أعمدة

نوافـذ :منازلنا الآمنة..

10 نوفمبر 2017
10 نوفمبر 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

من منا من لا يأمن جانبه؛ وهو بين الجدرانه الأربعة في داخل بيته، من منا لا ينام ملء جفونه؛ وهو على سرير غرفته الخاصة جدا، ومن منا لا تنبسط أساريره؛ وهو محاط بزوجته وأولاده الذين يحتسبهم عزوته، وعضده؛ عندما تعز العزوة وينكسر العضد، من منا لا تهدأ روحه؛ وهو بين نفس مترعة بالشوق والرضا والحياء؛ وهي زوجته التي قاسمته الهموم، وتقلبات الحياة الصعبة، منذ أن بدءا فردان، بارك اجتماعهما مجتمع بأسره؛ وتقدم التهاني والتبريكات والدعاء والأمنيات في مشهد لا تنسيه الأيام، من منا من يحسب للأيام دورتها؛ وهو قد أغلق عليه باب بيته بعد كفاح يوم شاق من العمل لإبقاء الحياة، من منا ينسى كل هذا العمر التراكمي الذي قضاه، وهو يصارع الأمواج العاتية المتكالبة عليه من كل صوب وحدب لأن يقول للمجتمع بأكمله ها أنا ذا أوجد لنفسي كيانا خاصا يحمل «شيفرته» الأسرية التي تجعل الأعناق تشرئب إليه، لأنه فلان يحمل لافتة تقول: «ليس الفتى من يقول كان أبي: بل الفتى من يقول ها أنا ذا».

تفرض هذه الأسئلة الاستهلالية نفسها هنا كمدخل لحوار – أحسبه – منولوجيا بالدرجة الأولى، لأنه لا يحدث إلا في حالات خاصة، ولأن هنا الحديث عن منازلنا الآمنة، فيقينا؛ أن لكل منا خصوصيته، وفرديته، ووحدته، حيث يبقى في شبه المستحيل أن تتماثل التجارب الأسرية في حيواتها اليومية، وإن اتفقت في كثير منها على قضايا عمومية تشترك فيها كل الأسر في المجتمع، والحديث هنا يخرج عن فهم «العزاب» الذين تفوتهم التفاصيل الصغيرة في مثل هذه البناءات الأسرية المعروفة.

عندما أقول: «منازلنا الآمنة» فإنها حقا آمنة، وإلا لما عمرت عشرات السنين، ويجب أن تبقى آمنة، وهنا لا أتحدث عن حالة خاصة، وإنما أنظر الى المجتمع من زواياه الأربع، وأكثر ما يقلقنا أن يقوض هذا الأمن بسلوكيات سيئة من كثير من أفراده؛ مقصودة أو غير مقصودة، والخطورة أكبر عندما يستمرئ أحدنا الفعل المشين في لذة عابرة، ويكون ذلك على حساب «منازلنا الآمنة» فحالات الطلاق التي نقرأ عن تزايدها بين كل فترة وأخرى في مجتمع، يكاد يكون صغيرا، بقياس المجتمعات الكبيرة المعقدة، ندرك أن هناك خللا ما يقوض حالة الهدوء التي تعيشها «منازلنا الآمنة» وعندما نقرأ عن ازدياد حالات الخيانات الزوجية وحالات الاغتصاب وحالات التحرش الجنسي من أفراد في أعمار متفاوتة؛ دون تخصيص فئة عمرية بعينها، ندرك أن هناك نقصا لم تستطع أن تملأ فراغه «منازلنا الآمنة» وعندما نعيش نموا مطردا في ارتباك المنظومة القيمية بكافة مفاهيمها التي نعرفها؛ نقر يقينا أن ذلك يكون على حساب استقرار «منازلنا الآمنة» وعندما نرى كثيرا من تصرفات الأفراد الأخرى ليست وفق المعايير المطلوبة؛ حيث تخرج عن فهم اللياقة الاجتماعية، والسنت الاجتماعي، ندرك أن هناك تحولا كبيرا في مفهوم «منازلنا الآمنة».

هنا نقول وبصوت العقل أولا لكثير من أبناء المجتمع: «منازلنا الآمنة» هي مكسبكم؛ وأنتم استحقاقاتها الكبيرة، وحالات الهروب الحاصلة من مسؤولياتها الكثيرة؛ تداعياتها خطيرة، فلا تراهنوا على الزمن للتعويض، فالأجيال تكبر بسرعة البرق، فلا تجد القدوة، والزوجات يصبن بالاكتئاب، فلا يجدن من يمسح عنهن دموع الفقد، وفي كلا الأمرين عندما تتعمق المشكلة؛ فلا مجال للخروج من عنق الزجاجة إلا خارج حدود «منازلنا الآمنة» وهذه أسوأ نتيجة متوقعة لا يرضاها كل من يحمل ذرة عقل تعنيه على التفريق بين الخطأ والصواب.

إن رمزية الأب في سلطته الأبوية لن تتحقق إلا من خلال أن يكون حاضرا حسا ومعنى، وهذه السلطة لا بد أن تؤسس لنفسها أرضية خصبة من القدوة والمثل والعشرة الطيبة، حتى لا تصبح سلطة مهيمنة على فراغ لا إيمان له في نفوس كل فرد في «منازلنا الآمنة».