمعهد راند وفيليب جوردون زميل أول في السياسة الخارجية للولايات المتحدة بمجلس العلاقات الخارجية.