1156666
1156666
إشراقات

وجوه طلــب الرزق

10 نوفمبر 2017
10 نوفمبر 2017

الالتفات إلى مصادر الدخل الغيبية -

هلال بن علي اللواتي -

أولاً وقبل كل شيء لا ينبغي الغفلة عن أن الوجود قائم به سبحانه، وأن كل شيء فقير ذاتًا إلى هذا الغني بالذات، وأنه هو الجمال الحقيقي المطلق، وبالتالي فإن ما يطلبه الإنسان من الخير والكمال والجمال الحقيقي فلن يجد سوى عنده سبحانه وتعالى، وقد أثبتت البراهين العقلية على وحدانيته سبحانه في كل شيء، وعلى العجز الحقيقي لسائر الكائنات والمخلوقات.

ومن أهم ولعلها الأفضل والأجمل معجزة للدين الإسلامي هو: «معارف القرآن الكريم» حيث يوقف الإنسان على الحقائق الوجودية، ويرفع من شأنه بتلك المعارف، ويحرره من إسار الأوهام التي قد تسجنه في إطارها الضيق، وتمنعه من السعي نحو سعادته وحضارته.

ومن أهم المعارف التي تنضوي تحت «معارف التوحيد» هو ما يتعلق بموضوع «الغنى والفقر»، وبموضوع «الرزق»، كيف؟!.

الجواب: إننا لو نظرنا إلى أحد المعارف التي يقدمها القرآن الكريم وهي الموجبة إلى تحرر المرء من الأوهام والخيالات أن تبين للإنسان أن الحصول على مصادر الرزق ليس إلا من خلال واضع الرزق وصانعه، وأن الإنسان ليس سوى وسيلة لاستحصاله، وهو غير قادر على منح الرزق للإنسان بشكل مطلق وذلك لأن «فاقد الشيء لا يعطيه»، والبرهان العقلي يثبت هذه الحقيقة بل الوجدان قائم عليها، فمن يريد الحصول على الرزق ما عليه سوى أن يطرق باب «الغني المطلق» فإنه سوف يخيب من دعاه.

فمعارف القرآن الكريم تقود المرء إلى الوقوف على هذه الحقيقة الوجودية، فإذا آمن بها المرء وجد صحة هذا الأمر وبشكل وضاح وجلي، قال تعالى: «إن الله هو الرزاق».

وبقليل من التأمل سنجد أن الرزق رزقان: الرزق المادي، والرزق المعنوي، وأغلب الناس متوجهون إلى الرزق المادي ، فيطلبون زيادة المال والعقار وشبههما، إلا أنهم يغفلون عن الرزق المعنوي الذي يعد الأهم من الرزق المادي، بل وهو يوفر الأرضية الصالحة لكسب الرزق المادي من الوجوه الصحيحة السليمة.

فالرزق المعنوي من قبيل زيادة الإيمان واليقين، والنور في القلب، والبصيرة، والصلاح، والسلامة، والأمن، والصفات الطيبة، وهنا من الجيد أن ننتبه إلى أن الرزق المعنوي لا يتأتى للإنسان على نحو دفعي لأن طبيعته من عالم التدرج، وقد بين بعض الأعلم من المفسرين للنصوص الشريفة إلى أن العبد إذ دعا ربه ليرزقه الصلاح والجمال المعنوي الروحي والنفسي والعقلي فإن الله تعالى يوفر له المقدمات المطلوبة للحصول على تلكم الكمالات، وهذا مقتضى العمل الموافق لاختيار العبد وعدم خروجه عن الإرادة.

فالعبد إذن عندما يتوجه إلى الله تعالى لطلب الرزق فإن عليه الإقدام على طلب الرزق المعنوي قبل الحصول على الرزق المادي، وقد ذكرت الكثير من النصوص إضافة إلى الإثبات التأريخي في سيرة الكثير من الصحابة الأجلاء رضوان الله عليهم وفي سيرة الكثير من العلماء إن الحصول على الرزق المعنوي يمهد وبشكل سلس وسهل الحصول على الرزق المادي، فخذ الأمانة مثالاً على ما ذكرناه، فقد ورد في النص الشريف عنه -صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين: «الأمانة تجلب الغناء، والخيانة تجلب الفقر»، وهذا الأمر إذا نظر إليه بمعزل على البعد الغيبي فقد لا يتوصل المرء إلى التلازم القائم بين الأمانة والغنى!، وبين الخيانة والفقر، ولكن مع الدخول إلى قوانين العالم التكويني فسيدرك المرء على ما تقوم عليه مثل هذه اللوازم، وعندها سيدرك جيدًا أهمية التلبس بالأمور المعنوية الخيرة، ورفع بل ودفع الأمور المعنوية السلبية، وعلاقتها بالمسائل المادية في الحياة، سواء كانت متعلقة بالحياة الفردية أو كانت متعلقة بالحياة الاجتماعية والمجتمعية.

ومن أمثلة ما يزيد في الرزق هو: «الخلق الحسن»، وأيضًا سوف نبحث هنا عن التلازم القائم بين حسن الخلق وبين الرزق، فإننا نرجع الأمر مجددًا إلى ضرورة فهم عوالم الغيب وما هو في قوانين عالم التكوين، فإن المسألة ستتضح بإذنه تعالى جليًا، وقد ورد في الأثر الشريف:«حسن الخلق يزيد في الرزق»، وورد أيضًا: «في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق».

ومن مصاديق ما يزيد الرزق هو: «الدعاء للأخ المؤمن بظهر الغيب»، فإن كل منا محتاج إلى الدعاء لعلمنا أن الأسباب المادية غير كافية لتحقيق ما تصبو إليه نفوسنا، فلابد من الرجوع والاستناد على الجانب الغيبي، ومن إحدى صور هذا الاستناد «الدعاء» وبالخصوص دعاء المؤمن لأخيه المؤمن بظهر الغيب، وقد ورد في هذا الشأن: «عليك بالدعاء لإخوانك يظهر الغيب، فإنه يهيل الرزق -يقولها ثلاثًا-».

ومن المهم هنا أن نذكر أمرًا مهمًا وهو يتعلق بكمية ما كتب للعبد من الرزق، ويمكن تقسيم هذا المطلب إلى قسمين: القسم الأول: ما يتعلق بالرزق المكتوب، والقسم الثاني: ما يتعلق بفاضل الرزق، فما معنى هذين القسمين، وما هو الفرق بينهما؟.

أما الرزق المكتوب فيلحظ في النصوص الشريفة أنه ذلك الرزق الذي كتبه الله تبارك وتعالى على كل عبد، وهي يمكن أن نعبر عنها بالميزانية العمرية، أي أنه يكتب للعبد ميزانية كاملة من أول يوم يصبح فيها نطفة، ولربما قبل هذا، إلى أن يوافيه الموت، وهذا الرزق المكتوب لا يزيد ولا ينقص، فعلى ما يحرص العبد في الحصول على رزقه المكتوب، الذي لا يدفعه منع مانع ولا يجلبه حرص الحريص، وقد جاء على لسان الإمام زين العابدين عليه السلام: «وجعل لكل روح منهم قوتًا معلومًا مقسومًا من رزقه لا ينقص من زاده ناقص، ولا يزيد من نقص منهم زائد»، لهذا جاءت التعليمات النبوية الشريفة بضرورة العلم والإيمان بحقيقة ما عليه الطبيعة الوجودية، فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين: «لا تتشاغل عما فرض عليك بما قد ضمن لك، فإنه ليس بفائتك ما قد قسم لك، ولست بلاحق ما قد زوي عنك»، فالحمد لله تعالى على ما ضمن للخلائق أرزاقهم، قال تعالى: «وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها». وأما القسم الثاني هو الرزق الذي يطلبه العبد أن يزيده الله تعالى من فاضل نعمته، وهذا الذي يمكن أن يطلبه العبد، ويحاول الاستزادة منه ليومه ولحياته، ومن الطبيعي أن مثل هذا الرزق لا يتأتى إلا من وجهه الذي جعله الله تعالى وهو الوجه الحلال الطيب البعيد عن إذلال النفس وإراقة ماء الوجه، فالإنسان عزيز، وعزته أمانة لديه، فلا يحق له أن يسترخصها لأحد من الخلائق.

وقد وضع الله تعالى أبواباً إلى الرزق ومن أهم تلكم الأبواب «التقوى»، قال تعالى:«ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب»، ومن تلكم الأبواب: «الاستغفار»، والإكثار منه، قال تعالى: «فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا».

ولا ننسى بأن الله تبارك وتعالى رب وهاد، فهو سبحانه في مقام تربية العبد، واختلاف أرزاق العباد نحو من أنحاء التربية العقلية والروحية والسلوكية، قال تعالى: «ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير».

ويمكن المرء أن يستعين أيضًا ببعض السلوكيات الجميلة لإدرار الرزق عليه، فمنها: صلة الأرحام، وقد ورد في الأثر الشريف: «صلة الأرحام تحسن الخلق وتسمح الكف وتطيب النفس، وتزيد في الرزق وتنسئ في الأجل».

وختاماً على المرء أن ينتبه إلى الذنوب والمعاصي فإن من أهم آثارها حبس الرزق، أو تحويله عنه، وقد ورد في الأثر الشريف: «إن العبد ليذنب الذنب فيزوي عنه الرزق»، وورد أيضاً: «احذروا الذنوب، فإن العبد ليذنب فيحبس عنه الرزق».

إذن .. من المهم الالتفات إلى مصادر الدخل الغيبية، والتي لها الأثر الواضح على عالم المادة وحياتها، فإن كان السلوك إيجابيًا جذب الرزق من عوالمه الغيبية بأبهى صوره، وإذا كان السلوك سلبيًا حجب الرزق إثر تفعيل القانون التكويني والسنة الإلهية، وعرض المرء نفسه حينها إلى الإذلال والمواقف غير الحميدة.